سوف تتواصل المعركة مع القوى والتنظيمات التكفيرية والجهادية سواء في سيناء أو في مناطق متعددة من أرجاء المنطقة، فقد آن الأوان لإجتثاث الإرهاب. ورغم أنها معركة مع مجموعات وفصائل إرهاب عشوائي سبق أن تعرضت دول كبرى لعمليات مشابهة لها، ولعلنا نتذكر العملية الإرهابية داخل إحدى قواعد البحرية الأمريكية وغيرها، إلا أن العملية الغادرة التي جرت منذ ثلاثة أيام في سيناء تكشف عن بعض الأمور التي ينبغي الوقوف أمامها وتفهم أبعادها وتداعياتها، وأهمها ما يلي: أن طبيعة تلك العملية وكيفية تنفيذها تتجاوز قدرات المجموعات الإرهابية الموجودة في سيناء تخطيطاً وتنفيذاً قياساً بالعمليات التي قامت بها تلك المجموعات الموجودة في سيناء على مدى الشهور الماضية وهو ما يرجح انضمام عناصر وافدة من التي عملت في ميادين الإرهاب في سورياوالعراق في الفترة الماضية ولديها خبرات أعلى وقدرة على تصينع المتفجرات بكفاءة أكبر وإدارة مثل هذه العمليات الإرهابية. أن العمليات المذكورة تمت داخل المربع الأمني الذي فرض فيه السيد الرئيس حالة الطوارئ وهو المربع الذي شهد معظم العمليات الإرهابية والملاحقات التي تمت لبؤر وخلايا الإرهاب، وهو ما يعني اشتداد وتمركز الإرهاب في تلك المنطقة وتحرك عناصره عبر الأنفاق من وإلى غزة، الأمر الذي يحتم الإسراع بتنفيذ ما أشار إليه السيد الرئيس من وضع حل جذري للعملية يكشف هذه المنطقة ويجعل من الصعب على عناصر ومجموعات الإرهاب الإختباء بين المدنيين ويسمح بعمليات وقائية مسبقة. أن الأنفاق بين سيناءوغزة لاتزال موجودة رغم الجهود المبذولة من القوات المسلحة لتدميرها، وتمثل اختراقاً للأمن القومي المصري وأن الصعوبة هنا أن قواتنا المسلحة تحاول ضبط الشريط الحدودي مع غزة من الجانب المصري لكن الطرف الآخر وبصفة خاصة حماس لا يقوم بواجبه في ضبط الجانب الفلسطيني من الحدود ولا تزال عمليات هروب العناصر الإرهابية الملاحقة من القوات المسلحة وأجهزة الأمن المصرية من وإلى سيناء عبر هذه الأنفاق تتواصل وتحمل معها الكثير من المخاطر على القوات المسلحة والأجهزة الأمنية التي تفاجأ بصورتها أكثر تسليحاً وتدريباً. أن المقصود بهذه العمليات المتلاحقة لقوى الإرهاب وخاصة العملية الأخيرة هو هز الثقة في الجيش المصري وضرب التماسك الشعبي مع الجيش والذي تبلور بصورة كبيرة في ال 30 من يونيو وغير وجه التاريخ والحياة السياسية في مصر، المقصود إذن بالعملية الغادرة الأخيرة بالذات هو تهديد وجود الدولة المصرية من خلال ضرب ذلك التماسك. أن بعض الشخصيات السياسية والإعلامية والذين يمكن تسميتهم بجنرالات المقاهي والمصاطب بدأوا يتحدثون عما كان ينبغي أن يحدث وما يجب أن يكون رغم افتقارهم للمؤهلات التي تسمح لهم بانتقاد آداء القوات المسلحة وأجهزة الأمن وعدم معرفتهم بطبيعة الواقع الميداني وظروفه الطبوغرافية والسكانية والمحاذير التي تفرض على تلك القوات والأجهزة الأمنية القيام بمهامها كأنها تقوم بعملية جراحية دقيقة تتجنب خلالها أقل قدر من الخسائر للمدنيين وأن العملية الآن هي قضية اجتثاث جذور الإرهاب كخطر كبير يهدد الأمن القومي للدولة ووجوده ذاته وبالتالي يجب ألا ترتفع أية أصوات أو دعاوى تشغل الوطن بقضايا جانبية فالأمر أكثر وضوحا وهو أن تكون مع الوطن أم مع قوى الإرهاب في هذا الوقت. أن هناك علامات استفهام حول موقف أمريكا التي تتباطأ في تسليم مصر طائرات الأباتشي ولا تدرك أن تلك الطائرات هي أحد الأسلحة الفعالة في مواجهة إرهاب سيناء، وقد طالبت مصر في ذات الوقت بالانضمام للتحالف الدولي الذي تقوده لمحاربة تنظيمات إرهابية في العراقوسوريا خاصة داعش لأنها ترى أنه