" بندق.. ندق.. بوابة الحياة.. قومي. قومي.. قومى افتحى لولادك الطيبين قومي".. الله عليك يا سيد يا حجاب لما تتكلم عن حبيبتك مصر! مصر أم الدنيا.. وصانعة التاريخ.. وفخر الزمان.. ففى مثل هذه الأيام، منذ 145 سنة، ( 17 نوفمبر 1869)، فى بلدنا هذا، فى ساعتنا هذه. راح المصريون يمارسون هوايتهم الأثيرة التى مارسوها منذ نعومة أظافر التاريخ.. تغيير ملامح الدنيا. لقد أهدوا للعالم مجرى ملاحيا حفروه بدمائهم، وأعاد رسم خريطة النقل البحرى فى أرض الله. قدموا بسواعدهم النحيلة- لكن فيها حيلة- وأرواحهم وعزيمتهم، التى تنحنى لها جباه الجبال، شريانا لربط الشرق بالغرب.. قناة اختصرت طريق البواخر بين جناحى العالم.. فلم تعد السفن تدور حول رأس الرجاء الصالح، بل تعبر البحر الأحمر إلى المتوسط والعكس، من خلال تلك القناة. وللتدليل على مدى أهمية هذا الشريان، يشير الخبراء إلى أن المسافة بين ميناء جنوة الإيطالى وميناء بومباى الهندي- إذا سارت السفن فى قناة السويس- تعادل 42% فقط من المسافة فيما لو أن تلك السفن دارات حول رأس الرجاء.. ناهيك عن منافع للبشرية لا حدود لها سنأتى لها على ذكر بعد قليل. أنت تقول "قناة السويس" فتتداعى إلى ذهنك محطات من الكفاح والمجد لا حدود لها.. فعن ماذا من هذه الملاحم نتحدث بالضبط؟ هل عن ملحمة الحفر التى دفع فيها 125 ألفا من المصريين أرواحهم؟ أم عن الحفل الأسطورى للافتتاح الذى دعا فيه الخديو إسماعيل كل أباطرة الدنيا وحكامها؟ أم عن التأميم.. وما أدراك ما التأميم.. عندما عادت مصر لتمارس هوايتها وتوقف شعر الدنيا من جديد؟ وهل حدثوك عما جرى فى 67 وما تبعه من إغلاق للقناة.. ثم عندما أعيد افتتاحها فى 75 ؟ وهل رأيت فرحة المصريين واحتشادهم الخالد خلف مشروع القناة الجديدة التى ستضاف إلى القناة القديمة.. وكيف تدافعوا لشراء الشهادات التى ستجعل المشروع حقيقة واقعة؟ فى هذا الملف. سنقدم- ببعض التفصيل- هذه المحطات.. فهيا إلى رحلتنا مع قناة السويس: أرقام.. ذات مغزي بلغ عدد السفن التى مرت بالقناة من عام 1975 حين أعيد افتتاحها وحتى الآن نحو 100 ألف سفينة. عند حفرها.. كان طول القناة 164 كيلومترا.. وعمقها 8 أمتار.. والآن يبلغ طولها 193 مترا.. وعمقها 24 مترا.. وعرضها 205 أمتار. بعد تولى الخديو سعيد عرش مصر فى عام 1854 نجح المهندس الفرنسى فيردينان ديلسبس فى الحصول منه على فرمان عقد امتياز قناة السويس لمدة 99 سنة تنتهى عام 1968 واشتمل العقد على 12 بندا. فى نوفمبر 1856 بلغ عدد الأسهم التى طرحت للاكتتاب فى الشركة 400 ألف سهم.. ثمن السهم الواحد 500 فرنك سويسري. بدأ حفر القناة بمائة عامل.. وعند انتهاء الحفر كان عدد العمال الذين اشتركوا فى الحفر مليون عامل( كان عدد المصريين حينها 5 ملايين نسمة.. ومات فى الحفر 125 ألف عامل). فى حفر القناة