في عام 1973 ، كنت نقيبا شابا أعمل مساعد طيار على متن طائرة "سي5"، وقد عدت لتوي من جولة استغرقت عاما في "فيتنام وتايلاند ، كنت قد وصلت أنا وأسرتي إلى منزل أبواي ، والذي يبعد 120 ميلا، ورحلة بالسيارة تمتد لساعتين، عن موقعي بقاعدة "دوفر الجوية" في منطقة " دلاوير"،عندما أعلن قرار الجسر الجوي في نشرة الأخبار التليفزيونية. بعد أن سمعت الأخبار ، اتصلت بسربي الذي أتبعه، فأخبروني بأن أعود على الفور، حيث أنه تقرر أن أرحل في اليوم التالي للمشاركة في عمليات الجسر الجوي، ركبت أنا وأسرتي السيارة وانطلقنا إلى "دلاوير" بعد زيارة لأبواي استغرقت 30 دقيقة فقط. عاودت الاتصال مرة أخربي بسربي بعد وصولي، وأخبروني أنني سأرحل عصر اليوم التالي، لكن إلى أين ؟. لم يكن لديهم أدنى فكرة . في اليوم التالي طرنا إلى قاعدة "رامشتين الجوية" بألمانيا ، والتقطنا بعض المعدات وتزودنا بالقود ، وكانت المحطة التالية هى "جزر الأزور" بالبرتغال ، حيث كنا أول مجموعة تتجه إلى إسرائيل، ولما كنت قد عدت لتوي من منطقة حرب في الربيع السابق فلم أكن واثقا عما يمكن أن يحدث فيما كنا نقترب من "تل أبيب". أذكر أن المهمة بها حمولة كبيرة منها ستة براميل تحتوي على بنادق 175 مم، فضلا عن أطنان الزخيرة ، وعلى ما أذكر كانت رحلة طيران طويلة استغرقت 7 ساعات عبر البحر المتوسط، وعبر الرحلة كنا نرسل تقاريرا أولا بأول حول مواقعنا إلى مركز القيادة المسئولة عن حماية وتأمين العملية في واشنطن. خط الرحلة كان يسير في مجال على حافة خط سير العمليات - يقصد بعيدا عن مناطق الاشتباك على الجبهة المصرية والجهات العربية التي تساند مصر- وعبر الرحلة كنا نستطيع أن نرى سفن البحرية الأمريكية في البحر من تحتنا ، وكانوا يظرون لنا بالعين المجردة ، وعلى شاشات الرداد ، وفي أوقات مختلفة كانت المقاتلات التي انطلقت من حاملات الطائرات " من الأسطول السادس" تنضم إلى سربنا ، وتلازمنا في الطيران لبضعة أميال. وعلى بعد 100 ميل من تل أبيب انضمت إلينا مقاتلات سلاح الجو الإسرائيلي ، وما تبقي من الرحلة حتى "مطار اللد"، في إطار مشهد ترحيبي لنا ، إذ لم نكن نعلم على وجه التحديد ما يمكن أن تفعله بنا القوات القوات العربية. وعندما لامسنا الأرض لم أرى في حياتي هذا الكتل البشرية من الذين جاءوا ليعبرو عن سعادة حقيقية وامتنان لرؤيتنا، ورؤية الإمدادات التي تحملها وسيلة مواصلاتنا في بطنها الكبير، وفور الهبوط اصطحبونا إلى غرفة عمليات أعدت سريعا، مجهزة بكراسي الدرجة الأولى من "شركة العال"، وأطعمونا وجبات كان من الواضح أنها من نفس مطابخ العال ، وعندما انتهينا عدنا إلى طائرتنا متوقعين بالطبع أن نرى جزءا من الحمولة مايزال في طور التفريغ، ولكن لدهشتنا كانت الطائرة مغلقة تماما وزودت بالوقود واختفت حمولتها كلية، وحدثنا الطاقم الأرضي بابتسامة كبيرة على وجهوهم قائلين أن الحمولة غالبا تستخدم الآن على إحدى الجبهات ، كانت المهارة واضحة في عمليات تفريغ أكبر طائرة في العالم وبالطبع تغض الطرف على قلة خبراتهم في التعامل مع معداتنا الأرضية. قبل اقلاعنا في طريق العودة قام أحد قادة الفريق الأرضي بإهداء كل عضو في فريقنا بتذكار وكلمة شكر، وكان نصيبي كتاب رحلات عن أرض إسرائيل ، وسلسلة مفاتيح عليها شعار " جيش الدفاع الإسرائيلي" منقوش عليها كلمة شكر ، ومازلت أحتفظ بهما حتى يومنا هذا وأعتز بهما للغاية لأنهما التذكار المادي الوحيد الذي يرمز إلى الجسر الجوي الذي شاركت فيه. لم تقدم لنا حكومتنا، أو قواتنا الجوية شيئا، ولا حتى كلمة طيبة, ولكن أهم ما تبقى لي هو ذكرياتي عن البشرالذين أعربوا سعادتهم البالغة لرؤيتنا حتى كادوا يتدفقون حيوية ، لم أشعر في حياتي بعدئذ هذا الشعور الحقيقي بالعرفان لعمل قمت به، فقط أشعر بالسعادة لأني أنفذ عملية احترافية وناجحة لأصدقائي في إسرائيل.