وسط جموع العاملين بالصحافة والمنتمين إلى عالم الفكر والثقافة.. رهط من الناس الهادئين الساكنين المهذبين.. خفيضى الصوت، لا يبنون وجودهم على تلك الاستعراضية الصارخة التى تعد الملمح الاول لسلوك المشهورين من الكتاب والجورنالجية، ولا يؤسسون إسهامهم الادبى او الصحفى على الصوت العالى والرغبة فى المزايدة على الاخرين، والتدافع معهم لاقصائهم عن الحضور فى مشهد العمل المهنى او الابداعى، بل والحياة ذاتها. من أولئك.. الاستاذ محمد الشاذلى الكاتب الصحفى والاديب الذى استقر- اخيرا- ليصبح مسئولا عن مركز «الاهرام» للنشر.. وبيقين فإن طيبته وهدوءه أجلا اكتشاف القراء له، واحتفالهم به بما يكافئ مواهبه الكبيرة، ومعرفته الواسعة، حتى إن بصمته الصحفية والادبية بدت وكأنها حالة انفجرت- فجأة- ولم تتطور بالتدريج.. قرأت لمحمد الشاذلى- منذ اعوام- مجموعة قصص قصيرة بعنوان: (لمس الاكتاف)، وتفاعلت كثيرا مع بعضها، بل ورأيت فيها ارهاصات روائية. اليوم اقلب الصفحات بين دفتى رواية (عشرة طاولة) للشاذلى معجبا بنسقها الذى يبدو شرائحا ملونة من القص واللصق (الكولاج)، والذى يبنى صوره ومشاهده على (التجاور) باكثر من (التداخل). الشاذلى يطوف بنا فى شوارع ذات طبيعة مختلفة وزحام مقاه مترعة بالناس، حرص على ان يصف الطريق اليها على نحو شديد التفصيل، محاولا ان يرسم ملامح اللحظة الضاغطة على مصر فى زمن الاخوان الارهابيين بين (يناير) و(ثورة يونيو) وصولا الى مشهد نهائى تظلله الحرية، ربما كان أحد ملامحه غناء المثقفين فى اعتصامهم امام وزارة الثقافة. الطاولة واحجار النرد وعالم القواشيط هو دنيا مجموعة من الرفاق الذين لم يحقق احدهم- كما هو واضح من السرد- انتصارا نهائيا فى احدى مواقع الحياة، كما لم يكابد هزيمة نهائية كذلك.. ربما يرى الراوى (بطل الرواية) ان الطاولة هى حوض السباحة الذى يسترخى فيه فى نهاية يوم مما يعيشه من احوال.. ولكن الموضوع كان اكبر من ذلك فى رواية الشاذلى، اذ ان الطاولة- كما اقنعنا- كانت الحياة بأكملها والتى اندمج الكاتب فى توصيفها عند لحظة معينة، والاستدعاء التراثى والصوفى والقرآنى والمعلوماتى فى هندسة بنائها، وعلى نحو كان ياخذنى- احيانا- خارج السياق. (عشرة طاولة) هى واحدة من العلامات الابداعية الباكرة التى تصف مشهد مصر والمصريين بين يناير وثورة يونيو. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع