بوتين في عيد ميلاده: الضربات الأوكرانية داخل روسيا لن تنقذ كييف وأهداف الحرب كما هي    ولي العهد السعودي والعاهل الأردني يستعرضان هاتفيا جهود تحقيق الأمن والاستقرار إقليميا    زلزال بقوة 5.1 درجة يضرب تايوان    توقف حركة القطارات بقنا بسبب مشاجرة بالأسلحة النارية بين عائلتين في دشنا    بعد ارتفاع الأخضر عالميًا.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري الأربعاء 8-10-2025    أسعار الفراخ اليوم 8 أكتوبر.. اعرف التسعيرة من بورصة الدواجن    انهيار أرضي يدفن حافلة ركاب ومصرع 18 شخصًا في الهند (فيديو)    القنوات الناقلة مباشر ل مباراة ليبيا ضد الرأس الأخضر في تصفيات كأس العالم 2026    سعر الذهب اليوم الأربعاء 8-10-2025 بعد الارتفاع الكبير بالصاغة.. عيار 21 الآن بالمصنعية    «الموسيقيين» تعلق على مشاجرة عصام صاصا بعد إخلاء سبيله: «ليست مشكلته الأولى»    ابنة أحمد راتب: أشهد الله أنك يا حبيبي تركت في الدنيا ابنة راضية عنك    حار نهارًا ومعتدل ليلًا.. الأرصاد تكشف تفاصيل طقس الأربعاء 8 أكتوبر 2025    أسعار الحديد في الشرقية اليوم الأربعاء 8102025    عاجل - ترتيب مجموعة منتخب مصر قبل مواجهة جيبوتى فى تصفيات كأس العالم    مواقيت الصلاة في الشرقية اليوم الأربعاء 8102025    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 8-10-2025 في بني سويف    في اليوم العالمي للفتاة.. كوبتك أورفانز تحتفي بفتياتها المُلهمات    تفاؤل إسرائيلي حذر بشأن محادثات شرم الشيخ وسط تخوّف من موقف حماس    الخريطة الكاملة لأماكن ومواعيد قطع الكهرباء عن محافظة الدقهلية «اعرف منطقتك»    أوقاف المنيا تعقد 45 ندوة علمية ضمن برنامج المنبر الثابت    «خيار مناسب».. ميدو يعلق على اقتراب ثورب من تدريب الأهلي    منتخب مصر المشارك في كأس العرب يواصل تدريباته استعدادًا لمواجهة المغرب وديًا    بشرى للمعلمين 2025.. موعد صرف حافز 1000 جنيه الجديد بعد اجتماع الرئيس    سعر الموز والتفاح والبطيخ والفاكهة في الأسواق اليوم الأربعاء 8 أكتوبر 2025    «صحح مفاهيمك» تنشر الوعي وتتصدى للظواهر السلبية بالمنوفية    «الداخلية» تكشف ملابسات فيديو تعدي شخص على طفل بالضرب في القليوبية    درجات أعمال السنة والتقييمات الأسبوعية في المرحلة الثانوية 2025-2026.. تفاصيل كاملة    الجهات الامنية تكشف لغز العثور على جثة طفل متغيب في مقابر الكرنك بقنا    باسم يوسف: بحس إني في مكان مش بتاعي.. أنا الراجل الغلط في المكان الغلط    عطل مفاجئ في أحد الأجهزة.. حظك اليوم برج الدلو 8 أكتوبر    «تعابين متعرفش تمسكها».. 3 أبراج بارعة في الكذب    افتتاح أول نادي للفتيات بالرزيقات قبلي بالأقصر.. خطوة جديدة نحو تمكين المرأة في الصعيد    مستقبل وطن يدفع بعدد 5 مرشحين على المقاعد الفردية بالمنوفية    هل يجوز اتخاذ إجراءات تأديبية ضد عضو مجلس النواب العامل في الدولة؟    الشيخ أحمد عمر هاشم.. حياة حافلة بالعلم والمواقف ورؤية مباركة للنبي صلى الله عليه وسلم    مخاطر انخفاض حمض المعدة وطرق العلاج    لمنع احتراق البقايا والحفاظ على طعم المأكولات.. خطوات تنظيف الفرن بلا مجهود    الأكثر العادات الغذائية ضررًا.. كيف يفتك هذا المشروب بصحتك؟    