توافق الأقدمون و المحدثون، والناطقون بالعربية، والناطقون بغيرها على أن الأدب ينسب إلى لغته التى يبدعه بها مبدعوه ، فيقال «أدب عربي» و«أدب إنجليزي» و«أدب فرنسي» إلى آخره. أما أن ينسب الأدب إلى الدين فهذه بدعة إخوانية نشأت من تهوسهم و تمسحهم فى كل أمر بالإسلام فابتدع لهم «سيد قطب» و أخوه الأصغر »محمد قطب« هذه البدعة التى سميت بالأدب الإسلامي. و قد كان هذا المصطلح يستعمل قبل ذلك للدلالة على مرحلة من تاريخ الأدب العربى هى مرحلة صدر الإسلام، و لكن «سيد قطب» و «محمد قطب» حولا هذه الدلالة إلى نظرية اخترعاها لإنشاء أدب يسميانه بالأدب الإسلامى يحملان عليه الأدباء ليعبر بحسب قولهم عن خصائص التصور الإسلامى و يعزلان الأدب العربى الذى وصل إلينا خلال العصور ليضعاه فى متحف مهجور. ولما وجد الإخوان آذانا صاغية من المتدينين الذين حسنت نواياهم تمادوا و تجرأوا على الفكر الإنسانى فإذا بهم يتحدثون عن «طب إسلامي» و«كيماء إسلامية» و«علم نفس إسلامي» و هكذا إلى نهاية سلسلة العلوم و المعارف الإنسانية كأنما أوشك الإسلام أن يضيع فتقدموا ليحملوا أمانة إنقاذه و إعادته إلى الحياة بوضع هذه اللافتة على كل علم إنسانى أو مادى و على الشعر و النثر و الفن و التصوير! و لم يفطنوا إلى أنه إذا جاز أن نقول أدب إسلامى جاز أيضا أن يقال «أدب يهودي» و «أدى مسيحي» و «أدب بوذى» ولكن الأدب ليس إبداعا دينيا و إنما هو إبداع إنسانى ينتجه الإنسان للتعبير عن إنسانيته فهو وصف للحياة و تصوير لما يعانيه الإنسان لا من خلال التصور الدينى أيا كان سمو هذا الدين و إنما من خلال التعبير الفنى الحر عن الوجدان والعقل. فالأدب تعبير عن الإنسان بفضائله ورذائله، بطهره ودنسه، ولو كانت هذه النظرية صحيحة لوجب أن نمحو من تاريخ الأدب أمرأ القيس و شعراء الجاهلية و من هجوا النبى صلى الله علية و سلم من شعراء المشركين و لوجب أن نمحو ذكر بشار بن برد وأبى نواس وابن الرومى والمتنبى والمعرى وشوقى وشكرى والعقاد والمازنى وناجى و غيرهم من المبدعين لأنهم لم ينطلقوا فى إبداعهم الشعرى من منطلق دينى و انما انطلقوا من إنسانيتهم و من قدرتهم على أن يصوروا بالكلمة الشعرية ما يريدون تصويره من تجاربهم الشخصية أو البشرية عامة. وقد تعمد سيد قطب ارتكاب خطيئة إنكار التراث الأدبى جملة، فقد دعا صراحة إلى عزل نتاجنا الأدبى السابق على نظريته والاكتفاء بدراسته دراسة تاريخية كأنه أثر متحفى وأعلن فى كتابه: «خصائص التصور الإسلامي أنه يجب عزل ذلك التراث جملة عن مفهومنا الأصيل للإسلام و دراسته دراسة تاريخية بحتة لبيان زوايا الانحراف و تجنب نظائرها فيما نصوغه اليوم من مفهوم التصور الإسلامي« و أدعو القراء الحصفاء الى تأمل عباراته ليروا ما فيها من استعلاء و من تحكمية بغيضة فهو الذى يصوغ اليوم خصائص التصور الإسلامي، و كأنما كان الإسلام غير محدد الخصائص طوال القرون الماضية منتظرا ميلاد سيادته ليحدد لنا هذه الخصائص وهو الذى قيضه الله ليقضى بعزل أدب التراث و الأدب الحديث أيضا عن تلك الخصائص الإسلامية لأنه جميعه أدب منحرف ضال عن طريق الإسلام المستقيم. و هكذا يسير سيد قطب فى اتجاه معاكس لرؤية عامة المفكرين المصلحين الذين برون فى التراث وعاء ثقافتنا ودليل أصالتنا وأصالة لغتنا وآدابنا. وقد وضع «محمد قطب» تعريفا غير جامع وغير مانع لهذا الأدب الإسلامى المبتدع فقال: «إنه التعبير الجميل عن الكون و الحياة والإنسان من خلال تصور الإسلام للكون والحياة الإنسانية» متجاهلا بهذا التعريف مبدأ من أهم مبادئ النقد الأدبى عند القدماء والمحدثين وهو المتمثل فى قول القاضى الجرجاني: «الدين بمعزل عن الشعر». و ماذا نقول عن الأديب غير العربى و غير المسلم إذا أبدع أدبا إنسانيا متفقا مع روح الإسلام كأن يكون موضوعه عن الأمومة أو الدفاع عن حقوق الفقراء أو مقاومة الظلم و الاضطهاد فهل يدخل هذا النتاج تحت تعريف «محمد قطب»؟! وهناك مشكلة أخرى تواجههم: فالسلفيون لا يمكن أن يرضوا عن أدب الصوفية و لن يروق لهم شعر ابن الفارض ولا رموز ابن عربى ولا مثنويات جلال الدين الرومى و الصوفيون لن يرضوا عن أدب السلفيين والشيعة لن يرضوا عن هؤلاء وهؤلاء، والفريقان لن يرضيا عن أدب الشيعة. ومن المؤسف أن تكون مادة الأدب الإسلامى بهذا المفهوم الإخواني، أحد مقررات أقسام الأدب والنقد فى جامعة الأزهر وإننى أتمنى أن تحذف هذه المادة لأنها من اختراع الإخوان فهى مادة مفتعلة تدرس من منطلق حماسة دينية أو يحسبها الدارس دينية و هى فى حقيقتها مجرد سوء ظن سابق على البحث بالأدباء و تظاهر بدفاع كاذب عن الإسلام الذى ليس بحاجة إلى هذا الدفاع المهووس. كلية الدراسات العربية والاسلامية لمزيد من مقالات د. محمد فايد هيكل