ماذا جئت لأقول اليوم؟ ولماذا قبلت هذه الدعوة؟ لا أعرف كيف حدث هذا الاستسلام! لعل المرء لا يستطيع أن يرفض طلبا للحب! سأحاول فى هذا اللقاء الجميل أن أجسد قدرا من الصدق يحملنى على الحياة.. أصدقائي.. لن نتوقف عن المغامرة، وسنراهن بكل ما نملك لابتسامة من البهجة، تعم أرجاءنا.. نسير وراء أحلامنا لتتأجج الحياة فى الألم الصامت، فى النور الشاحب، فى الدموع الليلية، فى الحروب الصغيرة والكبيرة، فى العواصف المتفجرة، فى مطر الدم، فى لون الغروب المرتجف المنبعث من مصباح الزمن، فى نصاعة بيضاء، فى حرية ملتهبة، فى جذوة متقدة، فى وردة ألهمت، يقينا أنه مايزال هناك توق إلى الحرية مع هذا العالم ينقذنا ويكنس شظايا الألم. «حرية»، بين معنى خفى ووضوح غامض تختال فى دواخلنا. لا موسيقى ولا أغنيات تكفى كى تقول لها الحب، هى سر أسرار هذا البعيد، يجيؤنا ويختلس الانتباه وبمغاور هذا السر تضيء قناديل الطيف مسافاتنا. يا «حرية» يا سيدة الألم والفرح والحب أشرعى نوافذك كى نحتفل بك، ونحن ندرك أنك باقية على حبك لنا رغم أخطائنا الفادحة تعالى الى رغيفنا الصباحى وقهوتنا المسائية سلامنا لخبزك الحافى الطيب المذاق وهو يعبق بالحياة سلامنا إلى سراجك الباقى على حافة الأرض وشمنا الممهور على ظاهر يدك طوق النجاة سنضنيك عيدا لتأجج الحياة فرحنا فرح النهر العتيق يمطر حريقا ومياها ولن نغادر الصحو ذلك هو قفصنا وتلك هى نعمتنا المهم أن تبقى لدينا القدرة على الرؤية فى الظلام المهم أن نترك أنفسنا نختنق نهرب من الحياة السياسية عندنا، نهرب من عقمها إلى ما هو أسمى منها فراغ القيم والقول والخيال فراغ مزدان بالفوضي، مشنشل بالتفاهة، مدرع بالإرهاب أصدقائي: النور يمكث فى الظلمة، تعالوا نكتشف لوحدنا وفى الحياة خطيئة واحدة هى اللاحب تعالوا نذهب على دروب الحب حيثما تقودنا الريح قبل فجر الصيادين لنطال زرقة السماء. تعالوا ننغمر بنعمة الحب فأى احتمال من دونه ما أرق الغشاء المصنوعة منه حياتنا المجد للرقة، المجد للنجوى والشوق والحنين، المجد لبريق العيون، المجد للدموع، المجد للرعشة ما أصغر الكبير وما أضعف القوي ما أفشل الناجح وما أفقر الغني ما أبعد القريب وما أكذب الصادقين جميعا يتضاربون فى الظلام كطيور عمياء، تلاقت فى الفوضى فتداخلت حتى القتل، وما من اتجاه يقود إلى غير الهاوية لا عظيم إلا البسيط ليسترح هذا العالم، لتأخذ هذه الأرض قيلولة، من العنف، ليرفع هذا الكوكب رأسه وينظر إلى نجوم السماء وحوله هدوء الليل ونقاء الفجر فى ما مضى كانت الأرض جميلة ضاق، ضاق هذا العالم!!! من يخترع لنا هواء الحل ليس بالقوة الحل هو الحب وكل القصة قصة حب هلى تعنى لكم شيئا هذه الكلمات: «حبيبتى أريد أن أمشط شعرك بيدي أو أن أحرق يدى الذاهلتين بشعرك» الحب جوع إلى ذوبان، عذب كضوء سراج، مالح كالدمع هل نسينا الحب؟ ونحن الذين اخترعنا كلمة حب سؤال آخر: هل هناك أحد لايزال يتأمل القمر بين الغيوم، أو منظر المركب المستسلم إلى نهر النيل كما يستسلم الإنسان إلى الأحلام منذ متى لم تشاهد فلاحا أو راعيا يا سيدي؟ منذ متى لم تشاهد الندى عند الفجر على غصن، على زهرة؟ منذ متى لم تعد تسير فى الحقول تركض من جل إلى جل، تشرب من مياه النيل. كانوا يبيتون فى المساء وعلى أيديهم ووجوههم وثيابهم تعب الحياة الساطع اليوم يبيتون وعليهم راحة الموت. ممزق هذا العالم، الحب ينخفت وكذلك التوهج يا حرية أعود وأناديك أنا فى مكان ما أغوص وانتظرك أنا فى مكان ما أنطفئ وأنتظرك أنا فى مكان ما أحبك وأنتظر مجيئك امنحينى وهج عينيك ليكون وطنى الوحيد ضد أوطان البشر امنحينى حبك فلا أدخل حربا من هذه الحروب ولا يأتينى خبر سلام ونغلق بابنا على التاريخ ونفتحه على نجوم السماء الحياة يوم يومان ولا تستحق هذه الحروب لا نريد شيئا نريد أن تتركونا نمشى فى الشوارع دون خوف من الاغتيال باسم القضية دون خوف من سفك الدم والخبز والورد باسم القضية دون اعتقال وإرهاب واضطهاد باسم القضية الكثرة تخيفنى لأنها تكسح ولا تملأ، تعبئ المكان فيظل خاليا كصحراء، أريد فردا يتحد بالكون أريد لحظة شغف تنشلنى وانتشلها، حب يحبنى وأحبه، يكسر شوكة قرفى من الواقع وخوفى منه سيعاد لنا الفرح سيعاد المذاق والمسافة، وكل ما ضاع. سيعاد ذلك اللحن والقصيدة وتلك الدعوة. لا تدعوا الآلهة تعمل دعوا الحب يعمل ليس هناك بطل فى السباحة، النيل هو البطل الأكبر فلنتفق مع النهر الخالد فى كبريائه كلمة أخيرة. حبيبى الشهيد. أحضنك بزفير الكشف وشهوة المعرفة، فيتطاير الشرر الساحر منك مثل الشغف الممسوس بومضة البرق، المأسور بغواية الدلالة، المأخوذ بزفير العسل. ما الذى يشبهك حين تطيش الفراشة فى عتمة الضوء وتمس الحلم المستثار المدي أموت قليلا معك، بل أموت كثيرا معك، كأن حياتك فى دمنا. لمزيد من مقالات مرسيل خليفة