يصل عمر الجنيه المصرى إلى أكثر من قرن ونصف القرن، فقد تم إقرار اصداره عام 1834م وتم صكه وتداوله بعدها بسنتين وهو اقدم عملة فى العالم العربى والشرق الأوسط وإفريقيا، وظل العملة المتداولة فى العديد من الدول العربية قبيل استقلالها وصك عملة وطنية خاصة وذلك لما لمصر من تاريخ وحضارة وقوة سياسية واقتصادية، وليس أدل على ذلك من تسمية أهل الشام للنقود فى لغتهم العامية ب«المصارى» أى النقود المصرية، بل إن أكثر من بلد عربى صك عملته قديما على غرار الجنيه المصرى فكان ثمة الجنيه الفلسطينى والليبى، والسودانى. وقد عانى الجنيه المصرى الكثير بسبب انخفاض قيمته على مر السنين، فعلى سبيل المثال كان الدولار يساوى 20 قرشا فى بداية الخمسينيات من القرن المنصرم والآن يتعدى 7 جنيهات، بيد أن هذا كله لا يعنى أن نبخس قيمة الجنيه المصرى، فمازال عملة رئيسية فى الشرق الأوسط، ومازالت قيمته داخل السوق المصرية تعادل عملات كثيرة لدول غنية بل وتزيد فى بعض الأحيان رغم كل ما مرت به مصر من ظروف اقتصادية قاسية، كما أن هذا الانخفاض لم يطل الجنيه المصرى وحده وإنما طال جميع عملات العالم، فهل مثلا قيمة الجنيه الاسترلينى الشرائية فى الخمسينيات من القرن المنصرم هى قيمته الآن نفسها؟ والأمر نفسه مع الريال السعودى والكثير من العملات. ومن المؤسف ما شاهدته فى إعلان للتبرع «ولو بجنيه»، حيث تم عرض مجموعة من الآراء حول الجنيه، من أجل التدليل على أن هذا الجنيه الذى لا يساوى شيئا لك يساوى الكثير لدى المرضى، فى إطار الإجابة على سؤال يقول: ماذا تفعل لو منحتك جنيها؟، وصبت مجموعة من الآراء فى خانة التهكم على الجنيه، وهذه الأمور لا ينبغى عرضها على هذا النحو، ذلك ان العملة الوطنية تماثل اسم الدولة وعلمها وشعارها، ولا يجوز التحقير منها. وأذكر الاستطلاع الذى قامت به هيئة الإذاعة البريطانية فى ديسمبر عام 2008م لاستطلاع آراء المواطنين فى حالة اجراء استفتاء على الانضمام إلى العملة الأوروبية الموحدة «اليورو» وإلغاء الجنيه الاسترلينى، حيث اظهرت نتائج الاستطلاع أن 71% سيصوتون بلا، و23% يصوتون بنعم على انضمامهم إلى العملة الأوروبية الموحدة، بينما قال 6% إنهم غير متأكدين، وقد عبرت الأغلبية عن رفضها الانضمام للعملة الأوروبية الموحدة «اليورو» والتمسك بالجنيه الاسترلينى باعتباره أحد رموز المملكة المتحدة، أضف إلى ذلك ما يمارسه البعض من الكتابة على العملات التى تعد بمثابة واجهة لنا أمام أنفسنا والعالم، ومن الواجب احترام قيمة عملاتنا الوطنية، ولعلنا جميعا رأينا كيف اصدر الرئيس المؤقت السابق عدلى منصور قانونا يجرم إهانة العلم والنشيد الوطنى، وهذا ما يستدعينى إلى طرح فكرة إقرار قانون يجرم الإساءة للعملات الوطنية، ويعتبر فى الوقت نفسه كل العملات الورقية المدون عليها كتابة، أو المطبوع عليها شعارات واختام واكلاشيهات تهنئة ودعاية وما إلى ذلك، أو الممزقة والتالفة، فى حكم الملغاة، مع منح مهلة قانونية لاستبدالها من البنوك المصرية والاستفادة من تجارب بعض الدول المتقدمة فى استبدال العملات الورقية بعملات بلاستيكية لا تنقل الميكروبات ولا يمكن الكتابة عليها بل ويمكن غسلها بالماء إن اقتضت الضرورة دون أى ضرر يصيبها. د. هلال أحمد وجدى مدرس بكلية الآداب جامعة المنصورة