عمومية «أخبار اليوم» تعتمد القوائم المالية وتوافق على زيادة رأس المال    جدول امتحانات الصف الثاني الإعدادي الترم الثاني 2025 بالدقهلية    وزير الإسكان يتابع مشروعات التطوير بمارينا وكومبوند مزارين والمدينة التراثية بالعلمين الجديدة    الإيجار القديم.. أحمد موسى: المحكمة الدستورية لم تنص على طرد المستأجر    ارتفاع جماعي لقطاعات البورصة بقيادة "مواد البناء".. وتراجع محدود للمؤشر الرئيسي    رئيس الوزراء الباكستاني: انتصرنا على الهند وجيشنا رد بكل قوة على العدوان    الكويت ترحب باتفاق وقف النار بين الهند وباكستان    منتخب مصر للشباب يبدأ استعداداته لمواجهة غانا في ربع نهائي أمم أفريقيا    ريال مدريد يواجه فرصة أخيرة لإنقاذ موسمه أمام برشلونة    رفضت الارتباط به.. تأييد حكم الإعدام للمتهم بقتل فتاة الزقازيق سلمي بهجت    حريق يلتهم محصول قمح قبل حصاده في بني سويف.. والنيابة تبدأ التحقيق    إحالة أوراق قاتل ابنه في سوهاج للمفتي.. وأم الضحية: نام وارتاح يا عز حقك رجع    «حاولت تعمله عمل».. غادة إبراهيم تتحدث عن علاقة بوسي شلبي ومحمود عبد العزيز    «سمعت إن سيكو وصل ل159 مليون».. تركي آل الشيخ يكشف عن الأفلام الأعلى إيرادًا في مصر    منها الإسهال والحمى، أعراض النزلة المعوية وطرق علاجها في المنزل    وزير الصحة خلال حفل يوم الطبيب: الدولة المصرية تضع الملف الصحي على رأس أولوياتها    بالزغاريد والرقص مع رامي صبري.. أصالة تشيع البهجة في زفاف نجل شقيقتها | صور    الحكومة السودانية: استشهاد 20 وإصابة 50 مدنيًا بسجن الأبيض    المؤبد وغرامة 500 ألف جنيه لتاجر عقارات بتهمة الإتجار في المخدرات بالعبور    "زراعة الفيوم" تواصل ضبط منظومة الإنتاج الحيواني بالمحافظة    صاحب الفضيلة الشيخ سعد الفقى يكتب عن : رسالة مفتوحة لمعالي وزير الأوقاف؟!    متحدث "فتح" : توزيع المساعدات يجب أن يكون من خلال الأونروا وليس الإدارة الأمريكية    أمام مانشستر سيتي.. ساوثامبتون يتجنب لقب أسوأ فريق في تاريخ الدوري الإنجليزي    نيابة الخليفة تقرر إحالة عاطل إلى محكمة الجنح بتهمة سرقة مساكن المواطنين    عطلوا أحكام الدستور.. تأجيل محاكمة 19 متهمًا ب«خلية المرج الثالثة»    تأجيل محاكمة طبيب تسبب في وفاة طبيبة أسنان بسبب خطأ طبي في التجمع    تشكيل بايرن ميونخ أمام مونشنجلادباخ    طوابير خانقة وأسعار مضاعفة وسط غياب الحلول..أزمة وقود خانقة تضرب مناطق الحوثيين في اليمن    بنك قناة السويس يعزز ريادته فى سوق أدوات الدين ويقود إصدارين ناجحين لصكوك متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية بقيمة 5.8 مليار جنيه    التيسيرات الضريبية... قبلة الحياة للاقتصاد الحر والشركات الناشئة في مصر    مستقبل وطن المنيا يكرم 100 عامل مؤقت    الكلاسيكو| أنشيلوتي يكشف موقف رودريجو ويؤكد: واثقون من الفوز    نائب رئيس الوزراء: مصر تضع الملف الصحي بجميع ركائزه على