جاءت حصيلة القمة الخليجية الاستثنائية، التى عقدت فى الرياض قبل أيام قليلة جيدة لمصلحة وضع النقاط فوق الحروف فى قضية رئيسية هى تحقيق التوافق بين عواصم الخليج العربى من ناحية وبين دولة عضو فى مجلس التعاون الخليجى وأطراف عربية خارج المجلس من ناحية أخري، فى وقت يتهدد المنطقة بأسرها خطر داهم يتمثل فى عصابات إجرامية عابرة للحدود فى العراقوسوريا، وتنتشر بشكل مريب فى دول أخرى مدعومة بدعم خفى من عواصم عربية وإقليمية، تريد أن تشكل الخريطة بأموالها، وتعتبر الجماعات الإرهابية مخلب القط فى مسعاها لبناء دور ونفوذ إقليمى فى لعبة خطرة تكاد تخرج عن السيطرة لو استمر الانقسام العربى قائما. فى قمة الرياض، توصل زعماء الخليج إلى اتفاق لفتح صفحة جديدة فى العلاقة بينهم لحماية الأمن والاستقرار، يصب فى وحدة دول مجلس التعاون الخليجى حماية لمصالحه ومستقبل شعوبه وهو، حسب البيان الختامي، يعد إيذانًا بفتح صفحة جديدة ستكون مرتكزًا قويًا لدفع مسيرة العمل المشترك، والانطلاق بها نحو كيان خليجى قوى ومتماسك، خاصة فى ظل الظروف الدقيقة التى تمر بها المنطقة وتتطلب مضاعفة الجهود والتكاتف لحماية الأمن والاستقرار فيها، وترجمت كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين الاتفاق بقرار عودة سفرائها إلى دولة قطر التى يقال إنها ستقوم بدورها بوقف الحملات الإعلامية العدائية ضد الدول الثلاث التى تتخذ من قناة الجزيرة منصة لها. ولم تتوان القيادة السعودية فى توضيح ما غاب عن بيان الرياض وهو الشق الخاص بمصر فى بيان لاحق أمس الأول يؤكد وقوف دول الخليج صفا واحدا وراءها فى ظل التحديات الجسام التى تواجهها، وهو انتصار معنوى كبير للدبلوماسية المصرية التى تخطو بثبات نحو استعادة الدور المصرى فى محيطها العربي. وناشد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود فى البيان مصر شعبا وقيادة السعى مع الأشقاء العرب لإنجاح هذه الخطوة فى مسيرة التضامن العربي.وقد كان العاهل السعودى محقا فى دعوة قادة الرأى والفكر ووسائل الإعلام العرب إلى السعى لتحقيق التقارب من أجل إنهاء كل خلاف مهما كانت أسبابه، مشيرا إليهم بأن الحكمة ضالة المؤمن. توجه العاهل السعودى إلى مصر ولم تخذله الدولة الكبيرة التى سماها بصاحبة الدور الأكبر فثمنت مواقف المملكة وأكدت ثقتها الكاملة فى حكمة الرأى وصواب الرؤية لخادم الحرمين الشريفين، ومواقفه الداعمة والمشرفة إزاء مصر وشعبها بعد ساعات فى بيان من الرئاسة. ورحب البيان المصرى ب «اتفاق الرياض» التكميلى الذى يهدف إلى وضع إطار شامل لوحدة الصف والتوافق بين الأشقاء العرب لمواجهة التحديات التى تهدد أمتنا العربية والإسلامية. كما جددت مصر عهدها بأنها كانت وستظل بيت العرب، وأبرزت تجاوبها الكامل مع هذه الدعوة الصادقة، والتى وصفتها بأنها تمثل خطوة كبيرة على صعيد مسيرة التضامن العربي. وأضاف البيان: إن مصر شعبا وقيادة على ثقة كاملة من أن قادة الرأى والفكر والإعلام العربى سيتخذون منحى إيجابيا جادا وبناء لدعم وتعزيز وترسيخ هذا الاتفاق، وتوفير المناخ الملائم لرأب الصدع ونبذ الفرقة والانقسام، فدقة المرحلة الراهنة تقتضى منا جميعا تغليب وحدة الصف والعمل الصادق برؤية مشتركة تحقق آمال وطموحات شعوبنا. إذن القاسم المشترك فى البيانين المصرى والسعودى هو تأكيد وحدة الصف العربى فى تلك المرحلة الحرجة ودعوة قادة الرأى والإعلام إلى الارتفاع إلى مستوى التحديات حيث لن يتحقق التقارب بين مواقف العواصم العربية دون نضج إعلامى حقيقى وهو الاختبار الأبرز لاتفاق الرياض بعد أن سممت الميديا المعادية الأجواء العربية على مدى سنوات صعبة وخلقت فجوة عميقة بين الشعوب وصلت إلى عمقها اليوم بتلك الحملات الضارية ضد الثورة الشعبية على جماعة الإخوان الإرهابية من أبواق مأجورة لم تنجح فى كسر عزيمة المصريين