هذا على مايبدو أضخم كتاب يصدر في مواجهة التطبيع مع إسرائيل. والكتاب صدر حديثا في ثلاثة مجلدات تحت عنوان «التطبيع والمطبعون: العلاقات المصرية الإسرائيلية: موسوعة شاملة « ويتجاوز عدد صفحاتها الألفي صفحة، ولذا فإن كتبا رائدة من قبيل أعمال الباحث المخضرم محسن عوض «مصر وإسرائيل خمس سنوات من التطبيع» الصادر في القاهرة منتصف الثمانينيات و» مقاومة التطبيع : ثلاثون عاما من المواجهة» المطبوع عام 2007 في بيروت تتواضع في طموحها الى جانب هذه الموسوعة. هذا رغم جدية هذه الكتب الرائدة وما تتضمنه من معالجات جادة رصينة. تاريخ المقاطعة العربية لإسرائيل بدأ قبل قيام الدولة في مايو 1948. وقبل هذا بنحو ثلاث سنوات دعا مجلس جامعة الدول العربية الى مقاطعة بضائع المستوطنات اليهودية على أرض فلسطين زمن الانتداب البريطاني . وسرعان ماتحولت المقاطعة الى سياسة رسمية وشعبية وأصبح لها مكتب يحمل اسمها يتبع الجامعة . لكن مصطلح التطبيع لم يظهر بقوة إلا مع زيارة الرئيس الأسبق «أنور السادات» الى إسرائيل في 19 نوفمبر 1977.. وإن كان هناك من الباحثين والمراقبين من يرى ان المصطلح غير دقيق . إذ لم تكن هناك علاقات بين الدول العربية وإسرائيل كي نستخدم لفظة تفيد إعادتها الى طبيعتها . وعلى أي حال فإن التطبيع مصطلح راج في الأدبيات السياسية مع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية مارس 1979 ، ثم أخذ دفعة أقوى الى الأمام بتوقيع منظمة التحرير الفلسطينية وتل ابيب اتفاقات أوسلو في سبتمبر 1993. وموسوعة التطبيع والمطبعون، التي أعدها ووثقها الدكتور «رفعت سيد أحمد « ونشرها مركزه البحثي من القاهرة ( مركز يافا للدراسات والأبحاث) تركز بالأساس على التطبيع ومقاومته في مصر على مدى نحو 32 عاما من 1979 الى 2011. وقد شارك في هذا العمل عشرة باحثين بالاضافة الى الدكتور «سيد أحمد «. وتوزعت الموسوعة على ستة أبواب تشمل التطبيع السياسي و الاقتصادي والإعلامي والثقافي والإجتماعي والديني . فضلا عن باب سابع ختامي بعنوان «التطبيع بعد ثورة 25 يناير 2011». وهناك أيضا ملحق وثائقي يتضمن أوراقا مهمة لا غني عنها في فهم هذه القضية . ولا يعتمد الكتاب كماهو شائع مع الموسوعات وضع كلمات بمثابة مداخل مفتاحية يسهل على القارئ مراجعتها، بل هو تجميع لمقالات حول الفصول الموضوعات، والتي تنتظم بدورها تحت الأبواب السبعة . كما يلفت النظر الاستعانة على نطاق واسع بالصحافة الإسرائيلية كمصدر لمعلومات هذه الموسوعة . وتتضمن المجلدات الثلاثة عناوين فصول مثيرة لفضول القارئ من قبيل: « المركز الأكاديمي الإسرائيلي بالقاهرة « و«التطبيع الثقافي في مجال الفن « و « التطبيع الرياضي « و»محاولات التطبيع الديني «و و « التطبيع الاجتماعي بين عمل المصريين في إسرائيل والزواج من إسرائيليات «، وكذا «التجسس في زمن السلام والتطبيع». ويأتي الفصل الختامي (بمثابة السابع) ليشير الى أن التطبيع قد تأثر سلبا بثورة 25 يناير لكنه لم ينته تماما. ويكشف عن إغلاق السفارة الإسرائيلية بالقاهرة طوال أيام الثورة الثمانية عشر ،وأنه لم يجر اعادة فتحها إلا في اعقاب تنحي مبارك يوم 11 فبراير 2011. واستنادا الى المراجع والصحف الإسرائيلية وثقت الموسوعة أول زيارة لمسئول إسرائيلي الى القاهرة بعد الثورة مع قدوم الجنرال «عاموس جلعاد» رئيس الهيئة الامنية والسياسية بوزراة الدفاع في 9 مارس 2011. وتؤكد الموسوعة على ان التطبيع الشعبي والفردي انخفض الى أقل مستوياته بعد الثورة وحتى عام 2014. وترى الموسوعة ان الثورة حملت معها ارتفاعا في الحس الوطني لدي عموم المصريين، مما أدى الى تواري رموز التطبيع ومرتكبيه بين النخبة . لكن الموسوعة نبهت بالمقابل الى استمرار التطبيع الاقتصادي، وبخاصة بين مصانع اتفاقية « الكويز»، وأكدت ان التطبيع الصناعي لم يتوقف بعد الثورة إلا لأسابيع قليلة ولأسباب تتعلق بالأوضاع الأمنية . كما لاحظت ان نسبة الصادرات الإسرائيلية الى مصر قد انخفضت في النصف الأول من عام 2011 بنسبة 32 في المائة . لكن الموسوعة تشير الى عدم توافر احصاءات عن الصادرات المصرية الى اسرائيل في تلك الفترة . وفي الملاحق الخاصة بالوثائق ثمة أوراق لا غني عنها للباحث السياسي المهتم بقضية التطبيع ومقاومته في مصر . فهناك نص البيان التأسيسي للحركة الشعبية لمقاومة الصهيونية ومقاطعة إسرائيل.. لكن الموسوعة لا تشير الى تاريخ البيان أو تأسيس الحركة، كما تخلو الموسوعة من اهتمام ملحوظ بلجنة الدفاع عن الثقافة الوطنية التي تأسست في نهاية عقد السبعينيات وترأستها الراحلة الدكتورة «لطيفة الزيات».. وكانت هذه اللجنة من العلامات الرائدة علي طريق مقاومة التطبيع بين المثقفين المصريين . كما تتضمن الملاحق للموسوعة صورة ضوئية لجدول أعمال أحد مؤتمرات شباب الحزب الوطني الحاكم في عهد الرئيس المخلوع «حسني مبارك» مع نظرائهم الإسرائيليين، وتحديدا في عام 1999 . كذا صور ضوئية لقرارات نقابة الصحفيين المصريين بمقاطعة إسرائيل وحظر التطبيع مع الإسرائيليين،- وأيضا صورة ضوئية من البيان التأسيسي لجمعية القاهرة للسلام وأسماء مؤسسيها . ويوفر هذا الكتاب- وفير الصفحات الصادر في ثلاثة مجلدات- مادة خصبة لمزيد من الدراسات المعمقة حول التطبيع ومقاومته في مصر .. هذا مع انه لم يلتزم بالتبويب وفق مداخل الكلمات المفتاحية . الكتاب: التطبيع والمطبعون : موسوعة شاملة في ثلاثة اجزاء. المؤلف : الدكتور رفعت سيد أحمد وآخرون. الناشر : مركز يافا للدراسات والأبحاث بالقاهرة . عدد الصفحات : 2138 صفحة.