رأس أولوياتها    نصائح لوقاية العيون من تأثير ارتفاع درجات الحرارة    رئيس جامعة الأزهر: السعي بين الصفا والمروة فريضة راسخة    عالم أزهري: خواطر النفس أثناء الصلاة لا تبطلها.. والنبي تذكّر أمرًا دنيويًا وهو يصلي    مرسوم عليه أعداء مصر ال9.. «كرسي الاحتفالات» لتوت عنخ آمون يستقر بالمتحف الكبير    "صورة الطفل في الدراما المصرية" ندوة بالمجلس الأعلى للثقافة    القومي للمرأة يشارك في اجتماع المجموعة التوجيهية لمنطقة الشرق الأوسط    محافظ أسيوط يتفقد تطوير مدخل قرية بنى قرة ونقل موقف السرفيس لتحقيق سيولة مرورية    قرار تأديب القضاة بالسير في إجراءات المحاكمة لا يعتبر اتهام أو إحالة    هل منع الزمالك عواد من التدريبات؟.. مصدر مقرب من اللاعب يؤكد والأبيض ينفي    وقفة عرفات.. موعد عيد الأضحى المبارك 2025 فلكيًا    دعوة شركات عالمية لمشروع تأهيل حدائق تلال الفسطاط    جامعة أسيوط تُشارك في ورشة عمل فرنكوفونية لدعم النشر العلمي باللغة الفرنسية بالإسكندرية    انطلاق الملتقى المسرحي لطلاب جامعة كفر الشيخ    رئيس صحة النواب: مخصصات الصحة في موازنة 2026 الكبرى في تاريخ مصر    جنايات المنصورة...تأجيل قضية مذبحة المعصرة لجلسة 14 مايو    وكيل وزارة الصحة بالمنوفية يتفقد مستشفى بركة السبع ..صور    أزمة بوسي شلبي وأبناء محمود عبد العزيز.. فيفي عبده: الواحد لازم يصرف فلوسه كلها وميسيبش مليم لمخلوق    بينهم سيدة.. الجيش الإسرائيلي يعتقل 8 فلسطينيين بالضفة الغربية    مصر تستضيف الجمعية العمومية للاتحاد العربي للمحاربين القدماء وضحايا الحرب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 10-5-2025 في محافظة قنا    7 شهداء بينهم عائلة كاملة بقصف إسرائيلي على مدينة غزة الفلسطينية    تفاصيل مفاوضات الأهلي مع جارسيا بيمنتا    بكام الفراخ البيضاء؟.. أسعار الدواجن والبيض في أسواق الشرقية السبت 10 مايو 2025    موعد مباراة الاتحاد السكندري ضد غزل المحلة في دوري نايل والقنوات الناقلة    مسيرات باكستانية تحلق في سماء نيودلهي وسط تصاعد التوترات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إبراهيم عيسى.الأكثر استحقاقا
نشر في الأهرام اليومي يوم 19 - 09 - 2014

دوخنى وراءه الدوخات السبع عبر القنوات كما دوخنى في البحث عن الصحف التى يصدرها ويجيب ضلفها مكره أخاك لا بطل لتغلق أبوابها في ذروة نجاحها ويتشرد أولادها النجباء لاجئين للقومية والحزبية والعربية والدورية وجرائد وجاهة رجال الأعمال..
إبراهيم عيسى.. الكاتب والناقد والسياسى والصحفى والمذيع والروائى والمبدع والخوجة الذى يليق به وحده لقب «الجهبذ» حتى ولو كان اللقب ثقيلا على الأذن، لكنه المُستدعى وحده للقلم عندما يكتب عن حدوتة مصرية شديدة الخصوصية عميقة الثقافة واسعة المعارف عاشقة للتراث قوية المراس ثرية اللفظ موهوبة السرد خفيفة الظل هادفة للتنوير مكثفة الحضور مجهراً للرصد بليغة القصد...
