تخلى الشيخ عن مهابته وقدسية المسجد وهزّ كتفيه وتحسسّ لحيته البيضاء الطويلة بغرور : «.. وقد شهدت الصناديق» ، كان الشيخ سعيداً بحصد الأصوات لكنه أدرك بعد ذلك أنها كانت من البلاستيك الذى تم تجميعه فى عربة ضخمة امتلأت بالنفايات وزجاجات المياه الفارغة وسرنجات الحقن المستعملة ، وفور أن تمت عملية إعادة التدوير احترق البلاستيك وذاب وتحول إلى كرات صغيرة من النار التهمت لحية الشيخ الناعمة وامتدت لتحرق باقى اللحى الظاهر منها والخفى . كان مشهد الشيخ قبل احتراق اللحية صورة من مشاهد تكررت بأشكال مختلفة قبل ثورة يونيو وفى كل مرة كان مشاهير المشايخ فى المساجد وعلى الفضائيات يضعون أحذيتهم فى وجوه المصريين افتخاراً بأصوات تم تجميعها فى نفس العربة .
التجميع العشوائى لبلاستيك ردىء لا يصنع مستقبلاً ولا يقدم رؤية للإصلاح ،لكنه يراكم فوق رأسك نفايات جديدة تتمسح بالدين مرة وبالأخلاق والفضيلة والحق الذى يُراد به باطلاً مرات عديدة ، ستجد نفسك أمام عبوات محشوة بالكراهية والحنق والغضب، ستجد كميات مرعبة من قفازات أطباء المستشفيات غارقة فى دم ضحايا الإهمال والفساد ، وزجاجات فارغة تبحث عمن يملأها بأى شىء ، نفايات تركها النظام تكبر وتنمو وتتوحش لتحاصرنا نحن برائحتها !، هكذا يفعل التجميع العشوائى،يملأ الفضاء حولك بانتهازيين جدد ويفسد عليك ثورتك ومواقفك التى اتخذتها إرضاءً لضميرك ليقدم لك منتجاً جديداً من نفايات قديمة لا تعرف أصلها ولا فصلها ، يقدم لك كائناً مجهولاً بدون تاريخ صلاحية ويشطب من على العبوة الجديدة كل الفضائح والخطايا والجرائم إن شئت ،ويتحول المتواضع فى الموهبة والإمكانيات إلى أسطورة من البلاستيك اللامع .
وحتى لا تكون عدواً للديمقراطية عليك أن ترضى بهذا المنتج ولكن لا تشربه على « بق واحد « ضعه أمامك وتأمل تاريخ صلاحيته وطريقة تصنيعه قبل أن يسمم بطنك وبطوننا جميعاً ، هكذا علمتنا التجارب ولابد من إعادة قراءتها والتذكير بها قبل انتخابات البرلمان القادمة والتى أظن أن تجميع أصواتها قد بدأ فى استخدام نفس العربات من الآن وسيختلط بلاستيك الإرهاب بعبوات الفاسدين القدامى بقفازات أطباء الإجهاض الملوثة بالدم .