نصف الهمجية هى جهل,والباقى ما تبقى! وفى البلاد العظيمة الماضى والحضارة يسود الجهل ويتفشى حتى يتساوى أحفاد المتحضريون بهمج الصحارى والفيافى والبلاد التى لا حضارة لها ولا تاريخ.ومن هذا الجهل تنشأ بؤر وسلوكيات وعصابات وتنظيمات ترى السلب والنهب والدمار والضياع والقتل والإرهاب طريقة حياة تهدد بها كل منجز تركه التاريخ كعلامة وأثر وحضارة موروثة فى المكان.وفيما تحافظ متاحف اوروبا والعالم على أقل التفاصيل الأثرية بأكبر عناية ممكنة,نجد مدن الشرق القديم تتهدم وتنسف آثارها وتسرق وتباع علنا فى السوق السوداء.حدث ذلك فى العراق واليمن وسوريا ولبنان ومصر وليبيا وتونس والسودان، ولايزال يحدث.لم نسمع عن نهب آثار اليونان وروما وتركيا وفرنسا وبريطانيا واليابانوالصينوالهند,لكن آثارنا العظيمة المنهوبة إلى متاحف العالم وأسواقه,والمهملة والمتهدمة والمفجرة نراها رأى العين ونمر عليها وكأنها أطلال عادية لا قيمة لها.ولا يقتصر ذلك على آثار الحضارات القديمة,بل الآثار المسيحية والإسلامية على السواء. إن اكبر أزمة تعيشها الأجيال الجديدة من العرب والمسلمين هى جهلهم بميراثهم الحضارى وماضى الأمم التى انحدروا منها.ولننظر إلى أفغانستان نموذجا,تلك التى حوت الآثار الهندوسية والبوذية والفارسية وكانت كهوفها معابد عريقة لنتذكر تفجير تماثيل بوذا الأقدم فى العالم فيها وذلك النموذج الهمجى الذى يتعامل مع الدين الإسلامى بعقلية منغلقة وجاهلة وقتالية أودت بها إلى أن تصبح مقرا لطالبان والقاعدة وللحروب الأمريكية والتدمير المستمر الذى أودى بحياة شعبها وقضى على مستقبل الكثير من أطفالها.وكذلك الباكستان التى تحوى آثارا عظيمة من الحضارة الهندوسية والإسلامية ومع ذلك لا نرى سوى البؤس والفقر والإرهاب والحروب تجوب أراضيها.ولنقارن ذلك بالهند التى توصف بأنها أقدم حضارة حية حتى اليوم حيث تتواصل الأزمنة فيها منذ الآف السنين وتتجاوز فيها وتتعدد الأديان والمعتقدات وترى أقدم العادات والعلوم واللغات بما فيها السانسكريتية لاتزال حية إلى جانب الأردية والهندية والإنجليزية والبنغالية ولغات التاميل وغيرهما.الهند التى تقدس آلهتها القديمة والبقر والكائنات وترحب بكل آلهة جديدة تفد إليها.وتتقدم فى العلوم والتكنولوجيا والفضاء والسياسة والإقتصاد والفنون والآداب وتواجه أزماتها المهولة الداخلية وكوارثها وهى ماضية بتصميم وإصرار وعزم نحو المستقبل أيضا. وهذا هو حال الصين ,أيضا,التى تكاد تكون أكبر قوة إقتصادية على الكرة الأرضية اليوم.حافظت على حضارتها ولغاتها وآدابها وتراثها وطعامها وآثارها وعلومها وطورتها وهى تمضى إلى المستقبل,أيضا. وحتى اليابان ,رغم كل ما مر بها من حروب وتدمير خلال الحرب العالمية الثانية إلا أنها نهضت وتكاد تكون الأولى فى علوم التكنولوجيا وتصنيعها ومع ذلك فإنها تحافظ بشدة على لغتها ومعابدها وفنونها وهى فى ذروة الحداثة المعاشة التى تتصدرها وتصدرها فى العالم. نحن ورثة الحضارة والتاريخ العريق والمدن المفتوحة كمتاحف حية لتجاور الأزمنة والحقبات التاريخية لا نعانى فقط من ضياع الحاضر والمستقبل والتخلف الفكرى والزمنى والإقتصادى والسياسى والثقافى والجهل بالحاضر بل بالماضى أيضا.إن تلك العقول والأيادى التى فجرت آثار حلب وبابل والموصل وغيرها لم تفعل ذلك بدافع الخيانة الوطنية فقط,ولا المشروع الصهيونى,ولا الإرهاب بإسم الإسلام ولكن لأنها جزء من جيل جاهل يحتقر الفنون والمرأة والحضارة والآثار والتاريخ والحياة ويريد أن يعود إلى عراء الوحشية والتزمت والعصبية والعنصرية وزمن السلب والنهب.يريد أن يخطف من المستقبل ذكرى عراقة الماضى وأى تقدم حضارى قد شهدته تلك البلاد التى يعيث بها فسادا. علموا أولادكم وبناتكم تاريخ جلجامش وحيمورابى وأخناتون ورمسيس وبلقيس والزباء والأنباط وعشتار وإيزيس واوزوريس .علموا الورثة منافسة الماضى العريق فى الإبداع وفن صنع الحضارة.