عيسى.. ما أن يستقر بي المقام على طلّته الحميمية على الشاشة، أو فى رفقة سطوره النارية فى الجرنال وأعمل حسابى عليه، وأقفِّل على كل المواضيع للتفرغ من ساسى لراسى لمتابعته أينما حلَ في وسائل الإعلام حتى أجده قد زاغ منى إلى موعد آخر فى إصدار جديد وعلى شاشة قناة أخرى فى برنامج جديد بفكر جديد وإطار جديد وديكور جديد، حيث يحلو له أخيرًا الظهور كأستاذ فى فصل انتقى فيه تلامذته من المريدين المشاغبين الذين يتركهم فجأة خلال الشرح لا يلوى على شيء، لنجده بعدها متجولا في الممرات يخاطب حضورا غائبا نملؤه نحن المشاهدين، ويتراءى له التوقف فجأة أو الاستناد إلى الحائط تبعاً لأوامر المخرج ليُكمل ما نوى من تحليل وتنظير وتنوير.. هذا بينما يعقد ندوات لا نظير لها حول المائدة المستديرة في برنامجه «25/30» يحضرها معه متخصصون في جميع المجالات لفتح جراح قضايا الوطن من أول الزيت والسكر ومنجم السكرى وقطن طويل التيلة والمرشدين السياحيين المجمدين وسد النهضة وشرق التفريعة وموبيليات دمياط وصوامع الغلال ورياضة المحافظات والتنقيب عن الآثار.. و..وآخرها ليلة امبارح التأمت الدائرة حول فلسفة مواقع الأخبار على الإنترنت، فى حلقة استغرقه حوارها والقعدة الحلوة مع شبابها لحين توقيت انتهائها فأشار لمخرجها أمامنا ببساطة وكأنه فى صالة بيته، أن ينهيها بمعرفته وينزل بالأسماء على الشاشة، ويتركهم يكملون حوارهم حيث أقسم علي ضيوفه ألا يغادروا قبل الاتفاق، وكان أبو خليل في أروع أدواره مرتدياً الحمالات السوداء مع القميص العنابى الداكن ليصنعا التضاد اللونى بدون حزام الوسط مع حزم الشارب الأسود الكثيف.. أناقة الحمالات التي تربطنا بذكريات الزمن الجميل عندما كان الوالد وحضرة الناظر وسيادة المدير ومعالي الوزير ما أن ينتشى الواحد منهم وتنتفخ أوداجه لصحة وجهة نظره حتى ترتبط مظاهر خُيلائه بنفسه بسحب أستيك الحمالة بالأصبع السبابة مع مشية الإوزة.. وهناك غيره ناس أخرجت مظهرها المتفرد مثل الزميلة الكاتبة نعم الباز في الزى البدوى الأنيق، والنائب مصطفي الجندى بجلبابه الريفى، والدكتورة آمنة نصير بزيها الإسلامى وقفازها الطويل الأسود، والدكتورة فايزة أبوالنجا من نفتقد مواقفها الشجاعة، بشالها الملقى على الكتف.. و..إذا ما كان برهومة يتجلي الآن على الشاشة بكامل الزى السهل المبتكر داخل القميص والبنطلون والحمالات فقد افتقدناه كثيرا عندما كانت الكاميرا تسلط فقط علي كادر الرأس والأكتاف ليأخذنا معه في برنامجه «فرجة» عبر جولات سينمائية نقwwدية لا مثيل لها يشرح لنا فيها بعين الفنان الخبير مفردات النجومية والتمثيل والسيناريو والديكور والإخراج والتترات والتصوير الداخلى والخارجى، وكيف مهدت الموسيقى التصويرية لظهور الخال القادم من أقاصى الصعيد لغسل العار فى فيلم «دعاء الكروان»، ومدى ملاءمة شخصية شرفنطح الثعلبية للقيام بدور ناظر الوقف الهليب أمام الريحانى علي طريقة الشىء لزوم الشىء وطغيان أنوثة فاطمة رشدى في هبوطها المتثنى بالملاية اللف فوق درجات السلم الخشبى فى فيلم «العزيمة»، والأداء الخشبى لعبدالوهاب فى خماسية أفلامه التي لا يخرج فيها يده من جيب الجاكتة، ولسان حسين رياض الذى انحلت عقدته لحظة مشاهدته لموكب ثورة يوليو ليهتف «تحيا مصر» فى فيلم «رد قلبى»، وسريان الشعور بالقهر مع موال الأبنودى يا عينى على الولد في «شىء من الخوف».. ويضحك أبوخليل ويموت من الضحك للمشهد الكوميدى القادم قبل أن يعرضه لنا، ويجعلنا إبراهيم من خلال تشريحه النقدى السينمائى المشوق نستعيد ونستعبر ونمصمص الشفاه عبر تاريخنا السياسى والاجتماعى والاقتصادى والثورى والفنى ونتحسر على الفستان السواريه وارد شيكوريل بثلاثة جنيهات أيام كان عبود يحمل لقب المليونير لبلوغ ثروته الواسعة مليون جنيه!! وكبرياء الباشا سليمان باشا معطياً أوامره لسكرتيره شفيق نور الدين بمكافأة الريحانى.. مرزوق أفندى: إديله حاجة.
