شهدت إسرائيل مؤخرا مايمكن وصفه بأنه أكبر تصرف يعبر عن صحوة ضمير تعرفه إسرائيل منذ سنوات طويلة، فقد أعلن 40 من جنود الاحتياط والمحاربين القدماء وأفراد من وحدة فى المخابرات، أنهم يرفضون الخدمة العسكرية، حتى لا يكونوا أدوات فيما تفعله الحكومة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين فى الأراضى المحتلة. وأعلن هؤلاء فى بيان لهم “أننا نرفض المشاركة فى الإجراءات التى تتخذ ضد الفلسطينيين، ونرفض الاستمرار فى الخدمة العسكرية كأدوات مشاركة فى السيطرة العسكرية الإسرائيلية على الأراضى المحتلة”، بالإضافة إلى ذلك فإن وحدة من جنود الاحتياط والتى تسمى “الوحدة 8200”، ولايزال كثير من أفرادها فى الخدمة، كتبت خطابا إلى الجنرال بينى جانتز، رئيس أركان الجيش الإسرائيلى، وتم نشره فى الصحف الإسرائيلية أخيرا، قالوا فيه، “لا توجد أى تفرقة بين الفلسطينى الذى يتورط فى أعمال عنف أو الذى لا يمارس أى عنف، وأن المعلومات التى تجمعها المخابرات إلى السلطات الإسرائيلية تضر بأشخاص أبرياء، وتستخدم لأهداف سياسية، ولإيجاد انقسامات داخل المجتمع الفلسطينى، وذلك بتجنيد عملاء مما يوجد حالة من العداء بين الفلسطينيين أنفسهم”، وتلجأ السلطات إلى هذه الطريقة عندما تجمع معلومات عن أشخاص تهددهم بإعلانها، مما يؤثر على حياتهم الشخصية والعامة، أو ترغم من لديها معلومات عنهم بأن يعملوا كعملاء للمخابرات الإسرائيلية ضد أبناء وطنهم، وقالوا أيضا فى خطابهم إن وحدتهم سوف تتابع التفاصيل الخاصة بمثل هذه العمليات، والتى تقوم بابتزاز أفراد فلسطينيين . هذه الخطوة مثلت مفاجأة للحكومة الإسرائيلية التى تتعود على أن تواجه حالة من التمرد داخل الجيش، فالجيش بالنسبة للدولة الإسرائيلية هو جدار الأمن المتماسك، والذى كانت تطمئن إلى تأييده لكل السياسات الإسرائيلية مهما تكن، حتى ولو وصلت إلى القتل والتدمير وانتهاكات حقوق الإنسان، لكن هذا الموقف من جانب عسكريين إسرائيليين، والذى وصف بأنه “صحوة ضمير”، يعتبر شيئا غير مألوف فى إسرائيل، ويعبر عن شعور البعض بمدى القسوة التى تستخدمها الحكومة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، برغم ادعائها بأنها تستهدف من يرتكبون أعمال عنف، إلا أنها لا تميز بين الفلسطينيين وبعضهم، وتستهدف الجميع بالقتل والتدمير، بما فى ذلك الأبرياء، وهو ما اعترف به العسكريون الإسرائيليون. وكعادة الدولة الإسرائيلية فى إنكار الحقائق، فإن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى قال ردا على هذا الخطاب، أنه لا توجد أى حالات محددة عن انتهاكات ارتكبها الجيش الإسرائيلى، بالرغم من أن هذه الانتهاكات ظهرت على شاشات التليفزيون فى العالم، خاصة فى حرب غزة الأخيرة. وتقول صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، إن بعض من وقعوا على هذا الخطاب صرحوا للصحيفة بأنهم اتخذوا هذا الموقف بعد أن أنهوا خدمتهم العسكرية، وقرروا رفض المشاركة فى أى أعمال للجيش الإسرائيلى بعد ذلك. وقالوا إنهم مصممون على اتخاذ هذه الخطوة، حتى ولو كانت مخالفة للنظام العسكرى فى إسرائيل. وقال أحد الموقعين أيضا، الذى وصفته الصحيفة بأنه رائد فى الجيش الإسرائيلى، خدم فى هذه الوحدة منذ عام 2001 وحتى عام 2006، إن التصرفات التى تتخذ بناء على المعلومات التى تجمعها المخابرات بشأن أشخاص مدنيين، هى أشياء لا يمكن أن نشارك فيها. ونقلت الصحيفة أيضا عن ضابط أخر برتبة نقيب، كان قد خدم فى الجيش الإسرائيلى منذ عام 2003 وحتى عام 2011، أن تفكيره فى رفض الخدمة العسكرية كان متأثرا بتجربة تعرض لها والده، الذى هاجر من الأرجنتين إلى إسرائيل، وكانت الحكومة الديكتاتورية العسكرية فى الأرجنتين قد سجنته دون محاكمة فى عام 1977، وقال إننى أقارن بين الحالتين، والتى يتعرض فيها مدنيون إلى انتهاكات دون أى ذنب ودون أى حماية لهم. إن الجيش الإسرائيلى يعتبر أهم مؤسسة فى الدولة، بل إن البعض يعتبره أنه هو أصلا الدولة الإسرائيلية، ولهذا جاءت هذه المواقف من عسكريين، بعضهم لا يزال فى الخدمة، بفضح ممارسات إسرائيل فى الأراضى المحتلة، ورفض أداء الخدمة العسكرية تطورا خطيرا بالنسبة لدولة إسرائيل.