أصبح يهدد مصالحها ولا تأتي معنا لمحاربة الإرهاب في سيناء والدوائر المحيطة بمصر، ولا تزال كذلك تبتز مصر بالمساعدات العسكرية وتجاهل أن هذه المساعدات كانت ضمن حزمة تعهدات ترتبط بمعاهدة السلام وغيرها من الأمور ولا تعطي وزنا كافيا لمعركة مصر ضد الإرهاب ومواجهة مصر للمنظمات الإرهابية على مختلف درجاتها وتحاول إقناع العالم بأن داعش هو وحده الذي يهدد الأمن والسلم في الإقليم والعالم رغم أن داعش موجودة في سوريا منذ أكثر من عامين لكن لم ترى فيه تهديدا لمصالحها التي لا يعنيها نزيف الدم في سوريا. - أنه رغم توافر أدلة قاطعة على تورط حماس في دعم منظمات الإرهاب في سيناء إلا أن العلاقات بين هذه المنظمات وتنظيمات فلسطينية تتمركز داخل القطاع مثل جيش الحق وسيوف الحق وكذلك جيش الإسلام الذي يعمل كمقاول إرهاب وكذلك عدم إصدار بيان من قيادة حماس تعتبر فيه أنصار بيت المقدس تنظيما إرهابيا يضع كثيرا من علامات الاستفهام حول مواقف حماس. أن الأحزاب الدينية والتي كانت جزءاً مما يسمى بتحالف الشرعية وهو في حقيقته تحالف إرهاب مثل الأحزاب المعبرة عن الجماعة الإسلامية والجهاد وكذلك الوطن لا تزال مواقفها تطرح كثيرا من علامات الاستفهام حول حقيقة موقفها من ذلك التحالف ومن تنظيمات الإرهاب لأنها لم تعلن أن من قام بالعمليات الإرهابية تنظيمات إرهابية وتكتفي باستنكار العمليات دون تجريم من قام بها، بل أن بعض القيادات السلفية المتطرفة لا تزال تمثل ظهيرا لتلك المنظمات والمجموعات الإرهابية. إن حديث البعض عما يسمى بضرورة عقد حوار مجتمعي لمناقشة الإرهاب وكيفية مواجهته هي دعوة تتضمن الكثير من الشكوك والنوايا السيئة للتأثير على المساندة الشعبية والتعبئة الوطنية للإجراءات المتوقعة إتخاذها والقيام بها طبقاً لما أشار إليها اجتماع المجلس الأعلى للدفاع الوطنى خلال الأيام القادمة في معركة ومواجهة حادة وحاسمة مع مجموعات الإرهاب. أن أجهزة المعلومات مطالبة بمزيد من الجهد للتنبيه والإستعداد لمواجهة المخاطر وإتخاذ الإجراءات الوقائية في الوقت المناسب والحل في عودة تلك الأجهزة للعمل بكفاءتها بعد ان تمت محاولة تدميرها والقضاء على ذاكرة أمن الوطن وهو ما يقتضي العمل في تنسيق متكامل لمواجهة عمليات الإرهاب. أنه لا ينبغي التهوين من قدرة تنظيمات الإرهاب في سيناء لكن الآن يتطلب عدم التهويل والإنتباه إلى ان هناك مخططات تبنتها ولاتزال دوائر إسرائيلية وأمريكية لتدويل الأمن في سيناء بدعوى عدم قدرة مصر على تأمينها وهناك كثير من الدراسات التي أعدتها مراكز دراسات إستراتيجية ذات صلة بدوائر صنع القرار في أمريكا وإسرائيل تتبنى هذا الإتجاة وتزيد على ذلك النظر إلى سيناء كمجال لحل أزمة اللاجئين الفلسطينيين بتوطينهم في جزء من سيناء. أن الفوضى الخلاقة التي رعتها أمريكا ودعت إليها في الشرق الأوسط في استراتيجيتها لإنشاء الشرق الأوسط الجديد أدت إلى سقوط نظم سياسية في المنطقة وتفكك دول وإتجاه دول أخرى لتصبح دول فاشلة ولعل ما يحدث في سورياوالعراق وليبيا دليل كبير على ذلك وقد سقطت مع هذه النظم جيوش كبيرة كان لها وزنها وتقديرها في إطار مواجهتها مع إسرائيل والتوازن العسكرى معها، وقد حفظ الله مصر وجيشها العظيم الذى جاء استثناءاً بين هذه الجيوش ومن الطبيعى أن تتواصل المخططات لضرب هذه المؤسسة الوطنية المصرية التي حمت أرض مصر على مدار تاريخها الطويل فلنثق بقدرات هذا الوطن وجيشه وشعبه ومؤسساته الأمنية على تجاوز ما يمر به الوطن وتحيا مصر ويحيا الجيش المصرى العظيم.
مستشار المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية لمزيد من مقالات د. محمد مجاهد الزيات