"لم أشعر بالسلام والسكينة و صفاء الذهن عند غروب الشمس إلا فى هذا البلد (مصر).. ففى بلدى النرويج ينتابنى شعور بثقل الذهن و الكآبة فى مثل هذا الوقت مما يدفعنى للبحث عن صحبة" هذه بعض الكلمات التى كتبها الكاتب النرويجى الشهير هينريك إبسن خلال زيارته الوحيدة لمصر عام 1869 بدعوة من الخديو إسماعيل لحضور مراسم افتتاح قناةالسويس. وعندما وصل إبسن إلى القاهرة كان يتملكه شعورقوى بداخلة بأنها لم تكن المرة الأولى له فى مصر.. بل إنه زارها بخياله من خلال قصيدته الطويلة "بيرجينت" التى كتبها قبل هذه الزيارة بعامين. هذه القصيدة نفسها تحولت فيما بعد إلى مسرحية، ويعتقد أنها السبب الرئيسى فى دعوة إبسن لحضور تلك المناسبة حيث يدورجزء كبيرمن احداثها فى مصر، كما يدور حوار بين البطل وابوالهول الذى يمثل صوت الضمير فى المسرحية. ولم يتضح إن كان سبب دعوة ابسن كضيف شرف فى افتتاح القناة يرجع لكونه كاتبا ذائع الصيت عالميا كرائد المسرح الحديث وأحد أهم الكتاب المسرحيين الذى عرف بمناصرته للمرأة وتطرقه لقضايا المجتمع وهمومه.. أم لذكره مشاهد من مصر فى روايته" بير جينت ". لكن من المؤكد ان ابسن- صاحب اشهر نص احدث ضجة فى تاريخ المسرح الحديث "بيت الدمية"- كان يستحق التقدير الذى منحه له الخديو اسماعيل حينما اهداه قلادة بمناسبة زيارته لمصر. ومن يزربيت ابسن فى اوسلو- الذى تحول الى متحف - سيجد لوحة كبيرة فى مدخل البيت للرجل مرتديا فيها قلادة الخديو اسماعيل دلالة على اعتزازه بهذا التكريم. ويروى ابسن فى مفكرته التى دون فيها تفاصيل رحلته لمصر وصفا دقيقا لهذة الزيارة فيقول : "قبل افتتاح القناة يوم 17 نوفمبر.. دعيت ضمن 85 شخصية منتقاة لرحلة نيلية استغرقت 24 يوما.. استمتعنا خلالها بسحر النيل وعظمة البناء.. وكنت كأننى فى حكاية من حكايات الجنيات." ويستطرد:"وجدنا 4 مراكب نيلية فى انتظارنا، و معها بواخر للإقامة، وبدأت الرحلة من النوبة، وبعدها توقفنا لزيارة معبد الكرنك ووادى الملوك. وفى قنا رست المركب هناك.. كنا فى الغروب، واندلعت أبخرة دخان على ضفاف النيل.. و بعدها اقتربت مركب ضخم ناحيتنا.. وقلت ربما تكون الامبراطورة اوجينى امبراطورة فرنسا على متنها.. لكن سرعان ما ظهر مركب آخر جديد باللون الوردى اكبر من المركب الاول.. ونزلت منه أوجينى مرتدية ثوبا ابيض بديعا مثل كليوبترا بينما كانت الشمس تسطع باشعتها الذهبية على متن المركب المغطاة بالحرير. ويكمل إبسن : فى المساء استمتع الجميع بالرقص وفى اليوم التالى زرنا معبد أوزوريس فى ابيدوس وكان امامنا خيارات للوصول للمعبد اما ركوب خيل جميل , او جمل فاخر، اوحمارعادي، ففضلت ركوب الحمار.. ولاحظت خلال السير أن الماشية هنا تختلف فى شكلها ولونها عن الماشية فى بلادي!.