تهفو القلوب، وتطوق النفوس إلى بيت الله الحرام شوقًا إلى كعبة الرحمن ومحبة لتعظيم شعائر الله عز وجل، ورغبة في تأدية فريضة هي ركن من أركان الإسلام الخمسة، إلا أن البعض قد حالت الظروف بينهم وبين تلك الرحلة الغراء، كالمرض أو عدم الاستطاعة أو ظروف اجتماعية، أو عدم الحصول على وسيلة من الوسائل التي تعينهم على الحج، فهل لهؤلاء الذين طاقت أنفسهم واشتاقت قلوبهم لزيارة الحرمين من أعمال يقومون بها تجعلهم في مصافّ حجاج بيت الله الحرام وينالون أجرهم وثوابهم؟! روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: "جاء الفقراء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: ذهب أهل الدّثور من الأموال بالدّرجات العلا والنّعيم المقيم، يصلّون كما نصلّي ويصومون كما نصوم ولهم فضل من أموال يحجّون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدّقون، قال: ألا أحدّثكم إن أخذتم أدركتم من سبقكم ولم يدرككم أحد بعدكم وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلّا من عمل مثله، تسبّحون وتحمدون وتكبّرون خلف كلّ صلاة ثلاثًا وثلاثين، فاختلفنا بيننا فقال بعضنا نسبّح ثلاثًا وثلاثين ونحمد ثلاثًا وثلاثين ونكبّر أربعًا وثلاثين فرجعت إليه فقال تقول سبحان اللّه والحمد للّه واللّه أكبر حتّى يكون منهنّ كلّهنّ ثلاثًا وثلاثين". لقد أخبر النبي الكريم الفقراء من أصحابه أنهم بهذا الذكر اليسير يحرزون الدرجات العلا والأجر الكبير كما وقال أيضا: "ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى يا رسول الله قال: ذكر الله". رواه الترمذي وابن ماجه بسند صحيح. ولما كان الحج من أفضل الأعمال والنفوس تتوق إليه لما جعل الله في القلوب من الحنين إلى بيت الله الحرام الذي جعله الله مثابة للناس وأمنًا تهفو النفوس وتشتاق القلوب ويعاودها الحنين إليه ، ولما كان كثير من الناس يعجز عنه ولاسيما في كل عام، فقد شرع الله لعباده أعمالا يسيرة يبلغ أجرها أجر الحج فيعتاض بذلك العاجزون عن التطوع بالحج والعمرة. 1- فمن صلى الصبح في جماعة ثم جلس في مصلاه يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كان له مثل أجر حجة وعمره تامة تامة تامة. رواه الترمذي. 2- ومن بكّر إلى الجمعة فراح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة. 3- ولقد ورد في الفضل ما هو أعظم من ذلك فمن تطهر في بيته ثم خرج إلى المسجد لأداء الصلاة في جماعة؛ فقد نال مثل أجر الحاج، وقد ورد في الحديث: "من تطهر في بيته ثم خرج إلى المسجد لأداء صلاة مكتوبة فأجره مثل أجر الحاج المحرِم، ومن خرج لصلاة الضحى كان له مثل أجر المعتمر". رواه أبو داود. 4- وصوم يوم عرفة يكفر سنتين سنة ماضية وسنة باقية كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومع كل هذا الفضل الذي ذكره النبي الكريم ليربت به على قلوب الفقراء فتطيب به، فإن منهج المتسابقين إلى الخيرات والمسارعين إلى القربات يملأ قلوب المؤمنين شوقاً وحسرةً وألماً وحزناً على كل خير فاتهم ويغبطون ويحسدون من سبقهم إليه. والمسلم يحصل على ثواب الحج وهو في مكانه كأن يكون على نية دائمة إذا استطاع الحج فإنه سيحج، كما يكون عنده شوق لرؤية الكعبة وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وجميع المشاهد والمناسك، ويعيش بقلبه مع الحجاج، ويتخلق بأخلاق الحج فلا يفسق ولا يلغو ولا يجادل في موسم الحج، وأن ينوي الأضحية إذا كان قادرًا وإذا نوى أن يضحي فلا يقلم أظافره ولا يحلق شعره حتى يذبح الأضحية وأن يكون على خُلُق كأنه في البيت الحرام وبهذا يمكن للإنسان أن يحصل على أجر الحج وهو في بيته. لمزيد من مقالات د . جمال عبد الناصر