يفخر الساسة والدبلوماسيون الصينيون دائما بأن سياسة بلادهم الخارجية تقوم على ما يعتبرونه مبادئ، تجعلها مختلفة عن سياسات الغرب، خصوصا تجاه منطقة الشرق الأوسط، وأنها تعمل فى إطار نماذج مغايرة لفكرة رغبة الدول الكبرى فى الهيمنة على النامية، لتصبح لغة المصالح مشتركة ومتبادلة بين الصين وباقى الدول أيا كان حجمها، ومبنية على أساس التعاون والمنفعة أو الكسب المشترك. هذا الأساس الذى يلخص أحد مبادئ السياسة الخارجية الصينية، حسب تأكيد هوانج تشنج، المستشار بإدارة التخطيط السياسى بوزارة الخارجية الصينية، هو الهدف من إطلاق الصين مبادرتها لبناء حزام اقتصادى لطريق الحرير، لتحقيق التنمية المشتركة للدول المطلة على طريق الحرير القديم، ومنها بعض الدول العربية، وهو ما يطلق عليه إعلاميا “إحياء طريق الحرير”. اهتمام المسئولين الصينيين فى وزارتى الخارجية والتجارة، بشرح تفاصيل مبادرة إحياء طريق الحرير، والتجهيزات والإنشاءات التى تقوم بها الصين لإنجاحها، تؤكد أنها مبادرة جادة يجب أن تتعامل الدول العربية معها بجدية موازية، فالمسئولون الصينيون خلال استقبالهم أخيرا وفدا شبابيا يمثل 18 دولة عربية وممثلين اثنين عن جامعة الدول العربية، فى إطار تفعيل مقررات اتفاقية منتدى التعاون العربي- الصينى الذى وقعه الرئيس الصينى السابق فى مقر الجامعة العربية بالقاهرة عام 2004، أكدوا جميعا أن مبادرة طريق الحرير حلم أصبح قريب المنال لتحقيق الفائدة المشتركة للصين والدول المطلة على الطريق. تحدث المسئولون الصينيون عن تاريخية العلاقات بين بكين والدول العربية، لكنهم أكدوا فى الوقت نفسه أن معدلات التبادل التجارى المتبادل والاستثمارات الصينية فى الوطن العربى لا توازى أهمية تلك العلاقات التاريخية، فالتبادل التجارى بين الصين والدول العربية مجتمعة لم يتجاوز العام الماضى 240 مليار دولار، تمثل أسعار الطاقة التى تستوردها الصين من الدول العربية أكثر من نصفها، ومن بين 700 مليار دولار إجمالى استثمارات الصين فى العالم، لا يزيد حجم هذه الاستثمارات فى الدول العربية مجتمعة على 8.3 مليار دولار، ويؤكد المسئولون الصينيون أن مبادرة إحياء طريق الحرير ستعمل على مضاعفة هذه الأرقام عشرات المرات خلال السنوات القليلة المقبلة. «الأمانى وحدها لا تحقق الأحلام» شعار ترفعه الصين فى دفعها لنجاح مبادرة إحياء طريق الحرير القديم، من خلال الاستعانة بكل إمكانات العصر من تقدم، فالصين تحلم بطريق حرير برى وبحرى وجوى وآخر إلكترونى، وفى سبيل ذلك يجرى العمل – حسب تأكيد تساو جياتشانج، نائب مدير عام إدارة غرب آسيا وشمال إفريقيا بوزارة التجارة الصينية - على قدم وساق لإنشاء منطقة خليج يويه هاى التجارية الإيكولوجية (CBD) فى مدينة بينتشوان، الواقعة على طريق الحرير القديم، وتحدد هذه المنطقة موقع التدويل والتحديث وتشكل معلما جديدا لبناء منصة تخدم التبادل التجارى الصينى - العربى، فالمنطقة تقوم على أربع صناعات كبرى تتمثل فى الاقتصاد، والأعمال المصرفية المتكاملة، والصناعات الإسلامية، والخدمات المتخصصة، وقد حجزت أكثر من 500 شركة من أقوى الشركات الصينية والأجنبية مكانها فيها، ويجرى بناء مجموعة كبيرة من الفنادق الضخمة، حيث تعد أيضا المنطقة الدائمة للمعرض الصيني- العربي. هذا الكم الهائل من الإنشاءات، واتباع أحدث الوسائل التكنولوجية فى التبادل التجارى، وتسهيل التجارة الإلكترونية، يتوازى معه عدد كبير من التشريعات والتسهيلات الحكومية، حيث وافقت الحكومة الصينية على إنشاء منطقة تجريبية للاقتصاد المفتوح بمنطقة خليج يويه هاي، ستصبح الأولى والوحيدة التى ستغطى جميع المناطق والمقاطعات الصينية، بلإضافة إلى الرؤى الاستراتيجية التى اقترحتها الحكومة الصينية لبناء الحزام الاقتصادى على طريق الحرير، وطريق الحرير البحرى فى القرن الحادى والعشرين. المسئولون الصينيون متفائلون بمبادرة بلادهم لإحياء طريق الحرير، ويعتبرونها نموذجا لسياسة المنفعة المشتركة بين الصين والدول المطلة عليه، خصوصا الدول العربية، ويؤكدون أن التعاون بين هذه الدول مقبل على آفاق رحبة جدا، حيث تعمل الصين على إقامة منطقة تجارة حرة مع دول مجلس التعاون الخليجي، كما تم التوصل إلى تفاهمات صينية مع بعض الدول لإنشاء بنك الاستثمار الآسيوى برأس مال ضخم، لمساعدة الدول وتمويلها فى مجال بناء البنية الأساسية. فالصين مصممة على إنجاح مبادرتها لإحياء طريق الحرير، وتعرض على الجميع فرصة اللحاق بالمبادرة لتحقيق الكسب المشترك، الذى تعتبره أحد محددات سياستها الخارجية مع دول العالم.