عادل سليم علي حكومة الدكتور نظيف أن تسعد وأن تفخر وتعلن للعالم أجمع أنها أول حكومة في تاريخ مصر تقوم بتحويل الجنيه الورقي إلي عملة معدنية وبذلك يكون لها شرف الريادة والسبق وقرر وزير المالية الدكتور يوسف بطرس غالي طرح العملات المعدنية فئة الخمسين قرشا والجنيه بدلا من العملات الورقية بداية من شهر يونيو القادم وسيتم سحب العملات الورقية من فئة الجنيه والخمسين قرشا من الاسواق تدريجيا. المثير للدهشة في هذا القرار أن كل دول العالم غنيها وفقيرها كبيرها وصغيرها تصدر عملتها الورقية التي تمثل تاريخها وتعكس تطورها الاقتصادي. أقول إن كل العملات الأجنبية هي عملات ورقية الدولار واليورو وحتي دول الاتحاد الأوروبي قبل اصدار اليورو كانت عملاتها أو وحداتها النقدية بالعملة الورقية وكذلك الين والريال والدرهم والدينار واليوان والروبية وكل دول المشرق والمغرب والشمال والجنوب تتعامل بالورقة.. وهذا يعني أن قرار حكومتنا يحتاج إلي مراجعة ووقفة وتساؤل؟! الجنيه المصري ظهر منذ أكثر من مائة عام وبالتحديد في 25 يونيو 1898 مع إنشاء البنك الأهلي المصري في هذا التاريخ وكانت الأوراق تطبع في بريطانيا واستمر الوضع حتي بعد إنشاء البنك المركزي.. حتي عام 1968. عاش الجنيه المصري أيام عز وارتبط بقوة الاقتصاد علي مدي التاريخ.. ومع الأزمات الاقتصادية العالمية والمحلية تأثر الجنيه وتراجعت قوته الشرائية صعودا وهبوطا مع قياسه بالعملات الأخري. الجنيه يمثل السيادة المصرية والكرامة الوطنية ويعبر عن شخصية المصريين بل يعبر عن الوطن كله.. كان الجنيه في سالف العصر والأوان يحترم ويتداول في بعض الاساق العربية في فلسطين وليبيا والسودان والسعودية.. وتستطيع أن تشتري به خمسة كيلوات من اللحم وأن تشتري بمائة جنيه فدان من الأراضي الزراعية الخصبة بل وأن تتزوج أيضا بأقل من مائة جنيه! أما الآن فقد أصبح الجنيه هزيلا ضعيفا لا حول له ولا قوة وقيمته هي (باكو) لبان وتدهورت حالته وهبطت قيمته إلي الحضيض وتفوقت عليه غالبية العملات التي كان يتفوق عليها فقد كان الجنيه يساوي أربعة دولارات ومثله مثل الاسترليني كما كان يتفوق علي الجنيه الذهب. وبدلا من أن تهتم حكومتنا باستبدال ضعفه إلي قوة وتوفير كل العوامل التي من شأنها أن يستعيد الجنيه عافيته وقوته وعزته لجأت الحكومة إلي الحل السهل المريح وهي استبداله من العملة الورقية إلي المعدنية وساقت لذلك حجج وتبريرات واهية مثل تداوله بكثرة بين أيدي الجمهور مما يعرضه لتلفيات كثيرة تدفع البنك المركزي إلي سحبه وإعادة طبعه مرة أخري مما يحمل خزانة الدولة نفقات كثيرة.. وأن عمره الافتراضي لا يتعدي ستة أشهر بينما العملة المعدنية تتحمل خمس سنوات من التداول إلي جانب أن العملة الورقية تنقل الأمراض. ولنا أن نسأل: هل نحن في مصر أكثر عددا وتداولا للعملات أكثر من الشعب الصيني أو الهندي أو الأمريكي؟! من هنا فإن حكومتنا المصرية تلجأ دائما إلي الحلول الجاهزة والسهلة بمثل ما تلجأ فيه إلي البيع لأي شركة أو منشأة تتعرض للتعثر من قطاع الأعمال العام ولا تبحث عن سبب تعثر هذه المنشأة ومحاولة علاجها حيث تلجأ إلي الخصخصة والبيع بأبخس الأسعار. المعروف أن العملات الورقية يتم اصدارها عن طريق البنك المركزي من المطبعة التابعة له أما العملات المعدنية والتي تسمي بالعملات المعاونة فيتم اصدارها من جانب وزارة المالية ومصلحة سك العملة وهذه العملات المعدنية المعاونة تكون ديونا علي الحكومة وتبلغ قيمتها المتداولة حوالي 185 مليون جنيه.. ويصر السيد وزير المالية أن (يكوش) علي طبع الجنيه بالعملات المعدنية ليكون هو المسئول وتكون الجنيهات تابعة له بمثل ما حدث مع فلوس المصريين (الغلابة) في التأمينات. وفي هذا الصدد يؤكد الدكتور محمد عبدالحليم عمر استاذ الاقتصاد بتجارة الأزهر في أحد تصريحاته الصحفية.. أن تداول العملة المعدنية يمثل عبئا علي حاملها بصفة عامة لذلك فإن التوجه لاصدارها يكون للعملات المعدنية المعاونة ذات الفئة الأدني. وتبلغ تكلفة الجنيه المعدني حوالي 30 قرشا ووزنه 5.8 جرام.. فإذا كان هناك موظف يتقاضي راتبا قدره 200 جنيه وبالعملة المعدنية فإنه سيحمل حوالي 1700 جرام. وتبلغ تكلفة الجنيه الورقي في المتوسط حوالي 11 قرشا وهذا يعني أن تكلفة إنتاج العملة المعدنية تزيد في كلفتها عن إنتاج العملة الورقية بحوالي 10% علي الأقل. وأخيرا لنا أن نسأل هل من حق الحكومة أن تستبدل العملة الورقية للجنيه بعملة معدنية دون سند قانوني أو تشريعي؟!