رنة مميزة على تليفونى المحمول تعلن وصول رسالة تحمل أخبارا جديدة. "تنامى ظاهرة الإرهاب الدولى. عنوان ندوة تعقدها منظمة تضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية بالقاهرة"، كانت تلك هى الرسالة القصيرة التى وصلتنى، فسارعت إلى حى المنيل الهادئ حيث عُقدت الندوة التى كانت فى محتواها ومضمونها أبعد ما يكون عن الهدوء! فقد بادرنا المتحدث الرئيسى محمود الشناوى، مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط ومراسلها السابق فى العراق، بالتأكيد على أن هناك تعاونا واتفاقا بين قوى الإرهاب فى المنطقة العربية من جانب والغرب من جانب آخر فيما يتعلق ب"الفوضى الخلاقة". فنظرية وأسلوب ومنهج "إدارة التوحش" الذى تتبناه التنظيمات المسلحة المتشحة بعباءة الدين هى ذاتها "الفوضى الخلاقة" التى يحاول الغرب تطبيقها على المنطقة العربية منذ سنوات. وكشف المتحدث أنه من خلال نظرية "الفوضى الخلاقة"، التى صدرتها الولاياتالمتحدة للمنطقة، سعى الغرب إلى إعادة تشكيل المنطقة من جديد من خلال عدة خطوات تبدأ بهدم المجتمعات بأى صورة كانت ثم تخرج من هذا الهدم بنوع من الفوضى ويعاد تدويرها لإعادة إنتاج مجتمعات جديدة بقيادات جديدة تتماشى مع مصالح الغرب عامة والولاياتالمتحدة على وجه التحديد. أما الفكر الذى يصفه واضعوه ب"السلفى الجهادى" بعد تطوره، فيقوم على تجهيل المجتمع وتكفيره وتطبيق نظرية "إدارة التوحش" التى تقوم على 3 مراحل هى كما يلى: أولا:"شوكة النكاية" أو الإنهاك ؛ حيث يتم خلال تلك المرحلة إنهاك الدولة بأكملها أو جزء منها وتحويله إلى جزء فاقد للشرعية والقانون. وعندها يتم الإنتقال إلى المرحلة الثانية وهى"التوحش"، حيث يتدخل المسلحون بفكرهم ودعايتهم بدعوى إقامة دولة العدل والحق بمفهومها القديم المتمثل فى دولة الخلافة الإسلامية، ثم يشرعون فى إدارة هذا التوحش للوصول إلى المرحلة الثالثة والأخيرة وهى "التمكين" ليقيموا الدولة على أنقاض الدول العربية الأصلية. وتوقع المتحدث أن يكون مصير "داعش"هو الدخول فى موجات من المواجهات العسكرية إلى أن تتقلص على الأرض فقط. إلا أن وجودها "الفكرى"سيظل منتشرا. فقد أكد الشناوى على مخطط "داعش" الدعائى الذى قدم للبسطاء "وهما" كبيرا من خلال وسائل الإتصال المختلفة يقول بأنهم يقاومون الظلم والإمبريالية والإستعمار الغربى وأنهم يحاولون إقامة دولة العدالة. ولكن ما أن يقع الشاب أو الفتاة فى الفخ، ويقتنع بالعنف والتخريب، ينتهى أمره، ويسقط فى أيديهم، محذرا من أن برامج التواصل الإجتماعى (مثل الفيسبوك) هى وسيلة الإرهاب فى الإتصال والإنتشار. وبالتالى علينا أن نستعد للمواجهة القادمة. إنها مواجهة فى ميدان الفكر والعقل. وكما يقال إن الأفكار لديها أجنحة وبالتالى هى تحلق متجاوزة الجدران والحدود. والهدف الذى ستسقط تلك الأفكار المحلقة فوق أم رأسه سيكون الفرد أو مجموعة محدودة من الناس. ولكى تكون هناك مواجهة فعالة لأى شكل من أشكال الفكر الضال والمنحرف، سيكون على المجتمع أن يعمل فى عدة محاور بشكل متزامن ومتكامل : فعن طريق الإعلام، يكون التحرك السريع والواعى والمدروس للرد على الأساليب الدعائية المتطورة التى يتبناها الإرهاب الأجنبى، فمن خلال المدارس والجامعات، يكون نشر صحيح العلم والفكر وحماية الطلاب من هجمات الأفكار الطائرة الطائشة، ومن خلال المجتمع، يكون نبذ ثقافة القهر والإستفزاز وإعلاء الفكر الوطنى والقومى، ومن خلال المؤسسات الدينية يكون الكشف السريع إن لم يكن الإستباقى عن المغالطات والأكاذيب التى تحملها قذائف الفكر الإرهابى الأجنبى قبل أن تسقط فوق رؤوس البسطاء مع تدعيم وزيادة نشر صحيح الدين. لقد جاء اليوم الذى أصبح العدو يستهدف فيه عقل كل فرد فى عالمنا العربى والإسلامى على أمل أن تتهاوى العقول فتتهاوى معها الأمة فيشعر العدو بالسلام ويهنأ بغنائمه المتمثلة فى الثروات الطبيعية (مثل المياه والبترول والغاز واليورانيوم) بالإضافة للثروات الفكرية والبشرية بالمنطقة العربية. ومن المؤكد أنه لا يوجد سبيل للنجاة والنصر إلا عبر سلاح "الدفاع الفكرى" لإنقاذ عقولنا وعقول أبنائنا من الهجمة الوبائية الفكرية القادمة. دارت تلك الأفكار فى ذهنى فنحيت تليفونى المحمول جانبا ونظرت إلى الأفق فى صمت. لمزيد من مقالات طارق الشيخ