تم استخراج 74 مليون متر مكعب من الرمال. بلغت التكلفة النهائية للحفر 369 مليون فرنك فرنسي. أسماعيل والسيسى .. مشهدان توقف عندهما التاريخ هذان مشهدان.. يفصل بينهما 145 عاما.. وأبهرا التاريخ: المشهد الأول أبرقت الامبراطورة أوجينى إلى الامبراطور نابليون الثالث امبراطور فرنسا قائلة: لقد كان احتفالا فخما.. لم أر مثله فى حياتي! قبلها بأيام- فى أوائل نوفمبر 1869- كان الخديو إسماعيل قد أمر مديرى الأقاليم بإحضار عدد من الأهالي، بأطفالهم ونسائهم، لحضور حفل الافتتاح، فحضره نوبيون وفلاحون وعربان بملابسهم التقليدية. وقد روعى الاهتمام بنظافة مدينة بور سعيد، وأحضر التجار كميات هائلة من الخضراوات والسمك( الكبير) واللحوم.. وتم إحضار( الثلج) من القاهرة.. وأقيمت ثلاث منصات خضراء مكسوة بالحرير؛ تم تخصيص المنصة التى فى القلب للخديو وضيوفه من الملوك والأمراء، التى على اليمين لرجال الدين الإسلامي، وعلى اليسار لرجال الدين المسيحي. وبلغ عدد كبار المدعوين لحفل الافتتاح زهاء 6 آلاف مدعو.. على رأسهم أوجيني، وامبراطور النمسا، وملك المجر، وولى عهد بروسيا، وشقيق ملك هولندا، وسفيرا بريطانيا العظمى فى الآستانة، والأمير عبد القادر الجزائري، والأمير توفيق ولى عهد مصر، والكاتب النرويجى الأشهر هنريك إبسن، والأمير طوسون نجل الخديو الراحل سعيد باشا، ونوبار باشا. وغيرهم. وتم استدعاء 500 طباخ من مارسيليا وجنوة وتريسا لطهو الطعام لهذا الجمع الذى قلما اجتمع فى مكان واحد.. وفى زمن واحد. المشهد الثاني " نأذن- نحن عبد الفتاح السيسى رئيس جمهورية مصر العربية- ببدء حفر قناة السويس الجديدة، لتكون شريانا إضافيا للخير فى مصر، ولشعبها العظيم، وللعالم أجمع. حفظ الله مصر وشعبها.. وإن شاء الله تفتتح القناة الجديدة السنة المقبلة". بهذه الكلمات.. افتتح الرئيس السيسى فى 5 أغسطس 2014 مشروع قناة السويس الجديدة.. وهكذا أضيف إلى سجل تاريخ قناة السويس فصل جديد مضيء.. يتمثل فى مشروع طموح لحفر قناة جديدة بطول 72 كيلومترا، بتكلفة نحو 4 مليارات دولار. وهذا المشروع- كما قال الفريق مهاب مميش رئيس هيئة القناة- سيجعل مصر واحدا من أكبر المراكز الصناعية فى العالم، وسيتيح مليون فرصة عمل، ويزيد من الدخل القومى للمصريين.. كما أنه سيضاعف دخل القناة. ويسهم فى استصلاح وزراعة 4 ملايين فدان. وسيخفض المشروع الجديد زمن انتظار السفن فى المجرى الملاحى من 11 ساعة إلى 3 ساعات فقط.. وسيرتفع عدد السفن من 49 سفينة يوميا حاليا إلى 79 سفينة بعد عشر سنوات. إحنا أممنا القنال..! فى 26 يوليو 1956 .. كانت الصرخة القوية.. فى الميدان فى اسكندرية.. صرخة أطلقها جمال.. إحنا أممنا القنال.. إحنا أممنا القنال.. انتصرنا إنتصرنا.. ضربة كانت من معلم.. خلّت الاستعمار يبلّم.. جاب سلاحه وطياراته.. وغواصاته