كان هيكل قال لى فى سياق حكايته عن زيارة عبد الناصر الوحيدة لمؤسسة الأهرام والتى تمت يوم الثانى من نوفمبر 1969 بناء على طلب عبد الناصر من هيكل وكان آخر نوفمبر يمر على عبد الناصر وهو من أهل الدنيا قال هيكل: إن عبد الناصر كان عنده غرام بالصحافة، وعندما دخل مكتبى جلس على المكتب وقال إن هذا هو العمل الوحيد الذى كنت أرغب فى القيام به. سألته هل فكَّر عبد الناصر فى كتابة مذكراته ما دام يحب الصحافة كل هذا الحب؟ أكد لي: مذكراته لا. لم تخطر له كتابتها. ترك لى القيام بهذه المهمة نيابة عنه، قال لى أكثر من مرة: أنت الوحيد الذى ستكتب حكايتنا وما قمنا به. لأن من كان مثلى فإن عمره فى الدنيا قصير. لكنه كان يريد متابعة الشئون الجارية، وعندما كان يتصل بى صباحاً ولا يجدنى وصلت المكتب، يكلم نوال المحلاوى ويسألها عن الأخبار. القسم الخارجى فى الأهرام فى الساعة السابعة صباحاً يكون قد أحضر لمكتبى قائمة بأهم الأخبار التى حصلت من ساعة تركى الأهرام، إذا لم تكن قد وقعت من الأمور ما تقتضى إيقاظى من النوم. أذهب فى الصباح لأجد على مكتبى أهم الأحداث التى وقعت فى الوقت الذى غبت فيه عن الأهرام. - متى كان عبد الناصر يتصل صباحاً عادة؟! هيكل: كان يتصل من الثامنة إلى الثامنة والربع صباحاً. وأحياناً لا أكون موجوداً. نوال المحلاوى ترد على التليفون الخاص الموصل بيننا. يقول لها عبد الناصر: - نوال. قوليلى إيه قائمة الأخبار التى أعددتها للأستاذ هيكل، كان يقول عنى الأستاذ عند كلامه مع مديرة مكتبي؛ لأن تلك فى شعوره هى الأصول. فتقرأ له القائمة المعدة لى كلها. إيضاح من الكاتب: حاولت أكثر من مرة مع السيدة نوال المحلاوى لكى تحدثنى عن التجربة. وكان رفضها قاطعاً. رفضت دون الدخول فى تفاصيل الموضوع. سألتها: هل معنى هذا أنها لم تكتب مذكراتها؟ قالت لي: ولا هذا. وصمتها وامتناعها عن كتابة المذكرات خسارة كبيرة لأنها عاصرت المرحلة من مكتب سكرتارية هيكل. وكان لديها الكثير لتقوله أو لتكتبه. سألت هيكل: هل كان موقف عبد الناصر حالة فضول أم رغبة فى المعرفة؟!.. هيكل: لا.. لا، أولاً. كان يشعر بأننا فى الأهرام أكثر تنظيماً من مكتبه فى الرئاسة، كان يعتبر أن عندنا نظاماً للعمل يطمئن إليه. ثانياً: أنه كان عندنا فى الأهرام وسائل اتصال بالعالم أكثر من مكتبه. ثالثاً: كان يريد أن يسمع ويعرف أخباراً، وما كان يسمعه فى الراديو لم يكن يكفيه، وكان يجلس ليقرأ ما جاء من وكالات الأنباء، ومكتبه لا يكون قد عمل فى ذلك الوقت. وأجهزة الدولة الأخري؟! هيكل: طبعاً عبد الناصر لم يكن يتصل بأحد فى المخابرات أو الداخلية أو الإعلام لمعرفة الأخبار، هؤلاء كان لديهم معلومات أخرى تقدم إليه بالطريقة الرسمية وبحكم وظيفة الدولة. لم يكن يفعل هذا، وكان أسهل شيء بالنسبة إليه أن يتصل بي، وإن لم يجدنى فى المكتب لا أحد يستطيع الرد على تليفون الرئيس فى حالة غيابى سوى نوال المحلاوى يرحمها الله رحمة واسعة ترد عليه، ولأنه كان متابعاً لتفاصيل العمل فى مكتبى حتى التفاصيل الصغيرة. كان يقول لها: نوال اقرئى لى أيه أخباركم، وهكذا يعرف تفاصيل ما جرى وما يجرى بالضبط وبالتحديد. عبد الناصر فى الأهرام. من كان فى انتظاره لحظة وصوله؟ هيكل: أنا كنت فى انتظاره تحت أمام باب الأهرام، وعندما وصل دخلنا من باب الأهرام، وطلعنا إلى مكتبى أولاً، وشرحت له تفاصيل ووقائع الزيارة، ذلك أن ما كان يهمنى فى الزيارة رغبتى فى أن يرى الأهرام فى حالة عمل، ومعنى هذا أن تكون كل الناس فى الأهرام فى مواقعها. ألم يكن هناك من تفرغ لتغطية الزيارة من مطبوعات الأهرام الأخري، فالأهرام ومطبوعاته المختلفة من قبل ومن بعد مؤسسة صحفية، وشرعيتكم آتية من كونكم صحفيين أساساً؟! هيكل: الوحيدان اللذان كانا متفرغين لتغطية الزيارة صحفياً. كانا أحمد بهجت محرراً وكاتباً ومحمد يوسف مصوراً. لحسن دياب صور عن الزيارة! هيكل: كان حسن دياب المصور الخاص للرئيس. والتليفزيون. ألم يكن موجوداً؟ هيكل: قامت الإدارات المختصة فى الأهرام بتصوير المناسبة، وكل من طلب صوراً قدمناها له؛ لأننا لم ندع أحداً من خارج الأهرام لحضور الزيارة. كنت حريصاً على أن يرى الرئيس عبد الناصر الأهرام وهو يعمل، أى فى حالة عمل، تماماً كما كان يتصوره قبل أن يحضر إليه. لم يكن فى الأمر أى استعراض، ولكن عملية تحقيق لصورة الأهرام الذهنية عند الرئيس، وبالتالى كل الناس كانت فى أماكنها. لم يكن هناك عامل يتحرك فى مكانه، كل واحد فى مكان عمله لأنه يؤدى هذا العمل. كأن الأهرام لا يوجد به الرئيس فى ذلك اليوم، وينصرف عن عمله فى حالة واحدة فقط، إن خاطبه الرئيس بصورة مباشرة. كنا نسير هكذا، كان هو يمشى ومعه أنور السادات وكنت معهما والزميلان المصوران محمد يوسف وحسن دياب فى الأمام، ومعنا أحمد بهجت الذى كلفته قبل الزيارة أن يقوم بكتابة ريبورت عن وقائع الزيارة وما جرى فيها، وأعتقد أن محمد أحمد كان يمشى خلفنا. كان عبد الناصر مهتماً بالسؤال والمعرفة المباشرة التى يحصل عليها بنفسه من الآخرين. أعتقد أنه قضى وقتاً جيداً وجميلاً فى الأهرام. ولقاءات هذا اليوم الفريد مع من؟ وكيف تمت؟ وماذا قال الرئيس؟ وماذا قال الذين التقى بهم؟! هيكل: كان له أكثر من لقاء فى الأهرام. التقى مع هيئة تحرير الأهرام، ومع الباحثين والمحررين والكتاب فى مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، ومع المسئولين عن نقابة العاملين فى الأهرام وأعضاء نقابة الصحفيين بالأهرام أو ربما البعض منهم، ووحدة الاتحاد الاشتراكى العربى بالأهرام. لمزيد من مقالات يوسف القعيد