أو التأثير فى تماسك دولتهم التى تمثل عمود الخيمة فى منطقتها. وقد تعاملت القيادة المصرية مع الحدث الخليجي، الذى أعتقد أنه لم يكن لينجح بتلك الصورة دون تفاهمات مع القاهرة، من منطلق المسئولية القومية فى تجاوبها مع رغبة الأشقاء فى تحقيق مصالحة مطلوبة وقدمت حسن النوايا فيما هى تنتظر وتراقب سلوك الأطراف الأخرى لترجمة البيانات إلى واقع يصب فى الصالح العربى ولن نسبق الأحداث وننتظر وقف الحملات العدائية والابتعاد عن سياسات إيواء العناصر المجرمة فى سلوك لم تعتده السياسة العربية حتى فى أحلك فتراتها فى العقود الأخيرة. مصر تدرك أن الإعلام صار سلاحا لا يقل خطورة عن أسلحة الحروب التقليدية وهو ما يدفعها إلى عدم الانزلاق وراء المهاترات الرخيصة ولعل الرئيس عبد الفتاح السيسى كان سباقاً قبل أسابيع عندما دعا الإعلاميين المصريين إلى الابتعاد عن التلاسن والخروج عن اللياقة عند تناول شئون الآخرين وهى دعوة لم يقدرها من يستخدمون إمكانات فضائياتهم وصحفهم كطفل صغير يعبث بلعبته! لذلك ربما قد يكون من المهم أن تدعو مصر إلى عقد قمة عربية استثنائية بمن يحضر للبناء على اتفاق الرياض لتصفية الأجواء ولوضع الالتزامات أمام الرأى العام العربى والقادة العرب مجتمعين ولوضع كل دولة أمام مسئولياتها بما فى ذلك تشكيل لجنة متابعة لتحديد من سيخرج على هذه الالتزامات... حتى يتطور اتفاق الرياض إلى اتفاق عربى شامل على مواجهة التحديات التى تواجه الأمة العربية والاسلامية والتى سيدفع الجميع ثمن التخاذل أو التواطؤ فى مواجهتها بدون استثناء وذلك كرسالة إلى أطراف إقليمية خصوصا تركيا إن أمكن فربما أيضا تتحول الأمنيات إلى واقع!!؟... فالخلافات أكبر بكثير من حملات إعلامية فهى تتعلق كذلك بتهريب السلاح وتمويل يصب فى عمليات إرهاب تذهب ضحيتها أرواح بريئة وجنودنا البواسل من رجال الجيش والشرطة كما تتعلق بإيواء إرهابيين وهاربين من العدالة ومحرضين على الإرهاب. ----------- بينما تراقب القاهرة مشهد التقارب الخليجى تسابق الدبلوماسية المصرية الزمن لاستعادة الدور والمكانة على أصعدة عدة، فهى حققت تقاربا مع دولتى اليونان وقبرص فى قمة ثلاثية مطلع الأسبوع الماضى وخلقت فرصا حقيقية للتقارب مع الإتحاد الأوروبى عبر بوابة البلدين دون أن يكون فى نيتها توجيه التعاون الثلاثى ضد دولة تركيا ولكنه تقارب يعيد علاقات تاريخية طالما ربطت بين مصر واليونان وقبرص. وقد كان الرد من خصوم مصر اليوم هو محاولة الإيحاء أن مصر غير قادرة على حماية مياهها الإقليمية عبر عملية فاشلة ردت فيها القوات البحرية بقوة على محاولة اختراق من عناصر إرهابية الأسبوع الماضي. كما أن الرئيس السيسى يستعد لزيارة إيطاليا، الرئيس الحالى للإتحاد الأوروبي، وفرنسا التى كانت لها مواقف ملتبسة من ثورة 30 يونيو فى خطوة جديدة تشير بوادرها إلى أن الجانب الأوروبى يدرك اليوم أهمية مصر التى تخوض حربا على الإرهاب وأخطاء القوى الغربية التى أوقعت المنطقة فى براثن جماعات دموية رعتها القوى الكبرى فى بداية الأمر ثم تكشف لها أن اللعبة الدائرة تحمل وبالا على الغرب بعد أن تمددت الجماعات الإرهابية وجندت عناصر من داخل تلك الدول نفسها فى ظاهرة غير مسبوقة ودائما ما تلجأ العواصم الأوروبية إلى القاهرة بحثا عن التفسير وطلبا للمشورة فى المواجهات التى لا تحسمها القوة العسكرية وحدها. زيارة السيسى التى تبدأ يوم الاثنين المقبل تضع الاقتصاد على قمة الأولويات فى المحادثات مع الأوروبيين وتعطى دفعة كبيرة للمؤتمر الاقتصادى المقرر انعقاده فى شهر مارس المقبل وستؤكد أن الحل لمعضلات الشرق الأوسط يمر عبر بوابة الاستثمار والتنمية وليس عن طريق تدمير مقدرات الدول، ففارق كبير بين مصر التى تحلم بالمستقبل الأفضل وبين دول أخرى فى منطقتها تصارع من أجل البقاء. فالزيارة الأولى لأوروبا بعد تنصيبه