ابن قرية الرمالي بقويسنا الذى تستشرف شخصية والده الدقيق لحد الوسوسة من خلال سطور روايته «صار بعيدا» التى يودع فيها قلوبا أحبته حقا وصدقا ويقينا.. يكتب الابن إبراهيم عن الأب عيسى عند سفره للأراضى المقدسة: «كان أبى مصرًا على التعامل مع حقيبة واحدة حتى لا يشغل نفسه في الرحلة بالحمولة الثقيلة واللهاث وراء الوزن والتفتيش.. يملأ الحقيبة بكل الأشياء والحاجات واللفائف التي أودعها عنده أهل رفاقه في الغربة حتى يوصلها إليهم هناك، يعبئها بحرص ودأب ويحشرها فى استنفار لكل المساحات وعداء للفراغات، ثم يسحب الحزام من جانبي الحقيبة الداخليين ويشدها بعزم، ويشبك الحلقتين للإحكام، ويغطى الحقيبة ويمسك بالحزامين الخارجيين ويجذبهما فى قوة حتى يتأكد من تماس الأطراف بالأطراف، وينتهى من إغلاق الحقيبة ليمسكها بأصابعه من مقبضها الغليظ المبطن بالمعدن والمغطى بطبقات من الجلد المتين وتبدأ أصابعه التى اشتد احمرارها في استشعار وزنها وثقلها فيصرح لصراخه بالانطلاق المنضبط:
- يا خبر أسود ستزن أربعين كيلو!
تفزع أمى بحسم: خلاص رجع الحاجات لأصحابها..
- طب اسكتى والنبى فلا داعى لإفساد الثواب بالكلام..
ومن توجس أبى من تساهل موظفى المطارات أمام حقيبته فإنه يراجع جميع أوراقه ومستنداته 10 مرات قبل السفر وعشرات المرات فى انتقاله نحو المطار، ويفتح المحفظة المخصصة لأوراقه وكأنه لن يجدها، يفتش عنها كأنه لم يرها منذ دقائق، يطمئن على تمام أحواله واستكمال أوراقه حتى يجد نفسه أمام نافذة ختم المستندات وبوابة العبور إلى الطائرة.. لم أركب الطائرة معه إلا أننى على يقين من أنه يعيد التمام عليها خشية الفقد بعد الركوب وقبل الهبوط وحين تقديمها!
صاحب الصحافة الجديدة التي قلبت موازين المهنة وذائقة القراء وقضّت مضاجع القارئ القديم، واستقطبت بامتياز القارئ الجديد لتنتقل بالهوامش إلى المتن والمتن إلى الهوامش.. أبو يحيى وفاطمة الذى يتلقى الضربة إثر الضربة بهدوء وطرقعة أستيك حمالة البنطلون.. صاحب الذكريات والأفكار والتشابيه والمواقف والمقالب المستدعاة على الفور لتغدو ملك يمينه، يقلبها بين الفقرات، ويسد بها الثغرات ويقوى بها الهنات.. نوعية من البشر تمشى على الأرض بشعور أن على عاتقها تقع قضية كشف وتغيير وتنوير واستنهاض همم.. وقد كتب علي عاتق إبراهيم الوطن وهمومه.. المذيع المنصت باحترام وكان علي رأسه الطير، لا يقاطع ضيفه ببنت شفه، حتى يستكمل أمامه وجهة نظره، وأينما جلس إبراهيم فمجلسه حل له: رصيف ميدان الثورة.. مقعد قهوة.. ظهره لحائط زنزانة.. داخل التخشيبة.. واسطة عقد الجلسة.. فوق منصة أستاذية.. فى مدرج مباراة.. تحت الكاميرات.. الذى وصفه الكاتب الصحفى حمدى رزق بأنهما معا في سلة واحدة: «مثل أغلب الصحفيين فى مصر فيهم كل العبر، مجانين بالذات، مهاويس بالأنا، مفلوتو العيار، مزودينها حبتين تلاتة، لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب، يمشون على يسار النظام لأسباب خلقية بحتة»... مفلوت العيار اللامع بحق والموهوب للغاية والزملكاوى إلى حد الغيظ الذى أغلق نظام مبارك 11 صحيفة عمل بها كلها كان موجودا بشخصه فيها وتحمل ألا يُكتب اسمه عليها.. من جاء إلينا ومعه صندوق العجب يجدد به صحفا عجبا ويخترع به برامجا شُهباً، وهذا الصندوق هو رأس عيسى نفسه الذى قد يخرج عنه أيضا خشية أن يقلد نفسه.. و..أبدًا لم يكرر إبراهيم نفسه علي مدى عمله جورنالجى فى روزاليوسف، والدستور، وعين، والتحرير.. ولا تليفزيونيا أبدًا فى برامجه «الفهرس» و«الله أعلم» و«على القهوة» و«فرجة» و«نحن هنا» و«حاجة تفطر» و«بلدنا بالمصرى» و«مع الصحابة» و«صالون إبراهيم عيسى» و«فى الميدان» و«السادة المرشحون» و«الرائعان» السيرة الذاتية لحياة الخلفاء الراشدين أبوبكر الصديق وعمر ابن الخطاب، وأيضاً «الرائعتين» عن سيرة أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها والسيدة فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. و..كان أيضاً متفرداً فى جميع مؤلفاته التى أثار غالبيتها عاصفة من الجدل: «مريم التجلى الأخير» و«أفكار مهددة بالقتل» و«العراة» و«لدى أقوال أخرى» و«الإسلام الديمقراطى» و«دم على نهد» الرواية التى أهداها عام 96 للكاتب الراحل صالح مرسى مؤكداً أنها ليست سيرته الشخصية وأنه إذا لم يكن قارئها باحثا عن الحقيقة مشغولا بها فرجاؤه ألا يقرأها.. وكتبه «تاريخ المستقبل» و«المقالات الغزاوية»، ورواياته العاطفية المغموسة بالسياسة «قصة حبهم» و«عندما كنا نحب» و«في وصف من يمكن تسميتها الحبيبة»، وروايته «دم الحسين» التى أهداها إلي أمه وأبيه، والتى كتبها بعدما رأى أن كثيرا من العيون والأقلام قد أغفلت الحديث عما بعد مقتل الحسين وماذا جرى تحت اسم دمائه الطاهرة، وكان قد قرر أن يحذف منها كثيرا ويضيف إليها أكثر، لكنه عندما كان يعود فيرى الدم المراق على جميع الأصعدة، والأحصنة اللاهثة والسيوف اللامعة وألسنة النار وألوان الخيانة، ودفقات الجثث، وصراخ الثكالى، وجموع الرءوس المقصوفة والمذبوحة لم يحذف ولم يضف... ويهدى إبراهيم عيسى روايته «أشباح وطنية» إلى زوجته الملائكية «أميرة» التى يناديها «أم يحيى» والتى تحملت إبراهيم وروايته حين كان يرويها لها شفهيًا فى الصحو والمنام شاكراً لها وممتناً علي أنها كانت تشرد وتسرح بأفكارها وقتها وتتركه يدرك وحده أن الرواية تستحق أن يعيد كتابتها فأعادها لتلقى الضوء بكثير من السخرية على تقلبات نظام سياسى غزته الديكتاتورية والفساد، وعن رئيس اكتفي بافتتاح الكبارى وأنفاق المشاه.. ورواية «مقتل الرجل الكبير» التي كتبها عام 1999 فلم تتحمس أى دار نشر لها فقام بطباعتها على نفقته الشخصية وتعاقد مع مؤسسة صحفية كبرى على توزيعها، وانتظرها في الأسواق دون جدوى فطالب باسترداد ثلاثة آلاف نسخة منها ليقوم بتوزيعها بمعرفته فقدمت له الصحيفة للخروج من مأزق المصادرة ثمن النسخ مقابل البيع الذى لم يتم، ومن هنا اعتبر عيسي أن روايته كانت أسرع رواية كسب منها فى حياته، فقد بيعت جميع نسخها خلال ثلاث ساعات فقط.. أما عن القنبلة من العيار الثقيل التى أطلقها أخيرا مقتحما الخطوط الحمراء فى دهاليز الفساد السياسى والسلطة المستبدة فيدخل إبراهيم بروايته «مولانا» عش الدبابير ناقدا بواقعية مفرطة ما حدث وما قد يحدث دونما أن تنال مأساة السطور من فيض السخرية وسيول خفة الظل.. مولانا التى يجسد فيها واقعنا المتناقض الذى نعيشه يوميا مع شيوخ الفضائيات المثيرين للجدل، والتى استغرقت منه وقتا طويلا فى قراءة أمهات الكتب والمراجع والتفاسير العديدة حتى بلغت المادة التى جمعها علي حد قوله للرواية ما يزيد علي حجمها خمسة أضعاف.. الرواية التي ستقدم علي هيئة مسلسل فى رمضان القادم بطولة الفنان أحمد عز الذى سيقوم بتجسيد دور الشيخ «حاتم الشناوى».