عاجل- قوائم تبادل الأسرى تكشف أسماء بارزة.. ومصر تكثف تحركاتها لضمان نجاح اتفاق خطة ترامب وتهدئة الأوضاع في غزة    القبض علي المتهم بقتل سيدة وابنتها داخل شقة بالصداقة القديمة بأسوان    فيريرا يخطر أجانب الزمالك بموعد الانتظام في التدريبات تجنبا للعقوبات    هشام نصر: الزمالك في حالة جمود.. ورحيل مجلس الإدارة وارد    وزير البترول يكشف تفاصيل الزيادة المقبلة في أسعار الوقود    حكاية ضريح مسجد سيدي عمر الإفلاقي في دمنهور بالبحيرة (صور)    رئيس الوزراء: مشروع تلال الفسطاط في مراحله النهائية وسيكون أكبر حديقة عامة على مستوى الشرق الأوسط    "هزم السرطان".. سائق بالبحيرة باكيًا: ربنا نجاني بدعوات الأهالي وقررت أوصل المواطنين أسبوع بالمجان (فيديو)    هاتف Realmi K9 Pro.. نقلة جديدة بتقنيات تتحدى الكبار    سمير عمر: مصر تقود جهود الوساطة منذ أوسلو وترحب بالدور القطري والتركي والأمريكي    صراع ثلاثي على صدارة هدافي الدوري الإيطالي قبل التوقف الدولي    محمد عز: فوز الأهلي 2009 على بيراميدز جاء عن جدارة واستحقاق    اللوتري الأمريكي 2027.. خطوات التقديم الصحيحة والشروط الكاملة    د. عمرو عبد المنعم يكتب: الإخوان والمزايدة الرخيصة على حماس    حفل إطلاق النسخ المترجمة لكتابى أحمد أبو الغيط «شهادتي» و«شاهد على الحرب والسلام»    حكايات يرويها - سامح قاسم: النصر في عيون السينما والأدب والفن التشكيلي    وجبات عشاء صحية في لمح البصر.. حضّرها في 10 دقائق فقط    مواقيت الصلاة فى أسيوط غدا الأربعاء 8102025    "لهذا السبب "انقطاع مفاجئ للمياه عن مدينة أسيوط مساء اليوم    المؤلفان زاك بايلين وكيت سوسمان يكشفان ل"اليوم السابع" كواليس مسلسل Black Rabbit    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بريد الجمعة يكتبه : احمد البرى
الاعتراف القاتل!
نشر في الأهرام اليومي يوم 23 - 10 - 2014

أتابع بانتظام رسائل قراء بريدك واسع الانتشار من المتألمين والمجروحين الذين يلجأون إليك طلبا للمشورة، فتأتى ردودك عليهم بلسما لجراحهم ودواء لآلامهم، وقد فكرت منذ ما يقرب من عام فى أن أعرض عليك تجربتى القاسية وهى توضح جانبا مهما من المعاناة التى يتعرض لها الكثيرون لكنهم يكتمون أحزانهم وينطوون على أنفسهم.
ولا يذوقون طعم السعادة لأسباب لا ذنب لهم فيها، برغم أنهم لا يتوانون لحظة من أجل إسعاد الآخرين، كما أطرح سؤالا أرجو أن أجد لديك الإجابة عليه، وهو سؤال كاد رأسى أن ينفجر بحثا عن إجابة له، فأنا رجل تخطيت سن الخمسين بقليل، وأعمل فى جهة اقتصادية كبرى، وأبذل جهدا مضنيا فى المهام الموكلة إلىّ، ولا أعرف غير لغة الاخلاص والصمت، فلا يكاد أحد أن يسمع لى صوتا، ولم أحاول يوما أن ألفت أنظار المسئولين إلىّ بالحديث المستمر عن نفسى كما يفعل الآخرون، والتزم الهدوء التام، فلا يشعر بى من حولى، وجاءت طبيعتى متسقة مع نشأتى، فلقد تربيت فى أسرة متوسطة يجمع أفرادها الحب، ولا تعرف الضغينة طريقا إليهم، وربما يكون هذا هو سر الهدوء الذى أتمتع به، وأحمد الله عليه، وبعد تخرجى فى الجامعة وأدائى الخدمة الوطنية تزوجت زواجا تقليديا عن طريق الأهل والمعارف، ولم تطل فترة الخطبة، ولم نلتق معا قبل عقد القران والزفاف سوى مرات قليلة، وبالتالى لم تتح لى فرصة التعرف على طباعها، فكل من الشاب والفتاة يحاول أن يتجمل أمام الآخر، ولا تظهر عليه صفاته الحقيقية إلا بعد أن يغلقا عليهما باب الزوجية.
