تدعو زيادة جرائم بعض المنحرفين والمخربين والمفسدين والإرهابيين أعداء الخير والحق والفضيلة والأمن إلي وجوب العناية بتجديد الخطاب الديني، ليكون سلاح الناس في قهر خططهم الدنيئة، ويصبح عونهم في صد هجمات الإغراء الشرسة، وهزيمة موجات الإثارة البذيئة، ويصير نصيرهم للتغلب علي محاولات الإرهاب والانحراف وأضرار الجرائم والمنكرات، كما ينبغي تجديد الخطاب الديني خاصة عند مخاطبة الشباب الذين يرجون ذلك لكي ترسخ قدمه في معرفة خير سبل الصلاح، ويزداد يقينه في الانتصار علي الأعداء، ويتمكن إصراره من الوصول إلي أسمي مراتب الفوز والخلاص والنجاة، ومواصلة الحياة في استقامة وأمن وسلام، ويشارك الشباب كثيرٌ من المخلصين، مطالبين بتجديد الخطاب الديني، لأنهم يدركون أنه يمنح نهضة واعية هادية في مجال الدعوة، تحمل نورا لا يخبو، وزادا لا ينفد، ومنهجا قويا يحقق الخير والاستقامة، يعتصم بالوحي الأعلي، ودراسة كتاب الله ببصر مفتوح، وقوة تدفع لفعل الطيبات، والابتعاد عن المنكرات، وتحرص كل الحرص علي رعاية حدود الله، والإقبال علي ما يزكي النفس، ويساعد علي الرقي في مقامات الكمال، كما يحث علي التأسي القوي الرشيد بالرسول صلي الله عليه وسلم، والانتفاع بدروسه في كل ما يعرض من مشكلات وأزمات، وجميع ما يوصل الحياة الدينية والاجتماعية إلي طريق الخير والتقدم والتطور، والوفاء بما يجد دائما من حاجات الأفراد والجماعات. ولكي ينجح تجديد الخطاب الديني فإنه يجب أن يقوم الدعاة بالاهتمام الشديد بالحث علي الالتزام بالمنهج القرآني في التربية علي الأخلاق الكريمة، فهذه الأخلاق كفيلة بتأدية الأمة رسالتها، محاطة بمنهج كريم قائم علي تزكية الأرواح، وتنوير العقول، والتنقية من الرذائل، والتمسك بعقيدة صالحة تقتدي بالرسول، وهو الأسوة الكاملية، والمربي الناصح للأمة، غاية الخُلق، يقول الله سبحانه وتعالي: «وإنك لعلي خلق عظيم»، مما يؤكد أن ما كان يأمر به هو من أمر الله، وما كان ينهي عنه هو من نهي الله، وأنه »أحسن الناس خلقا«، وكان صلي الله عليه وسلم يربي أصحابه علي حسن الخلق، ويحثهم عليه، فعن النبي صلي الله عليه وسلم: »ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله تعالي ليبغض الفاحش البذيء«. وسئل رسول الله عن أكثر ما يدخل الجنة فقال: «تقوي الله وحسن الخلق»، ومنزلة الأخلاق عالية جليلة في قوله: »إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون المتشدقون والمتفيقهون«، قالوا يا رسول الله: «قد علمنا الثرثارين والمتشدقين، فما المتفيقهون؟ قال: المتكبرون». إنه بالأخلاق ينطلق الدين في الأرض، وتسعد البشرية، وتتحقق الرحمة، وينتهي الإرهاب والفرقة والظلم، ويدعم الحق، وحتي ينجح الخطاب الديني يجب أن يفهم الناس أن التجديد رسالة مخلصة، تود ألا تنعزل عن الحياة، وألا تغفل عما يدور حولها، فهي تريد النأي عن المهاترات المتلفة للجهد، والثرثارات والتقعرات التي لا هم لها إلا إضاعة الوقت سدي، وشغل الناس بالشئون التافهة. إن هؤلاء الدعاة يستطيعون رعاية التسامح الديني الرحب الأفق، المسالم البار في شموله وتوازنه ورسالته الحافلة بالأمن والخير والعدل، والفهم الصحيح للدين ورحمته، وجلال وسطيته سلاحهم القوي لتأكيد أن الدين الحق يبغض الإرهاب والانحراف والعنف، ويسعي إلي إيجاد مجتمع تقي، يزخر بأزكي الصفات، وأنبل الفضائل، وعليهم أن يدركوا أن دعوة التجديد تعني الاهتمام الشديد المستمر بكشف حقائق وجوهريات وأسس في التفكير الديني تفسح الطريق للتقدم والشموخ، وتمد الحياة بما يصلحها ويدفعها إلي الأمام، بعيدة عن العسف والتعصب والجمود والتخلف، ومفضلة اليسر والسماحة والرفق والجد. والواقع أن ضعف الدعاة لن يساعد الخطاب الديني علي تحقيق الأهداف، وعندما يبرز عجز الدعاة في ميدان الدعوة، يخسر الخطاب خسارة جسيمة، وتهزم معارك التجديد. الأستاذ بجامعة الفيوم لمزيد من مقالات د. حامد محمد شعبان