ليست هذه هى المرة الأولى التى تضطرب فيها الأحوال فى الجامعات المصرية، وقد وصل الأمر فى بعض الحالات إلى إغلاق الجامعات بضعة أشهر. ولكن الأمر يختلف هذه المرة، فنحن حالياً إزاء جماعة سياسية تريد أن تفرض بالقوة إرادتها على الجامعات باعتبارها نقطة ارتكاز لاستقطاب شريحة اجتماعية مهمة من أبناء مصر لمساندتها فى سعيها لاستعادة السلطة، بينما كانت الجامعات المصرية فى كل الحالات السابقة تضرب عن الدراسة وتخرج إلى الشارع للتظاهر ضد الاستعمار وقوات الإحتلال البريطانى وضد الاستبداد السياسى والظلم الاجتماعى. حدث ذلك عام 1935 ضد دستور1930 الاستبدادى الذى فرضه إسماعيل صدقى باشا، كما حدث عام 1946 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية دعا المصريون الي الجلاء بالدماء، وأن مواجهة الظلم الاجتماعى ضرورة ملحة تستحق التضحية من أجلها، وأن المصريين من حقهم التمتع بحرياتهم السياسية والمدنية، وحدث ذلك أيضاً عامى 1951 و1952 أثناء تصاعد الحركة الوطنية الذى انتهى بتشكيل كتائب الفدائيين فى منطقة القناة لمحاربة قوات الاحتلال وإلغاء معاهدة 1936. وفى أزمة مارس 1954 شهدت الجامعات حركات طلابية واسعة النطاق. وأخيراً شهدت مصر مظاهرات طلابية واسعة النطاق عام 1968 احتجاجاً على الأحكام القضائية المخففة تجاه قيادات عسكرية مسئولة عن هزيمة يونيو 1967، وتطورت هذه المظاهرات إلى انتفاضة طلابية واسعة النطاق عامى 1971 و1972 للمطالبة بتحرير الأرض المحتلة واقتصاد الحرب وحرب التحرير الشعبية وتكافؤ التضحيات فى معركة التحرير . وفى كل هذه الحالات التى شهدت مظاهرات طلابية وإضراباً عن الدراسة كانت هناك إجراءات أمنية تتخذها السلطات لتأمين الجامعات ولكنها لم تكن الإجراء الوحيد الذى يتخذ فى مواجهة الاضطرابات الطلابية بل كان هناك عمل سياسى يواكب هذه الإجراءات الأمنية، وكان كبار المثقفين يشاركون فى لقاءات مع الطلاب لمناقشة الوضع السياسى وبعد ثورة 1952 كانت هناك مشاركة سياسية واضحة من القيادات فى مواكبة التحركات الطلابية، وقد بلغ إدراك النظام لأهمية العمل السياسى أثناء أزمة فبراير 1968 أن الرئيس جمال عبدالناصر عقد أربعة مؤتمرات سياسية جماهيرية لقطاعات الشعب المختلفة لشرح الوضع السياسى واستعراض أبعاده وانتهى إلى إصدار بيان 30 مارس يتجاوب فيه مع مطالب الشباب والطلاب بشأن الحريات والعدالة الاجتماعية وغيرها من القضايا المطروحة فى هذا الوقت. من هنا يمكن القول أن الترتيبات الأمنية التى أتخذت قبل بدء العام الدراسى الجديد لمواجهة محاولات جماعة الإخوان المسلمين إثارة الشغب فى الجامعات، هذه الإجراءات الأمنية لاتكفى وحدها لاستقرار الجامعات وانتظام الدراسة بها، بل لابد أن يواكبها عمل سياسى و حوار ديمقراطى مع طلاب الجامعات يشارك فيه كبار المفكرين والمثقفين والقيادات السياسية حول رؤيتهم للوضع السياسى الراهن واقتراحاتهم حول مستقبل البلاد، والسياسات العامة الضرورية لإخراج البلاد من أزمتها الحالية. إن الاستماع إلى الشباب فى هذه اللحظة الحرجة من تاريخ مصر، والتجاوب مع رؤيتهم للمستقبل والتوافق حول دورهم فى العمل الوطنى أمر بالغ الأهمية للحفاظ على الحركة الطلابية فى جبهة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية واستعادة الكرامة للإنسان المصرى. وهذا هو السبيل لإفساد محاولات الاخوان المسلمين إختراق الجبهة الطلابية. أما الاكتفاء بالبوابات الالكترونية والتفتيش الذاتى فإنهما رغم ضرورته لحماية الجامعات من التخريب سوف يستخدم لإثارة مشاعر الطلاب ضدها، ما لم يواكبهما تحرك سياسى فعال يتضمن إتاحة الفرصة للطلاب لممارسة نشاطهم فى إطار من الحرية وعقد الندوات لمناقشة القضاا العامة للوطن، وإصدار مجلات الحائط للتعبير عن آرائهم بحرية، وتكوين الأسر الطلابية وممارسة النشاط الثقافى بمعناه الواسع . فهذا هو السبيل للارتفاع بمستوى الطلاب الثقافى والسياسى وحمايتهم من غواية الإخوان المسلمين للمشاركة فى مظاهراتهم. إن الوعى السياسى ضرورة ملحة لتسليح طلاب الجامعات بالفهم السليم لأبعاد الوضع السياسى الراهن وأهمية حماية مصر من الوضع المتردى الذى انتهت إليه ليبيا وسوريا والعراق واليمن حيث اختنقت الدولة أو تكاد. حيث لا يتمتع المواطن بالأمان فى هذه البلاد، وهو أمر ينبغى أن يكون واضحاً لشباب مصر وطلابها، وإن مستقبل هذا البلد مسئوليتهم الأساسية. وعندما نتحدث هنا عن العمل السياسى فإنه يجب إن يكون واضحاً أننا لا نطرح هذا من أجل احتواء الشباب أو استخدامهم كأداة فى الصراع الدائر حالياً حول مستقبل مصر ، بل إن هذا العمل السياسى يجب أن يمارس بما يؤدى إلى تحول طلاب الجامعات إلى جماعة وطنية لها دورها فى المجتمع تتمتع بكل الإمكانات التى تؤهلها للقيام بدور أساسى فى صياغة مستقبل مصر. هناك إمكانية أخرى لمواجهة الوضع الحالى فى الجامعات وقد طرحت من البعض على شكل اقتراح تعطيل الدراسة بالجامعات لمدة سنة والسؤال هنا هو: ماذا سيحدث خلال هذه السنة؟ هل سيجلس الطلاب فى بيوتهم ويتحولون إلى قوة عاطلة أم أن المطلوب إنجاز عمل سياسى متكامل خلال هذا العام ينعكس إيجابياً على مستقبل مصر؟ هذه مسألة أخرى تحتاج إلى مناقشة مستقلة . لمزيد من مقالات عبدالغفار شكر