ومنذ اليوم الأول تبين لى أن زوجتى من ذلك النوع من البشر الذى لايرضى بأى شىء أبدا، حيث بذلت قصارى جهدى لإرضائها وتلبية طلباتها لكنها لم تتخل عن سخطها وغضبها ورفضها كل ما أحاول التقرب إليها به، زد على ذلك أنها لاترى فى كل ما حولها سوى العيوب، حتى الفجر الجميل وزهور الربيع تسخر منها، وليس ما أقوله مبالغة منى فى تشويه صورتها، إذ إنها علقت على ورد قدمته لها أكثر من مرة تعليقا ساخرا، وكأن الرومانسية والتعبير عن الحب أمر غريب وتافه يستحق السخرية!!
وما زاد من ألمى هو أن زوجتى لا يعجبها شىء، وقد أحالت حياتنا إلى قلق دائم، فما إن تستقر فى شقة حتى تطلب تغييرها، والانتقال إلى أخرى فى مكان آخر واضطر إلى الاستجابة لها، وإلا كان الصراخ والعويل الذى لايتوقف إلى أن يتحقق لها ما تريد، وهكذا انتقلنا إلى شقق عديدة خلال سنوات قليلة، مع كل ما ترتب على ذلك من تغيير كامل فى نمط الحياة وأسلوب المعيشة!
وإزاء طلباتها المتزايدة اضطررت إلى الالتحاق بعمل إضافى أذهب إليه بعد عملى الأساسى، ولا أعود إلى البيت إلا فى ساعة متأخرة من الليل، فاستريح عدة ساعات، ثم أعاود العمل فى الصباح الباكر.. ولم تلق بالا لمتاعبى، فهى لا يعنيها إلا نفسها والشقة الفاخرة التى طالما حلمت بها كما تقول، وكان لها ما أرادت، فلقد وضعت مدخراتى فى الشقة الموعودة، ومازلت أدفع ماتبقى من أقساطها حتى الآن، لكن هيهات لها أن ترضى بشىء، فهى فى حالة تذمر وخصام دائم ليس معى فقط، وإنما أيضا مع أهلها، لدرجة أن والدتها ماتت رحمها الله، وهما متخاصمتان، فخصام زوجتى من النوع الحديدى الذى لا يلين، والشيطانى الذى لا يعرف الرحمة! وهى كذلك تكره والدها، ولم ألحظ يوما أنها تتحدث مع أحد من إخوتها، فالكل تراهم أعداء لها، وتتهم جميع أفراد أسرتها بالمساهمة فى نكبتها وضياع عمرها. وكثيرا ما أجلس إلى نفسى ليلا بعد أن يطير النوم من عينى، وأتساءل: لماذا تفعل ذلك مع اننا نحيا حياة مستقرة لاتتوافر للكثيرات، وننعم بما تحسدها عليه قريباتها وجاراتها؟ وبالطبع لا أجد إجابة على هذا السؤال المتكرر مع النكد المستمر بلا سبب. ولما احترت فى أمرها ذهبت إلى دار الافتاء، وقصصت على أحد علمائها الأفاضل حكايتى معها، واستطلعت رأيه فيما تفعله، فتعجب من أمرها، واصفا إياها بالنموذج العجيب من البشر، وعدت من عنده وقد أعيتنى الحيل فى إرضائها وإصلاح حالها، وظللت أعانى هذه المعيشة المضطربة، وأصبت بعدة أزمات صحية وتطلبت حالتى إجراء أكثر من جراحة، ولم تأبه لمتاعبى وتركتنى أصارع المرض وأتردد على الأطباء والمستشفيات بمفردى، ولم تساندنى كما تفعل كل الزوجات بلا استثناء، وما أثار دموعى وهز كيانى هو أن الغرباء هم الذين سارعوا إلى مؤازرتى، أما هى فلم تعبأ بى، واستمرت على ما هى عليه من تجاهل، وكأنى غير موجود على قيد الحياة!