ولأننا نتنفس نفس المناخ، ونذهب ونروح ونجد ونسعى ونفرح ونشقى ونتفتح ونذوى بين طيات الورق وفى سطور حبر المطبعة، ونقرأ نفس العناوين، ونصيغ نفس الأحداث، ونصافح ذات الوجوه، ونعانى توءم المعاناة، وتضمنا نفس النقابة والمهنة والهواية والاحتراف، ونحلم بصحافة أفضل لشباب القلم، فقد التقينا معا أنا والقدير إبراهيم عيسى ليس فى ساحة مؤتمر، ولا فى حفل توقيع كتاب، ولا علي أرض حفل سفارة، ولا فى وداع عزيز، أو على متن طائرة، أو داخل أعضاء وفد.. لكن لقاءنا جاء في وجهة نظر.. عبر اتفاق الرؤى وفرز البشر.. التقينا عندما وقع اختيارنا معا وأنا وهو من مدمنى الاختيار والانتقاء وتكوين فريق العمل علي نفس الأشخاص لنحتفى بهم ونقرظ مواهبهم ونقرب حضورهم.. ودائما سعادتى عظيمة عندما أرى فى الكادر معه أيا من أبنائى الذين طالت قاماتهم فى منبت رأسهم بمجلة نصف الدنيا فتخرجوا فيها أعلاما تفتح لهم الصحافة أينما كانت أبوابها كمثل المحرر العلمى فى المصرى اليوم جمال غيطاس أول رئيس تحرير لمجلة «لغة العصر»، والكاتب الساخر الذى تتهافت المطابع على كلماته عمر طاهر صاحب العمود اليومى بجريدة التحرير..
وإذا ما كان إبراهيم عيسى عندما استدعى للشهادة هذا العام 2014 فى محاكمة الرئيس الأسبق حسنى مبارك فشهد له بأنه قائد الطيران الذى حارب من أجل مصر وأبدا ليس بخائن للوطن، ليشيد بشهادته المحامى الشهير فريد الديب فى دفاعه أمام هيئة المحكمة، فإنه فى عام 2006 اتهم بالسب والقذف والتحريض والإهانة والتطاول على رئيس الجمهورية عندما كتبت الصحفية سحر زكى بجريدة الدستور التى يرأسها مقالا بعنوان «مواطن من وراق العرب يطالب بمحاكمة مبارك وأسرته ورد مبلغ 500 مليار جنيه قيمة القطاع العام والمعونات الخارجية» وصدر الحكم عليه فى 26 يونيو بالسجن لمدة عام وكفالة 10 آلاف جنيه، إلا أن محكمة الاستئناف خففت الحكم إلى غرامة فقط ب4 آلاف جنيه.. وعاد إبراهيم عيسى لموضع الاتهام لنشره أخبارا كاذبة عن صحة رئيس الجمهورية ليصدر فى 13 سبتمبر 2007 حكما ضده بالسجن سنة، وتعاد المحاكمة أمام دائرة أخرى لتخفف الحبس لمدة شهرين، وكان الحكم مشمولا بوجوبية النفاذ فسلم إبراهيم نفسه للسلطات فى نفس اليوم ولكن مبارك أصدر قرارا جمهوريا بالعفو عنه.....
