داخل أسوار حصينة يبلغ ارتفاعها 10 أمتار، ونهر صناعى للحماية عرضه 52 مترا، تحتل "المدينة المحرمة" أو القصر الإمبراطورى 720 ألف متر مربع وسط العاصمة الصينيةبكين، وهى المدينة الغامضة التى كانت تجسيدا لحلم أحد أباطرة الصين ببناء قصر لا مثيل له على وجه الأرض . وظل ما بداخلها مجهولا لسنوات طويلة، حيث كانت محرمة على عامة الشعب الصينى، مما جعل الحقيقة تختلط بالخرافة حول ما يجرى بداخلها. المدينة المحرمة، التى أدرجتها اليونسكو عام 1987 فى قائمة التراث الثقافى، تحمل حكاية بنائها فصولا مهمة من التاريخ الإمبراطورى للصين، فقبلها لم تكن بكين عاصمة للإمبراطورية الصينية، حيث أقدم الإمبراطور "يونج لو" على بنائها بعد اغتصابه العرش من ابن أخيه الشاب، لينقل العاصمة إلى بكين، من مدينة نانجينج التى تبعد حوالى 9 آلاف كيلو متر إلى الجنوب، فى محاولة لطمس معالم جريمته، فعمل على إنشاء مجموعة قصور تكون الأكبر فى العالم، فبنى على مساحة 150 ألف متر أكثر من 800 مبنى، تضم حوالى 8 آلاف و700 غرفة، وأحاطها بأسوار عالية جعلتها معزولة عن باقى المدينة. استغرق بناء المدينة المحرمة، التى يبلغ طولها من الشمال إلى الجنوب 960 مترا، وعرضها من الشرق إلى الغرب 750 مترا، 14 عاما، حيث بدأ عام 1406 وانتهى 1420، وشارك بالبناء أكثر من مليون عامل و100 ألف حرفي، وكانت مقرا لأباطرة الصين من أسرتى "مينج" (1368- 1644)، وأسرة تشينج (1616- 1911)، الذين حكموا منها لمدة 491 عاما. وتنقسم المدينة، حسب شرح المرشد السياحى الإلكترونى للزائرين، إلى قسمين، هما الجزء الأمامى، الذى كان يقيم فيه الإمبراطور المراسم الضخمة، وتتوسطة ثلاثة أجنحة، أما الجزء الداخلى فكان يقيم به الإمبراطور مع عائلته، ويمارس فيه أعماله اليومية، وتوجد فيه ستة أجنحة شرقية ومثلها غربية وعمارات أخرى. ويجد الزائر للمدينة المحرمة متحف الكنوز، وهو عبارة عن مخزن كبير يضم أختام الاباطرة والشمعدانات ودبابيس الشعر وأطقم الشاي وأشياء أخرى كثيرة كانت تخص جميع من حكموا الصين وعائلاتهم ممن أقاموا في المدينة المحرم، التى تم تصميم مبانيها من كتل حجرية منحوتة يدويا وساحات مبلطة بقطع حجرية كثيرة النقوش، ويطغى على القصور والمباني الملحقة بالمدينة المحرمة اللونان الأصفر والأحمر، اللذان يحتلان مساحة كبيرة في الثقافة الصينية، لأن الأصفر ارتبط بالأسر الحاكمة التي احتكرته لنفسها، وكان غير مسموح للعامة استخدامه، بينما يمثل الأحمر لونا لحسن الطالع. وتفصل ساحات تسع الآلاف، كانت تستخدم عادة للعروض العسكرية والمهرجانات الإمبراطورية، بين القصور المتراصة في شكل سلسلة، وكلها تفتح في اتجاه الجنوب كما هو سائد في الثقافة الصينية منذ القدم، كما شُيدت منازل على أطراف سور المدينة، ويقال إنها كانت مخصصة للصف الثاني من أمراء الأسرة الحاكمة. وقد حرصت الحكومات الصينية المتعاقبة على الاعتناء بهذه المدينة، التى أصبحت متحفا شاملا يجمع بين الفنون المعمارية والآثار الإمبراطورية، ويوجد بها الآن حوالى مليون قطعة فنية من التحف النادرة، لعل أكثرها تكرارا المباخر الضخمة، التى تم تصميمها على أشكال الحيوانات، خصوصا التنين، وتنتشر فى كل مكان بساحات المدينة المحرمة، حيث كان يتم حرق البخور بها لطرد الأرواح الشريرة، حسب معتقدات ذلك العصر، وكان آخر تجديد للمدينة قد تم قبل أوليمبياد بكين 2008، حيث تم إنفاق حوالى مليونى دولار لإعادة بريق ألوانها الزاهية. فصول حكاية المدينة المحرمة لم تتوقف عند أسطورية البناء، الذى يجسد تاريخا طويلا من الصراعات، حيث كانت المدينة المحرمة مركز العالم بالنسبة للأباطرة الصينيين، فحين أطاحت ثورة عام:" 1911 م بحكم أسرة " "تشينغ" تشينج"، وقعت الحكومة الوطنية وديوان أسرة "تشينج" اتفاقية تفضيلية للعائلة الملكية، نصت على السماح للإمبراطور الأخير " "بو يي بالإقامة في الجزء الداخلي من القصر الإمبراطوري، وفي عام 1914م أصبح الجزء الأمامي مفتوحا أمام الجماهير، وفي عام." 1924 م تم طرد آخر الأباطرة من القصر، وجرى فتح الجزء الداخلي للجماهير عام 1925م، أُطلق عليه "متحف القصر الإمبراطوري"، ثم تم دمج الجزئين الأمامى والداخلى عام 1947م. وبعد تأسيس "جمهورية الصين الشعبية" جمهورية الصين الشعبية عام 1949، ظل الحزب والحكومة الصينية يهتمان بالمدينة المحرمة أو "متحف القصر الإمبراطورى"، وكان يتم رصد مبلغ خاص سنويا لإصلاحه وإعادة ترميمه، وفي عام 1961 صنفه مجلس الدولة الصيني وحدة أثرية محمية.