أود قبل أن أختتم هذه الإطلالة الخاطفة على بعض أوراقى الشخصية من دفتر العبور أن أوضح أن الاهتمام ببعض أوراق مرحلة حرب الاستنزاف هو جزء من أمانة التوصيف والتأصيل الصحيح لمعجزة العبور يوم السادس من أكتوبر 1973 لأن القوات المصرية المسلحة عندما أذهلت العالم بخططها الدقيقة وأدائها المبهر كانت تبعث برسالة للعالم كله مفادها أن الجهد والعرق والدم الذى ضحى به المصريون على مدى السنوات الست التى تفصل بين ظلام النكسة وضياء النصر كان عنوانا لإرادة شعب رفض الاستسلام للأمر الواقع، وقرر الاحتفاظ بجبهة مشتعلة بالنار قدر المستطاع، ومن خلفها جبهة أخرى للبناء والإعداد والتدريب والتأهيل لتلك اللحظة الموعودة. لقد أدت حرب الاستنزاف إلى تطعيم المقاتلين بأجواء الحرب والقتال، وأكدت أن مصر تملك العزم والإصرار على رد الاعتبار واسترداد كل ما فقدته تحت شعار أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة. وإذا كان هناك من يعتقد - واعتقاده خاطيء - بأن الحديث عن حرب الاستنزاف يمثل محاولة للإقلال من أهمية 6 أكتوبر فإن ذلك يمثل قمة المغالطة بكل المقاييس السياسية والعسكرية لأن حرب الاستنزاف تمثل أهم مراحل الاستعداد لليوم الموعود وأية محاولة لتجاهلها أو التقليل من أهميتها يمثل إخلالا بالأساس المعنوى والعسكرى الذى بنى على نصر أكتوبر المجيد.. ومثل هذا الانتصار المبهر لم يأت أبدا من فراغ، وإنما هو امتداد ونتاج لحرب مستمرة لمد 6 سنوات متصلة! فى حرب الاستنزاف اكتشف الجندى المصرى معدنه الأصيل واستعاد ثقته بنفسه عندما أتيحت له - ربما لأول مرة - فرصة المواجهة المباشرة مع أسطورة الجندى الإسرائيلى ومع الجيش الذى زعموا أنه لا يقهر.. وأيضا بفضل حرب الاستنزاف تدرب المصريون من خلال أعمال قتالية ناجحة على عبور قناة السويس ونصب الكمائن ومهاجمة الدوريات الإسرائيلية والعودة بأسرى منهم إلى الضفة الغربية للقناة.. وقبل هذا وذاك النشاط الهائل للمخابرات الحربية وأجهزة الاستطلاع فى توفير المعلومات الضرورية قبل الذهاب إلى اليوم الموعود.. وغدا نواصل الحديث [email protected] لمزيد من مقالات مرسى عطا الله