أحاط المشرع العقوبات الجنائية بضمانات متعددة للتأكد من سلامة العقوبة عند تنفيذها، خاصة العقوبات القصوى وأخطرها عقوبة الإعدام ، فقد ضمنها المشرع إجراءات عدة قبل تنفيذها أو حتى النطق بها ، ومنها رأى المفتى فى توقيع العقوبة رغم إنه استشارى أى يحق للمحكمة الأخذ به أو إغفاله ، ورغم ذلك فقد قررت إحدى دوائر محكمة جنايات القاهرة إحالة أوراق مرشد الإخوان محمد بديع وبعض قيادات الجماعة إلى المفتى مرتين لاستطلاع رأيه الشرعى ، فى قضية ما يسمى بأحداث مسجد الاستقامة ، وهو إجراء نادر الحدوث فى منصة القضاء ، وبعدها قضت المحكمة بالمؤبد للمتهمين ، ولكن ما هى دوافع وأسباب الإحالة للمفتى مرتين علما بأن رأيه استشارى فقط . المستشار جمال القيسونى رئيس محكمة جنايات القاهرة أكد أنه انطلاقا من مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص حدد المشرع المصرى فى المادة – 9- من قانون العقوبات أنواع الجرائم بثلاثة أنواع وهى الجنايات والجنح والمخالفات ، ومعيار التفرقة بين هذه الأنواع هى عقوبة كل جريمة على حدة ، إلا ان المشرع أحاط عقوبة الإعدام بضوابط معينة يجب على محكمة الجنايات الالتزام بها قبل صدور الحكم ، فضلا عن ضوابط أخرى يجب على النيابة العامة أن تلتزم بها بعد أن يصبح الحكم واجب النفاذ، ومنها أذا ارتأت محكمة الجنايات توقيع عقوبة الإعدام على المتهم يجب عليها عملا بالمادة – 381- من قانون الإجراءات الجنائية أخذ رأى المفتى من الناحية الشرعية وأىا كانت ديانة المتهم قبل أن تصدر حكمها بالإعدام ، ويمكن أن ترسل له أوراق القضية بالكامل لاستطلاع رأيه ، فاذا لم يصل رأيه الى المحكمة خلال العشرة أيام التالية لأرسال الأوراق اليه، حكمت المحكمة فى الدعوى وفى حال خلو وظيفة المفتى أو غيابه أو قيام مانع لديه يندب وزير العدل بقرار منه ، من يقوم بوظيفة المفتى ، علما أن المحكمة غير مقيدة برأى المفتى، ويشير المستشار القيسونى إلى أنه أذا فات الموعد المحدد دون أن يصل رأى المفتى أو لم يبد رأيه ، كان حكم المحكمة بالإعدام سليما ، أى لا مطعن عليه بل فالمحكمة غير مطالبه بأن تبين رأيه فى الحكم أو تفنيده ، كما يجب أن تستطلع المحكمة رأى المفتى ولو كانت القضية قد تضمنت موافقته قبل الطعن على الحكم بطريق النقض، واذا إعيدت الدعوى الى محكمة الجنايات لإعادة المحاكمة ، وجب الحصول على رأى المفتى أذا أصدرت حكمها بالإعدام للمرة الثانية الإحالة للمفتى مرتين ويوضح المستشار القيسونى أنه فى بعض الحالات – وهى نادرة الحدوث – عندما تصل مذكرة المفتى الى محكمة الجنايات قد يتبين للمحكمة أن المفتى لم يبد رأيه الشرعى بشأن أحد المتهمين ، الوارد أسمه فى قرار الإحالة ، والمطلوب أخذ الرأى الشرعى بشأن هذا المتهم ، أو أن المحكمة ارتأت استيضاح رأى المفتى مرة أخرى فى بعض النقاط الشرعية الواردة فى مذكرته ، وهنا من حق محكمة الجنايات أن تعيد أوراق القضية الى المفتى لاستطلاع رأيه فيما ارتأت مع تحديد جلسة النطق بالحكم ، ويضيف رئيس محكمة جنايات القاهرة أذا انتهت المحكمة الى توقيع عقوبة الإعدام على المتهم يجب أن يكون الحكم بإجماع أعضاء هيئة المحكمة وليس بالأغلبية ، وذلك ضمانا لعدم الحكم بهذه العقوبة الخطيرة إلا بعد التأكد من جدية مبرراتها ، وهو اعتبار يمس حسن سير العدالة ويتعلق باساس الحكم بهذه العقوبة ويتعين اثبات هذا الإجماع عند النطق بالحكم ، فلا يكفى الإشارة الى أجماع الآراء عند تسبيب الحكم ، ولايكفى أن تتضمن أسباب الحكم ما يفيد توافر الإجماع مادام لم يثبت بورقة النطق بالحكم أن تلك الأسباب قد تليت علنا بجلسة النطق بالحكم . فضلا عن الضوابط التى تلتزم بها النيابة العامة قبل تنفيذ حكم الإعدام ، فقد نصت المادة – رقم 470 – من قانون الإجراءات الجنائية عندما يصبح الحكم بالإعدام نهائيا واجب النفاذ ، بمعنى أنه استنفد طرق الطعن فيه ، واصبح واجب التنفيذ على المحكوم عليه ، يجب على النيابة العامة أن ترفع أوراق الدعوى فورا الى رئيس الجمهورية بواسطة وزير العدل، ولرئيس الجمهورية فى هذه الحالة أحدى سلطات ثلاث، وهى التصديق على الحكم لتنفيذه، أو إبدال العقوبة بعقوبة أقل، وربما العفو الشامل عن المتهم.