لم تكن الطفلتان، التي تقف الكلمات عاجزة عن وصف صورتهما الملائكية، تدريان حينما خرجتا من المدرسة عاقدتين العزم علي مساعدة والديهما في جني محصول القطن، أن هذه المهمة ستسطر نهايتهما في الحياة، وأن ملك الموت ينتظرهما معا بفارغ الصبر، وقد بدأت رحلة الموت عندما وجدت الطفلتان ضالتهما في حبهما وعشقهما للمياه الصافية داخل البئر التي تروي أرض أبيهما، وسبقتهما حيوية وبراءة ولهو مع بعضهما بجوار البئر وهما تشاهدان صورتهما علي سطح المياه، غير أن هذه المتعة سرعان ما تحولت إلي مأساة حقيقية. وفجأة انزلقت أقدامهما وسقطتا في البئر متعانقتين، لتنقلب البئر التي ابتلعتهما من نعمة إلي نقمة ، وشاءت الأقدار أن يتقاسما لحظات اللعب والمرح واللهو والموت، مثلما نشأتا مع بعضهما رحلتا كذلك في نفس اليوم والساعة واللحظة، وكأنهما أبتا أن تتركا الدنيا معا، كما عاشتا بها معا، انتهت سنوات طفولتهما متعانقتين مع بعضهما، ولم تفترفقا حتي بعد الموت، كما كانتا تفعلان وهما أحياء ، وبعد ان غابتا عن الأنظار دون ان ينتبه اليهما أحد راح أولاد عمومتهما يبحثون عنهما في كل مكان، وفجأة تبين لهم أنهما غرقا في بئر المياه المجاورة للحقل، استغاثوا بالأهالي الذين تجمعوا لإنقاذ الطفلتين إلا أن القضاء والقدر كان علي موعد سريع معهما لتخرجا متعانقتين في مشهد تقشعر له الأبدان ، تلك المأساة جسدت معها معاني الوفاء لشقيقتين عاشتا معا حتي فارقتا الحياة، فأصبحت البئر قبرا لهما 0 سحر 10 سنوات وشقيقتها صابرين 8 سنوات، كانتا لاتتواني إحداهما في خدمة الأب والأم، وتتفاني في إرضائهما في أسرة أحبهما كل من حولها، والأب والأم احترق قلبهما من هول الفاجعة وانفرطت عقود فرحتهما في أبيار الشجن، وتبعثرت خيوط بهجتهما في دروب الحزن، وانطفأ لديهما آخر شعاع للشمس، وانطفأ قنديل البيت الصغير بعد أن اختطف الموت الرهيب الزهرتين اللتين كانت منهما تفوح نسائم الحب والحنان، وخلا المنزل الصغير من أصوات الضحكات واللهو واللعب، وسكنت جدرانه العتمة، واهتزت أركانه من أصوات البكاء والعويل من الأم الثكلي والأب المكلوم عقب فراق ابنتيهما اللتين كانا يستدفئان بأنفاسهما الطاهرة ويسيران في الدروب العتمة علي هداهما ، حيث تمني الأب والأم أن يأخذ عمرهما ويعطياه لابنتيهما، فلم يعد النوم يجرؤ علي الاقتراب من جفونهما التي ترفض الاستجابة للنوم والابتسامة والطعام، ولا تستجيب إلا لشيء واحد دون غيره (البكاء)، وما أقسي علي أي إنسان في الدنيا كلها أن يفقد ( ضناه ) ونور عينيه في لحظة غادرة لم يحسب لها حسابا، فلو أدرك أحد ذلك لقدم روحه وثروته ومتاعه وكل مايملك فداء، أهالي قرية الربعمائة بالمحمودية عاشوا لحظات الصدمة التي عرفتها المنطقة للحزن والتحسر عليهما، ولم ينسوا ذلك اليوم المشئوم الذي شيعوا فيه أجمل طفلتين وودعوهما للأبد . البداية عندما تلقي اللواء أشرف عبدالقادر مديرالمباحث الجنائية بالبحيرة إخطارا من العقيد مصطفي الصيرفي رئيس مباحث مركز شرطة المحمودية بمصرع سحر محمد عبد الكريم فتح الله 10 سنوات تلميذة بالصف الرابع الابتدائي، وشقيقتها صابرين 8 سنوات تلميذة بالصف الثاني الابتدائي غرقا بقرية الربعمائة بالمحمودية أثناء لهوهما بجوار أرضهما الزراعية، تم انتشالهما بمعرفة الأهالي بعدما انزلقت أقدامهما وسقطتا غرقا ، وأمرت النيابة بدفن جثتيهما.