ويسألونه فى نفس العام 2007 انت على طول كده مش عاجبك حاجة وكل شيء مهبب من وجهة نظرك.. أليس فى البلد عمل إيجابى واحد أو شخص عظيم يستأهل التكريم فيجيب إبراهيم عيسى: «هناك مؤسسات رائعة ومحترمة ومنورة وسط الضلمة مثل مركز الكلى فى المنصورة للطبيب الحكيم محمد غنيم، والأعمال الخيرية لرجل الأعمال محمد أبوالعينين التى ترأسها شقيقته الحاجة سمية، وساقية الصاوى المدهشة لمحمد عبدالمنعم الصاوى، ومشروع القراءة للجميع، وأفلام المدرسة والجامعة عادل إمام، ومركز الحالات الحرجة بقصر العينى، ومؤسسة العالم الأجمل الدكتور شريف مختار، ومركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام برئاسة عبدالمنعم سعيد، وفوق سطوح بيت العظيم أحمد فؤاد نجم، والإنتاج العظيم الوحيد الذى نصدره بامتياز والذى يغزو العالم من معسل زغلول والوردة، وأى عربية فول علي الناصية الساعة سبعة الصبح في شوارع القاهرة، ومحطة رمل اسكندرية وترابها الزعفران، ومعمل النوم بجامعة عين شمس، والفرع الرئيسى لمصلحة الجوازات في مجمع التحرير، وقصص الفذّ محمد المخزنجى، وكل ما يكتبه المبدع أسامة أنور عكاشة، ومتحف محمود خليل في شارع مراد، وروعة الأستاذ هيكل حين يتكلم وحين يكتب وحين يصمت مبتسما منفثا دخان السيجار»..
شلال التعبيرات والتخريجات والتلميحات والتنويهات والتنبيهات والترقبات والتنبؤات والتفعيلات والإيماءات والانتقادات والتسريبات التي تموج بها سطوره يحلو لى السباحة في بحورها.. يقول إبراهيم بن عيسى:
- «لقد جاء اليوم الذى يعتقد فيه الناس أن المدرس الذى يشرح بذمة فى الفصل بطل، والطبيب الذى يعالج الفقراء بإخلاص وهِمة فى المستشفى الميرى، بطل، والصحفى الذى يعمل بمبادئ وأوليات عمله في مواجهة الاستبداد والفساد بطل، ويعتبرون القاضى المستقل بطلا، ومهندس الحى غير المرتشى بطلا.. ربنا يستر على البلد»...
- لقد نجح ناصر فى طرد الإنجليز من مصر، ونجح السادات في طرد الإسرائيليين من مصر، ونجح مبارك فى طرد المصريين من مصر...
- لا أظن أن كثيرين منا يتذكرون يوم بكي مبارك وأدمع فى خطابه الأول على منصة مجلس الشعب حين ذكر اسم الرئيس السادات وقال إنه لم يكن يتصور أبدا فقدانه أو العمل من بعده، وكانت لحظة تأثر حقيقية تشبه تلك التى أصابت الرئيس السادات نفسه يوم جنازة عبدالناصر حتى أنه أغشى عليه ونقلوه محمولا بعيدا عن الجنازة من فرط البكاء والتأثر علي جمال....
- قال السادات إن المعارضة دى قليلة الأدب ولا تعرف تخاطب رئيس الجمهورية حيث يجب أن يلزموا حدودهم، ثم ضرب مثلا بالقرآن الكريم فى سورة طه آية 43 و44 حين خاطب المولي عزّ وجلّ النبى موسى وهارون أخاه أمرًا «اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى» شايفين حتى ربنا قال لهم كلموا فرعون بلين وأدب، وهكذا بينما السادات كان يطلب الرفق واللين في مخاطبته طبقا للآية القرآنية فإنه اعترف طبقا للآية نفسها أنه فرعون وأنه طغى!...
