لايزال فى الجعبة الكثير من الحديث عن الإرهاب ومخاطره وتداعياته على أمن المجتمعات واستقرارها، وعلى مستقبل الأوطان ونهوضها. فالمنطقة العربية برمتها تواجه تحديا جسيما يُعد من أخطر التحديات فى تاريخها الحديث والمعاصر، يتمثل هذا التحدى فى ذيوع دعوات الإرهاب وانتشارها وكأنها دعوات للسلم والاستقرار والتنمية. وهنا محك الخطر الرئيسى أن يتحول الخطاب لدى بعض فئات المجتمع وأبنائه من خطاب بناء وتقدم إلى خطاب تدمير وهدم، بل الأكثر خطورة أن يحمل هذا الخطاب صبغة دينية، بما يقدم الاديان بصفة عامة والدين الإسلامى على وجه الخصوص وكأنه دين للقتل والإرهاب والتدمير والاعتداء على الحرمات والممتلكات العامة والخاصة، وهذه هى الطامة الكبرى والمصيبة العظمى التى أصابت الأمة الإسلامية فى اعز ما تملك، وهو دينها الحنيف الذى يتسم بالسماحة والرحمة والتسامح والحوار وقبول الآخر. من دون الدخول فى شرح معلوم للكافة عن تعاليم الدين الإسلامى بشأن التعامل مع الآخر المختلف دينيا أو مذهبيا أو عقائديا أو جنسيا أو عرقيا، فإنه من المهم أن يكون واضحا أمام الجميع أن أية دعوات تطلقها جماعات أو تنظيمات تلتحف بالدين الإسلامى، وتحاول توظيف آيات كتابه الكريم من أجل تحقيق مصالح دنيوية ورغبات شخصية وطموحات ذاتية، هى دعوات باطلة وفاسدة. فالدين أعظم من أن توظفه جماعة لمصالحتها أو يستخدمه تنظيم فى سبيل تحقيق مآربه وأهدافه الخبيثة. من هذا المنطلق، فإن الدعوة التى أطلقتها جماعة الإخوان وتحالفاتها وأنصارها إلى التظاهر فى الثامن والعشرين من نوفمبر تحت شعار رفع المصاحف، تأتى فى الإطار الذى نتحدث عن مخاطره وتداعياته السلبية ليس فقط على الدولة والمجتمع، وإنما على مستقبل الجماعة وأعضائها، فمن يراجع مواقف الجماعة منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير وحتى وصولهم إلى الحكم ولفظ المجتمع لهم فى الثلاثين من يونيو بسبب ممارستهم غير الوطنية والتى هدفت إلى تفتيت الإرادة الوطنية وتشتيتها، يكتشف أن القائمين على الجماعة لا يُحسنون إدارة شئونها ولا شئون أعضائها، بل لا يُحسنون التعامل مع مختلف فئات المجتمع وقواه المختلفة، فقد بدأوا فى مناصبة العداوة للدولة الوطنية ومؤسساتها وتحديدا المؤسسات الأمنية ممثلة فى القوات المسلحة والشرطة، وانتقلوا إلى الإساءة إلى بقية المؤسسات الأخرى وخاصة مؤسستى القضاء والإعلام، واليوم يناصبون المجتمع بكافة فئاته وتنظيماته وانتماءاته العداء من خلال الدعوات المستمرة للتظاهر وما يصاحبه من اعتداءات مستمرة على ممتلكات الدولة والمواطنين، وهو ما يُبطل كل ادعاءاتهم بشأن سلمية تظاهراتهم وحرصهم على المصلحة العامة، فكيف يمكن أن تتحقق المصلحة العامة أو حتى مصلحة الجماعة فى ظل جو مشحون بالتوترات والاعتداءات وممارسات العنف ونشر الفوضى وشيوع الخوف بين المواطنين؟ وهذا هو بيت القصيد فى تفكير الجماعة وأسلوبها فى التعامل مع المختلف فكرا وممارسة. واليوم تأتى بدعوة تحمل أخطاء كثيرة وخطايا عديدة عن استدعاء شعار رُفع فى اخطر اللحظات وأحلكها فى تاريخ الأمة الإسلامية، بما يُعرف بأحداث الفتنة وما ترتب عليها من انقسام صف الأمة ووحدتها، وهو ما تسعى إليه الجماعة فى أن تحقق دعوتها المآرب ذاتها فى إيجاد شرخ مجتمعى بين أبناء الأمة المصرية، وهو رهان ما زالت ترتكن إليه مخططات الجماعة وخططها فى التعامل مع الدولة. رغم أنه رهان خاطئ لا يمكن أن يتحقق بقراءة التاريخ وأحداثه، حيث فشلت كافة المحاولات التى استهدفت اللعب على وتر الانقسام داخل المجتمع المصرى سواء أكان انقساما على أساس الدين أم على أساس الانتماء العرقى أم على أساس الفكر والايدولوجيا. ولعل قراءة الجماعة وقيادتها لكتب التاريخ ما يفيدها فى أن تستخلص العبر وتستفيد من تجارب السابقين حتى لا تكرر الأخطاء ذاتها, ومن أنسب الكتب التى يجب على الجماعة قراءتها فى تلك المرحلة حتى تكف عن نهجها وتستفيق من غفوتها كتاب عالم الجغرافيا المصرى «جمال حمدان» الذى يتحدث فيه باستفاضة عن الشخصية المصرية تاريخها وسماتها على مر العصور، إلا أنه مما يبدو من المطلع على أسلوب إدارة قيادة الجماعة لأزمتها الحالية مع الدولة والمجتمع، يصل إلى نتيجة مفادها أنهم لا يقرءون إلا كتبا خاصة بهم ولا يفقهون إلا تفسيرات تتعلق بفهمهم الخاص للدين، وهو ما يُوقعهم فى كثير من الأخطاء التى يصعب على المجتمع أن يغفرها لهم. ملخص القول إن الدعوة الباطلة التى تنادى بها جماعة الإخوان وتحالفاتها للتظاهر برفع المصاحف، تظل دعوة محصورة فى نطاقهم وتنطلق من عالمهم دون أن يكون لها انعكاس على توجهات الرأى العام المصرى الذى يرفض مثل هذه الدعوات الانقسامية، ويقف دائما وأبدا مع الدعوات التى تستهدف حماية الدولة وصون استقرارها والدفاع عن المجتمع والمحافظة على أمنه وتضامن أبنائه، وهو ما تجلى واضحا فى التفاعل المجتمعى واسع النطاق مع دعوة حزب النور التى حملت شعار «مصر بلا عنف» لتظل هى دعوة العقلاء الحريصين على مصلحة الدولة والمجتمع، فى مواجهة دعوة الفتنة والإرهاب التى تحملها الجماعة وأنصارها. لمزيد من مقالات عماد المهدى