وتحملت كل هذا الأذى النفسى من أجل ابنى وابنتى اللذين رزقنا الله بهما، فلا ذنب لهما فيما تفعله والدتهما معى، ولا حل لهذه النفس الكارهة، وهذا القلب الذى يضرب به المثل فى القسوة والسواد!
ومرت الأيام على هذا النحو الكئيب الى أن جاء يوم الثامن عشر من يونيو من العام الماضى، وكنت وقتها قد توقفت عن العمل الاضافى طلبا للراحة بعد تدهور صحتى الجسمانية والنفسية، وعند عودتى من عملى الأساسى، وجدت ابنى طالب الجامعة الذى يدرس بكلية القمة وأنفق عليه ما يزيد على ثلاثة آلاف جنيه كل شهر، نائما، وكانت الساعة وقتها تشير الى السابعة مساء، وهو الموعد المحدد لأحد الفنيين لإصلاح بعض الأعطال فى الشقة، فحاولت ايقاظه مرات عديدة، لكى يقف مع الفنى فى أثناء عمله، لكنه لم يبال بندائى فارتفع صوتى عليه لما رأيته من استهتار ولا مبالاة شديدة، فإذا به يسبنى بألفاظ نابية بشعة، ثم تهجم علىّ وأصابنى بجرح فى وجهى، وهددنى بالقتل، والله العظيم، هذا ما حدث من ابنى الذى واصل سيل بذاءاته ضدى لعدة ساعات، فأصبت بصدمة عصبية لم أفق منها حتى هذه اللحظة، ولم يفارق هذا الموقف خيالى منذ وقوعه، ولا أدرى كيف فعل ابنى ما فعله بى، وأنا الذى تحملت من أجله هو وأخته قسوة أمهما وجبروتها وعشت معظم حياتى بلا رفيق فى الحلوة والمرة، ولا قلب حنون يحتوينى وقت الشدة، وكتمت احزانى وغضبى، وحاولت أن أتعامل مع هذه الواقعة المريرة بعقلانية، إذ خشيت وقتها مع احتدام الموقف أن أستل سلاحا واطعنه به، ثأرا لكرامتى، ولم أجد بدا من أن أترك هذا المنزل الذى لم أذق به يوما سعيدا، وعشت فيه عذابا أليما، وأنا الآن أحيا بمفردى فى شقة أخرى بالايجار، أما عن موقف زوجتى، فلقد رفضت سلوك هذا الابن، لكنها فى الوقت نفسه اعترفت لى اعترافا قاتلا بأنها تكرهنى منذ أن تزوجتنى، وياله من اعتراف نزل علىّ كالسكين الحادة.. صحيح أننى كنت أشعر دائما بهذه الكراهية، لكننى لم أتخيل أبدا أن تصل الى هذا الحد.. وإنى أسألك: من يرضى بزوجة مثل هذه السيدة المتحجرة التى تكره الجميع حتى أمها وأباها وزوجها؟.. وماهو التصرف مع ابنى وهو من نوعية الابناء العاقين والمستهترين بكل شئ حتى بأبيهم، وهل مكتوب علىّ أن أعيش فى عذاب وهوان وحرمان إلى أن أموت؟!