- ومازلت أذكر شهر الإجازة الذى خصصته لقراءة ودراسة وحفظ كتب الساحر الساخر العظيم أحمد رجب وكنت أخط بيدى على سطور صفحات كتبه كمن يتعلم درسا في الخط العربي حتى أتشرب ما أقرأ وأضع ملاحظات علي هوامش كتبه تعليقا وتحليلا لطريقة كتابته وبنائه للجملة الساخرة، ثم قررت بعد شهور أن أتخرج من مدرسته بشهادة مختومة فكتبت مقالا عنه بنفس منهج كتابته، ومازلت أذكر مكالمته التليفونية لي أنا الذى التقيت به مرة واحدة علي مدى قرابة ربع قرن من ممارستى الصحافة، حيث سجل بصوته شهادة تخرجى حين وصف ما كتبته بأوصاف مازلت أخجل من أن أرددها لنفسي حتى لا ينتابنى الزهو!..
- القضية الدينية الوحيدة التى تناولتها في مقالاتى هى قضية عذاب القبر، وأبدا لم أكتب عن المعتزلة، ولم أتعرض يوماً للأحاديث النبوية الشريفة أو تفسير للقرآن الكريم...
- الحب عندي مبهم السبب، ظاهر الظواهر، ولا أراه سوى وجد مجنون، ولهف ملهوف، وحنان كاسر، ومشاعر جامحة، وعلانية مفرطة، ووله بله، ومرض مرضى، وعشق بالغ وبليغ، وقد نغفر للمحب والمحبوب ما لا نغفره لأحد آخر، وقد نستخدم معهما عفوًا لا نسمح به لأحد آخر، وما أجد أحدًا يسعفني إلا شوقى أمير الشعراء والعاشقين في قوله:
بينى وبينك في الحب ما لا يقدر واش يفسده
ما بال العاذل يفتح لى باب السلوان وأوصده
ويقول تكاد تجن به فأقول وأوشك أعبده
مولاى وروحى في يده قد ضيعها سلمت يده
ناقوس القلب يدق له وحنايا الأضلع معبده
قسما بثنايا لؤلؤها قسما بالياقوت منضده
ما خنت هواك ولا خطرت سلوى بالقلب تبرده
و..أبحث سدى عن جوائزه.. إبراهيم عيسى.. فى وطنه.. فى نقابته.. في الكئوس والدروع والأوسمة والشهادات التي تنهال علي أرضه لمن يستحق ومن لا يستحق لكننى أجدها قادمة له من خارج حدود وطنه.. من بيروت اعترافا بشجاعته المهنية تحمل اسم جائزة جبران توينى عام 2008 الصحفي اللبنانى وعضو مجلس إدارة الاتحاد العالمى للصحف الذى سقط ضحية اعتداء بسيارة مفخخة فى بيروت في 12 ديسمبر 2005، ومن نقابة الصحفيين الإنجليزية تأتى صاحبنا المصري جائزة صحفى عام 2010 على المستوى الدولي باعتراف الجارديان بأنه الأكثر استحقاقا لها في عالم الصحافة... ويبرِّد نار التساؤل قول إبراهيم: «تلقيت في مسيرتى مئات من الدعوات والدعم المعنوى العظيم من قراء وزملاء ونخبة وطنية عظيمة إلى درجة خشيت معها أن تنقص هذه الحفاوة وذلك الاهتمام في الدنيا من أجر نتمناه في الآخرة»..
الزميل الغالي.. كل ما فيك بالصلاة علي سيدنا النبى دح وصح وسليم ومن غير سوء وأوكى ومسموح به ومغفور له ومكتوب ع الجبين وناجح ترفع إيدك وجيد وممتاز وبرافو ونجمة وتصفيق حاد ومعقولة حلاوتك وسمع هس لسيادتك وبطلوا ده واسمعوا لك وجانا العمق جانا.. و..كل ما بيننا جميل ورائع وقشطة.. لكن.. هناك نقطة خلاف جوهرى لا تتماشى مع رؤيتك الثاقبة ولا حسن اختيارك للبشر ولا فرزك المتمكن ما بين الصالح والطالح، مما يكبح جماح إعجابى بك، ويسد النفس عن التمادى في التصفيق لك، ويحط وشى في الأرض منك يا أبو يحيى.. و..رغم ما يقال من أن الخلاف في الرأى لا يفسد للود قضية فاختلافنا هنا ينسف الود من أساسه وذلك حول إعجابك لا مؤاخذة بالسيد الدكتور البرادعى!!.. البرادعى يا راجل!!!
[email protected]
لمزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.