ودباباته.. واعتدى علشان نسلّم.." .. ولم يسلّم جمال.. فقامت الدنيا ولم تقعد.. وعادت قناة السويس لتخطف أبصار الدنيا من جديد. هيا نقرأ ما قاله الصحفى الفرنسى الشهير" جان لاكوتور" لمراسل الأهرام فى باريس أحمد يوسف فى 28/ 10/ 2006 قال:" بشكل عام.. كان كل السياسيين فى باريس ضد عبد الناصر، خاصة أنه كانت هناك شائعات بأن ناصر يساعد ثوار الجزائر ماديا ومعنويا ضد فرنسا. ومع هذا، فقد علمت فيما بعد أن الجنرال ديجول قال للمقربين منه، ولرئيس وزراء فرنسا جى موليه:"إن عبد الناصر تصرف كوطنى غيور.. وإننى لو كنت مكانه لفعلت الشيء نفسه". ثم يضيف لاكوتور:"لم يكن تأميم القناة إلا ترسيخا للنزعة الاستقلالية فى العالم الثالث.. وهى النزعة التى لعب فيها عبد الناصر دورا إيجابيا"... ثم كان العبور العظيم وكالعهد بهم، بين الحين والحين، خطف المصريون أبصار الدنيا، وأبهروا أنفاس التاريخ، وكانت قناة السويس محط نظر الدنيا كلها مرة أخري.. لقد عبر المصريون الهزيمة.. وكتبوا بدمائهم من جديد شهادة إبداع شهد لها العلم العسكرى والاستراتيجى فى العالم كله. فى عدد تاريخي- وكم لها من أعداد تاريخية- كتبت" الأهرام"، فى صباح 7 أكتوبر 1973 ميلادية، 11 رمضان 1393 هجرية «مانشيت» عريضا يقول:" قواتنا عبرت القناة.. واقتحمت خط بارليف". وقال الخبر: "نجحت قواتنا أمس فى عبور قناة السويس إلى سيناء، وتمكنت بعد عملية اقتحام ناجحة- بدأت فى الثانية ظهرا- من الاستيلاء على الجزء الأكبر من الشاطيء الشرقى للقناة، وسقطت فى أيدى قوات العبور المصرية نقط العدو واستحكاماته القوية، حيث رفع الجنود المصريون فوقها العلم المصري، بينما غطت على دوى المدافع وانفجارات القنابل أصواتهم وهم يكبرون لحظة ارتفاع العلم المصرى فوق الأرض المصرية فى سيناء". ..وأعاد السادات افتتاحها من جديد فى احتفال عالمى مهيب، فى 5 يونيو 1975 أعاد الرئيس الراحل أنور السادات افتتاح قناة السويس، بعد إغلاق استمر 8 سنوات فى أعقاب حرب 1967 وقد تعمّد السادات "الذكي" أن يكون الافتتاح فى 5 يونيو ليمحو ذكرى النكسة. وهكذا عادت القناة لتصبح مصدرا مهما من مصادر الدخل القومى المصري. .. وكان العالم قد خسر بسبب هذا الإغلاق ما يزيد على 13 مليار دولار، وارتفعت جدا أسعار النقل البحري. وفى هذا السياق يمكن الحديث عن أن القناة عرفت فى تاريخها 8 إغلاقات، الأول فى 1882 لمدة يومين بسبب الاحتلال البريطانى لمصر، والثانى 1885 بسبب اصطدام كراكة مع سفينة، واستمر الإغلاق 11 يوما، والثالث 1905 بسبب اصطدام سفينتين، والرابع فى فبراير 1915 بسبب الحرب العالمية الأولي، والخامس لمدة عامين فى عام 1942 بسبب الحرب الكبرى الثانية، والسادس فى 1951 بعد غرق إحدى السفن، والسابع بسبب العدوان الثلاثى على مصر فى أكتوبر 1956 والثامن بسبب حرب 67 .