حسين البدرى قلم جديد يكتب الشعر والرواية الثائرة التى تحمل مذاق ورائحة يناير، غضب الميدان، ودم الشهداء وروح الثورة، المنتصرة، المنكسرة المنتظرة كل هذا ساكن فى رواية قصيرة بعنوان «رهانات خاسرة»، وديوان شعر منثور هو »صلوات سبع إلى روح صديقى الميت«. الديوان استحضار لوجود الشهيد «مينا دانيال» الذى صعد فى مأساة ماسبيرو الحزينة (9 اكتوبر 2011) عنه يقول حسين البدرى كلمات تستدعى كل ذاكرة الثورة الحاضرة معنا إلى الأبد، يقول: صديقى لايموت. باق فى رائحة الفجر ولون الغسق، فى نضالات الفقراء وأغانى المتعبين، فى بريق عيون العشاق، فى صخب تلاميذ الصباح، وصياح الدراويش فى الحضرة فى فرح فقير ونزق مناضل فى سفور الحقيقة وأنين الوطن باقى على كرسى متهالك استلقى عليه يوما فى مقهى متواضع فى قلب عاصمة يتمنا. باق كروح عظيمة ممددة بحجم وجوده داخل صدري. «لا موت هناك.. فقط تبديل العوالم» فعل الثورة وروحها والأمواج العاتية التى مرت بها من يناير وحتى الآن كتبت هذه الصفحات بقلم حسين البدرى التى يبدو أنه عاشها بكل كيانه وجعلته ايضا يقول: الثورة فى الكتب حكاية ناقصة، هناك طرف أساسى لن يروى ما حدث.. الشهيد. وفى آخر الديوان الصغير الذى أخرج بشكل طيب (دار أوراق فى 110 صفحات 2014) يقول فى النهاية: لا وجع أكثر من تبرير معذب لدوافع جلاديه نزول رفاق من قطار الثورة لا يعنى نهايتها بل نهايتهم هم بغض الطرف عن أى خاتمة سيسكن صدرى نورك إلى الأبد.
حسين البدرى من مواليد 1984 ويعيش بين سوهاج ومرسى مطروح له رواية بعنوان أحزان المدينة صدرت فى غمار يناير 2011 ولم اتعرف عليها اما رهانات خاسرة فهى رواية قصيرة تؤكد اننا امام كاتب يشق طريقا خاصا لنفسه، يجمع فى اصالة بين الشعر والرواية فى السرد والبناء، بل وفى تركيب العمل وصناعة خامة العمل والحبكة. فى حوالى مائة صفحة وفى أيقاع منضبط لاهث يقدم لنا مدينة مطروح الساحلية الجميلة، التى زاد من بعدها وعزلتها عنا غابات المنتجعات التى صنعت مستعمرات الساحل الشمالى ذات الطابع المصطنع والمكياج الزاعق وأخفت أجمل البحار خلف سدود من الاسمنت الملون صانعة جريمة انفتاحية لا تغتفر من خلال ثلاثة أصدقاء شباب يشقون حياتهم فى مدينة ساحلية حنونة تمنح الغرباء شاليهات على البحر وتمنح أبناءها البحر ذاته ليشربوا منه، من خلال الثلاثة شبان محاولاتهم ومصائرهم يصنع صورة حزينة موجعة للارتباك الاجتماعى الذى أحدثه دخول التطرف الدينى الذى يسميه «دين محمد بن عبد الوهاب» على المجتمع الراكد أصلا، أنه مجتمع طارد لكل من لا يحصل على صك الغفران من الواعظ الذى يستشدى نفوذه ويتنوع شكل تأثيره الظاهرى المجتمع الذى يخفى سوءاته وشذوذ أفراد منه وانحرافه تحت مظهر اللحية والجلباب القصير وكل ما عانينا منه من التدين البلاستيكى المستورد من الخليج او حتى الصين. ثلاثة شباب: منصور وعلى وعبد الكريم صداقة عمر يحطمها الاغتراب وانعدام الفرص الحقيقية للعمل مكتب المحاماة لا يعمل وتجارب الحب تصل إلى نهايات مرة. منصور ينقذ نفسه باللجوء إلى مزرعة تين يملكها والده، هناك يحاول التعايش مع اغترابه ويمارس هوايته فى الرسم ويقع عشق الصحراء. «الصحراء لاتكذب تفصح عن قسوتها لعابرى السبيل ولا تغدق طيفها الإلهى إلا لمن اختبرته جيدا كما فعلت معي، هى لاتجيد التلون الرمل اكثر براءة من قلب طفل «امرأة حياتى هى الصحراء» «امرأة جامحة هى الصحراء». بينما يعيش هو اغترابه وعشقه للصحراء فى مزرعة التين التى تدر دخلا معقولا لكنها تثير اعتراضات الوالد والاهل على الجامعى الذى فقد الطموح واثر لعزله مع الصحراء وهواية الرسم. تأخذ الامواج العالية الصديقين واحد إلى العمل مع منظمات دولية لإزالة الألغام والاخر يقع فى اسر التهريب عبر السلوم الذى ينتهى به طبعا إلى تجارة المخدرات، ويتصاعد بناء الرواية القصيرة المحكمة ليضع لنا مأساة كاملة لثلاثة أحلام مهدورة ورهانات خاسرة ويقرأ منصور كلمات خطها له صديقه قبل ان يرحل لكى يلقى مصيره طوبى لمن مات على العهد، امام بحر مطروح الجميل وقف منصور يتأهب لعتاب طويل ومؤجل مع البحر. «ما أجمل أن تعانق موج المتوسط تحت هدير المطر فى نوة الكرم». لمزيد من مقالات علاء الديب