رئيسا ترسخ واقعا جديدا وتثبت سلامة المواقف والخيارات التى تمسكت بها غالبية من المصريين فى 30 يونيو وما تلاها. وفى 23 ديسمبر المقبل يتوجه الرئيس السيسى شرقا إلى بكين فى أول زيارة رسمية له للصين ستحمل أيضا رسائل سياسية واقتصادية تعكس تنوع خيارات الدبلوماسية المصرية فى تلك المرحلة الفارقة وتفتح آفاقا جديدة مع العملاق الصينى أحد الداعمين المهمين للتحولات الكبرى فى مصر وتؤكد أن مصر عازمة على بناء قاعدة علاقات قوية مع الدول الكبرى دون استثناء. وكلما اتسعت رقعة العمل الدبلوماسى الجاد والرشيد، تيقن العالم أن الحكم فى مصر يغلب صوت العقل ويبتعد عن الخلافات أو التورط فى قضايا تشغلها عن أولوية البناء والتنمية. ------------ وكلما تقدمت الدبلوماسية المصرية على المسرح الدولي، استشعرت الولايات المتحدة ضرورة العودة إلى التنسيق الكامل مع القاهرة وهو ما ظهر جليا فى لقاء وزير الخارجية السيد سامح شكرى ووزير الخارجية الأمريكى جون كيرى فى لندن فى الأسبوع المنصرم، فقد تناول اللقاء جملة قضايا عربية منها الحرب فى سوريا والوضع فى العراق والقضية الفلسطينية حيث اكد الوزير الأمريكى دعم واشنطن لمصر فى حربها على الإرهاب ودعم خيارات الشعب المصري. وكان صوت الوزير شكرى عاليا عندما تحدث عن تطورات الوضع فى الأراضى الفلسطينية وأهمية احتواء الموقف ومنع انزلاق المنطقة إلى حلقة مفرغة من أعمال العنف، وشدد على أنه لا يمكن لأحد سلب الشعب الفلسطينى حقوقه. ولا تخفى مصر فى اللقاءات التى تجرى مع الجانب الأمريكى شعورها بالقلق العميق من الوضع فى المنطقة خاصة الحملة الأخيرة التى أعلنتها الولايات المتحدة على إرهاب تنظيم داعش حيث تتمسك مصر بضرورة المواجهة الشاملة للإرهاب وترى أن المسارات الحالية لا تحقق تقدما فعليا فى الغالب وهو ما يحمل انعكاسات خطيرة على دول عربية شقيقة وبالتالى مازلنا نتمسك بالرؤية الشاملة للصراع فى المنطقة وضرورة مواجهة الأسباب الحقيقية للحالة الراهنة التى بدأت مع ظهور التنظيمات المدعومة من الغرب فى أفغانستان فى السبعينيات من القرن الماضى ووصلت إلى قمة تجلياتها بظهور داعش وأخواتها اليوم, والتى يشك الرأى العام بسبب ذلك فى جدية حرب الولايات المتحدة عليها.
دواعش الإعلام والسياسة فى مصر بلا حسيب أو رقيب تنطلق أبواق إعلامية وأصوات سياسية فى نشر الأباطيل والشائعات لتشوه الجيش وتشكك فى رجال القوات المسلحة والشرطة البواسل وهم يدفعون أرواحهم دفاعا عنا فى سيناء وفى مختلف ربوع الوطن وهؤلاء لا يقلون خطرا فى أساليبهم عن الداعشية الإرهابية التى تضرب أوطانا عربية وتشيع القتل والذعر فى جنباتها وتكوى قلوب العرب يوميا بمشاهد الدم والتنكيل بالبشر تحت زعم نصرة الدين.. داعش الاعلام والسياسة فى مصر لا يتورعون عن توجيه السباب ويحطمون أبسط قواعد المهنية فى نشر الحقائق والتحقق من صدقية المعلومات المتداولة ويؤكدون يوما بعد يوم أن انهيار المجتمعات يبدأ من انهيار منظومة القيم والأخلاق ولو جاء الانهيار من القابضين على الإعلام فتلك مصيبة ومصاب فادح. ولو كان العالم يتحالف اليوم من أجل وقف خطر داعش فى العراقوسوريا، فما نراه اليوم على الساحة المصرية يحتاج إلى حالة اصطفاف وطنى مخلص للخروج من تلك الحالة المتردية من الإعلام غير المسئول. وإعمال القانون هو السبيل الأول والعاجل لوقف تلك الظاهرة المؤسفة التى تهدد وحدة كيان الأمة، وجهات تطبيق القانون عليها مسئولية كبرى للتصدى للعبث القائم حيث تتغافل مؤسسات فى الدولة عن دورها فى حمايته من عبث عدم تطبيق أحكام القضاء وتلك المسئولية كفيلة أن توقف الانهيار وتضع الأمور فى نصابها. لا تنتظروا وطنا بلا تطرف أو وطنا يجمع الكل دون أن يحاسب كل منفلت على أفعاله الإجرامية ودون أن نعلى صوت الضمير وصوت الحق والعدل. لمزيد من مقالات محمد عبد الهادى علام