فى روايته الأولى "عشرة طاولة" (الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية) استند الزميل محمد الشاذلى على مفردة شائعة لكنها بكر كموضوع لرواية، وهى النرد أو الطاولة . حيث تلعب هذه التسلية دوراً يتعدى حدود التسلية فى حياة بطل الرواية (لا اسم له، ولكنه فى حدود الخمسين، موظف فى مصلحة الضرائب، متزوج وله أبناء)، الذى ينزلق على سطح الحياة كما ينزلق الزهر على الطاولة، يطفو على صداقات تقوم على النرد والشيشة، وعلاقات نسائية أعمقها عابر وسطحى، إذا قيس بالحب الذى تحكيه القصص والأشعار (وبعض حالات الواقع لدى بقية رومانسية بين أبناء القرن الحادى والعشرين). فعلاقته بآلاء تقترب من الحب ولا تبلغه، كما لا تبلغ المهارة فى النرد عمق الشطرنج. وكما ينزلق البطل على الحب، يمر على السياسة ضيفاً عابراً، فى صحبة رفاق النرد، فى حالة الفوران التى بلغت ذروتها فى 30 يونيو 2013. فهو ليس مشاركاً بل مشاهد. وربما كانت الرواية تعليقاً على جيل تفتَّح وعيه ومضى شبابُه فى المساحة الضبابية التى تحول فيها نصر عسكرى إلى هزيمة سياسية وكارثة اجتماعية. فى كل الأحوال، لقد أجاد الكاتب التعبير عن سطحية حياة بطله ورفاقه باختيار النرد محوراً لحياتهم، لأن النرد نفسه كلعبة سطحى، إذا قيس بالشطرنج ، والعلاقات الإنسانية التى تتكون بمناسبته علاقات سطحية هى الأخرى، سواء مع الأصدقاء من نفس الجنس، أو حتى النساء. وإذا أردت أن تلخص حياة الكثيرين من الذين تطردهم البيوت من المقاهى، ويطردهم الملل من مقهى إلى آخر، وتطردهم الحياة إلى القبر دون أن ينجزوا أى شئ، فإن كلمتى “عشرة طاولة” تقومان بهذا الدور. وأفضل ما فى هذه الرواية أن الكاتب لا يحاول لفت أنظارنا إلى أن هناك رؤية وتعليقا على الحياة ينقله إلينا, بل يكاد يتقمص شخصية البطل وينقل كل شىء من خلال عينيه وحواسه, ولكن الحبر السرى يظل بين السطور ويظهر لمن يملك المادة والصنعة التى تظهره, فإذا هناك راو آخر غير الراوى-البطل,وناقد خلف السطور لما تحكيه السطور, للحياة الصغيرة التى تحياها تلك الشخصيات اللاهية, وللحزن أو الخوف الذى ربما كان يكمن وراءها. وهى شخصيات مرسومة ببراعة ومتجسدة بدقة فى مرورها السريع بمسرح الأحداث, والشخصيات النسائية بالذات مصورة برهافة, وتلتقى فيها الشاعرية بالخرافة,وتتميز بالطرافة (وأعتذر عن السجع غير المقصود), سواء آلاء المهندسة المتصوفة المتحررة معا, أو سحر فتاة الإعلانات المهووسة بنجوم السينما والمتعطشة للحب.وشخصية الأستاذ سعيد المدير العام بالمعاش,الذى ينتظر الموت ويسلى انتظاره بنظريات بعيدة عن التصديق تفسر واقعا بعيدا عن التصديق، هو الآخر فاجأه بعواصفه وزلازله, التى يخرج إلى المعاش فى احتدامها, شخصية فيها هى الأخرى شجن ممزوج بالفكاهة,والأستاذ صلاح أبو الخير, من صغار الأعيان ببلبيس, شخصية حية استطاع الكاتب ان يصور ملامحها فى سطور قليلة. “عشرة طاولة” عمل فيه عمق غير معلن يحيا تحت السطح,وشخصيات لا يتعب مبدعها نفسه فى الوصف المسهب,بل يتركها تتكلم وتتصرف فترسم نفسها وتتفتح للقارئ , بضربات سريعة من فرشاة خيال الكاتب والقارئ معا. الكتاب: عشرة طاولة النوع: رواية المؤلف: محمد الشاذلى الناشر: الدار المصرية اللبنانية عدد الصفحات: 149