* ولكاتب هذه الرسالة أقول:
فى الحقيقة إنك وزوجتك تتحملان معا أسباب ما وصلت اليه حياتكما من انهيار، وتفكك حتى فعل ابنك معك هذا السلوك الشائن الذى سيحاسبه الله عليه يوم القيامة، وربما يلقى جزاءه العادل فى الدنيا قبل الآخرة على ما اقترفته يداه، وتطاوله عليك إلى حد أن يصيبك بجرح فى وجهك، فهى تتحمل الجانب الأكبر من الأسباب بكتمانها كراهيتها لك، وعدم الشعور بالراحة معك لمدة تزيد على عشرين عاما، وتتحمل أنت الجانب الآخر بإحساسك بهذه الكراهية دون أن تفكر فى أن تفاتحها فى سلوكها وموقفها منك، فلقد آثر كل منكما الانجرار فى حياة خالية من المشاعر، والتغطية على الاحساس بالمرارة، حتى انكشف الغطاء بعد سنوات طويلة من الألم الداخلى والمعاناة النفسية فوق الطاقة، وكان من الضرورى وجود تواصل مفتوح بينكما فتتصارحان بحقيقة المشاعر، لكى لا يتراكم الغضب والانزعاج داخل كل واحد تجاه الآخر، ويحدث طلاق نفسى وتتحول حياتكما إلى قنبلة انفعالية قابلة للانفجار فى أى لحظة، وهو ما حدث بالفعل عندما انفجرت الاحاسيس المكتومة، فصارحتك بما تكنه لك من كره، وعبّر ابنك عن المشاعر نفسها بهذا الموقف الذى لا يصدر من ابن تربى تربية سليمة، فلقد نشأ وترعرع فى هذا الجو المشحون بالتوتر، وتأثر بما تمليه عليه أمه، ولم يكن ما فعله وليد اللحظة، وإنما جاء نتيجة تراكمات داخلية، حان وقت انفجارها عندما علا صوتك عليه، وهو درس لكل الآباء بألا يتركوا أبناءهم دون توجيه وإرشاد كما فعلت أنت.
ودعنا نتحدث بصراحة، أنه لا كراهية بلا سبب كامن أو ظاهر، أما الأسباب الظاهرة لكراهية المرأة زوجها، فإن أهمها ينحصر فى عدم المعاشرة بالمعروف، وتهديدها الدائم بالعقاب أو الطلاق، والتقصير فى الإنفاق على البيت بصورة تؤدى الى حرمانها من الضروريات برغم سعة رزق الزوج، وقدرته على الإنفاق دون إفراط أو تفريط، فالبخل والتقتير من أبرز أسباب الكراهية لدى كثيرات من الزوجات، وهو ما اتهمتك به زوجتك، لكنك تنفيه عن نفسك تماما.. وأما الأسباب غير الظاهرة فأبرزها غياب أو تغييب مشاعر الحب، لأن عدم الشعور بين الزوجين بالحب المتبادل يجعل العلاقة بينهما مجرد «مساكنة» أو «زواج مصلحة» بارد، لا حياة فيه، ولا استقرار, مع افتقاد الشعور بالأمن والطمأنينة بسبب توقعها غدر الزوج بها، لأنه يهددها تصريحا أو تلميحا بالزواج بأخرى، لمجرد وقوع خلاف بسيط فى وجهات نظرهما، كما أن انعدام التوافق النفسى، وانقطاع التواصل الروحانى بينهما يعتبر من أدق وأخفى أسباب الكراهية، وربما يحب أحدهما الآخر من طرف واحد، بينما الآخر يبغضه، ولكنهما يحرصان على الاستمرار معا لاعتبارات أخرى كالمحافظة على الأسرة، ولاشك أن انعدام المصارحة، وتأخر المصالحة عند وقوع الشقاق أو ظهور أسبابه يهدد كيان الأسرة، فكتمان الآلام النفسية يغرس بذور البغض، ويبعث نبضات الكراهية، ولابد من الإسراع إلى جبر ما صدعته المواقف المختلفة فور وقوعها لكى لا تصل الأمور إلى حد الطلاق.
وتؤكد تجارب الحياة أن أفضل شعار يمكن أن يتخذه الأزواج لتفادى الخلافات هو أنه «لا يوجد حريق يتعذر إطفاؤه فى بداية الاشتعال بكوب ماء»، فأكثر الخلافات الزوجية التى تنتهى بالطلاق ترجع إلى أشياء تافهة تتطور تدريجيا إلى أن يتعذر إصلاحها، وهو ما أراه جليا فى تجربتك يا سيدى فبرغم أنك لم تسرد تفاصيل قصتك مع زوجتك، والتى قد نستشف منها ما أدى إلى فتور العلاقة بينكما إلى حد الكراهية، إلا أننى أرى أنه كان من الممكن رأب الصدع الذى أصابها فى مهده، فالمرأة فى غضبها أكثر حساسية من الرجل، وأكثر مرونة منه فى تأقلمها وتكيفها مع الحياة، وهى فى حالة الغضب لا ترى أيا من المحاسن، لأنه يسيطر على مشاعرها وأحاسيسها، ولذلك يجب عدم الاعتماد على ما تقوله فى لحظة الغضب، فربما تتراجع عنه، وهى دائما إذا غضبت من زوجها تقول له «لم أر منك خيرا أبدا»!.
ولقد فات على زوجتك أنك مثل كل الرجال، شقيت وتعبت من أجل أن تهيئ لها الحياة التى تتمناها، وأنك كنت دائما تنتظر منها أن تمنحك الدفء والحنان، والحب والعناية والرعاية، وأن تكون لها سندا فى الحياة وسط المصاعب والضغوط، فهمّ الرجل وشغله الشاغل هو أن يؤمن لزوجته وأولاده حياة كريمة من طعام وسكن وكساء، وعندما يعدم الوسائل المؤهلة إلى هذه الرغبات، ولا يعرف كيف يحققها، فإنه يظل حزينا مهموما، وهو بطبعه لا يعبر دائما عما يجول بخاطره من هموم وآلام ورغبات وأحلام، وحب، وتعب، بل يحاول أن يكتمها لسببين أساسيين: الأول أنه لا يريد أن يراه أهله عاجزا أمام تحقيق متطلباتهم، والثانى: ألا يتأذوا أو ينزعجوا مما جرى له، بل يريدهم سعداء فرحين، وأسوأ اللحظات فى حياة كل رجل، أن يكون غير مقبول عند زوجته وأسرته، وصورته مهزوزة أو ضعيفة أو سيئة، وهذا هو ما حدث لك من زوجتك التى فاجأتك باعترافها القاتل بأنها تكرهك منذ زواجك منها، ثم تصرف ابنك الأحمق، والذى يجب محاسبته عليه، وما حدث من الاثنين لم يكن وليد اللحظة، وإنما جاء نتيجة تراكمات طويلة، ساهمت فيها زوجتك بتنشئة ابنك تنشئة خاطئة، وأنت غائب معظم الوقت فى العمل.
وقد حان وقت حسمك الأمور ووضعها فى نصابها الصحيح، إذ لا يمكن أن تستقيم حياتك على المنوال الذى أنت عليه الآن، وعليك أن تنظر إلى المسألة من منظور آخر، فزوجتك إما أن تكون مريضة، وتعانى نزاعات داخلية تقتضى علاجها نفسيا، بدليل أنها فى حالة خصام دائم مع من حولها، وهنا ينبغى عرضها على طبيب متخصص فى الأمراض النفسية، قبل أن تتفاقم حالتها، ويصبح من المستحيل علاجها، وإما أن تركيبتها قائمة على الكراهية بدليل خصامها مع الجميع حتى والدتها التى ماتت، وهما متخاصمتان، بالاضافة إلى اعترافها بكراهيتها لك، وهنا لا بديل عن الانفصال، وتستطيع أن تواصل مشوارك فى الحياة مع من تقدرك، وترى فيك رجلا قويا ومخلصا، لكنك لم تصادف من تقدرك حق قدرك... أما ابنك فعليه أن يعى أن سلوكه معك لا يقره الدين، ويأباه العقل، وسوف يندم مهما يطل الوقت على فعلته النكراء، فإذا كان يريد النجاة ورضا الله فليبادر بالاعتذار عن جريمته، ويؤكد لك خطأه فى حقك، بل إن عليه دورا أساسيا فى ترميم ما تصدع من بنيان الاسرة، بالسعى إلى مد جسر التواصل بينهم وبينك.. فهون الأمر عليك يا سيدى، وأعد حساباتك وفق معطيات الأوضاع التى تعيشها الآن، واقرأها قراءة جيدة ثم احسم أمرك بلا تردد، وعليك فى خطواتك المقبلة، وأنت تنشد الراحة والطمأنينة والسعادة، أن تحسن دائما إلى أهلك، وأن تتجنب الإساءة إليهم لتكون دائما فى أمن وأمان، وفى ذلك يقول الحق تبارك وتعالى «الذين آمنوا، ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، أولئك لهم الأمن، وهم مهتدون» فما أحلى الإيمان وسلامة النفس والقلب، وفقك الله، وسدد خطاك.. إنه نعم المولى ونعم النصير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.