أن يستمروا فى العوم. وعندما سألهم أولياء الأمور: فما جدوى اشتراكنا فى النادى إذن؟ أجابوهم: هى كده.. خلاص.. بح.. مافيش حاجة ببلاش بعد كده.. كله من هنا ورايح ها يبقى « برايفيت». و«البرايفيت«- لمن لا يعرفون- معناه أنك يجب أن تدفع لتحصل على الخدمة.. مافيش دفع ما فيش خدمة.. وروح مطرح ما تروح! يعنى أدفع مائة ألف جنيه لأشترك فى النادى ثم أدفع بعد ذلك عن أى خدمة أحصل عليها؟ نعم هى كده! وقالت لى إحدى المعلمات بمدرسة حكومية: تصور أن المدرسين يقسّمون الفصول فيما بينهم «بالرأس» لإجبار العيال على الدروس الخصوصية كما يقسمون الذبيحة فى عيد الأضحى؟ بل وأقسمت لى أنهم يتشاجرون بالأيدى والألفاظ الخادشة للحياء إن هى- أو هو- أفلت عيّل واحد من بين أيديهم! على فكرة.. دروس خصوصية يعنى برايفيت. وفى مناقشة مع أحد الزملاء.. أكد لى أنه لا يمكن أبدا أن يسمح لنفسه بأن يستمر ابنه فى دراسة المنهج المصرى.. وها يودى الواد لل«آى جى».. وبكم يا عم الحاج هذا ال( آى جى) الميمون ؟ قال: بأربعين ألف جنيه فى السنة.. لكن هناك (آى جى) بثلاثين ألفا فى بعض المدارس.. آه.. يعنى برايفيت! على فكرة.. «آى جى» هذا هو المنهج الإنجليزى.. والله يرحمك يا عبد الناصر! وطبعا لسنا فى حاجة إلى حديث مكرر معادعن الخدمة فى مستشفيات الحكومة، أو جامعات الحكومة، أو تليفزيون الحكومة، أو تموين الحكومة، أو مواصلات الحكومة.. فهاكم الأتوبيس أمامكم فإن كنتم رجاله اركبوه! تريد أن ترحم نفسك خذ «تاكسى».. يعنى برايفيت! يا ناس.. إن عودة الدولة- والتى باتت مطلوبة بشدة هذه الأيام- لا تعنى فقط إعادة الانضباط إلى الشارع، والحزم فى تطبيق القانون على الجميع.. وإن كانت جهود الحكومة فى هذا المجال تستحق الشكر وتستوجب الثناء. عودة الدولة تعنى أيضا عودتها لتقديم الخدمات.. من كهرباء، وماء صالح للشرب، وصرف صحى يعيد للإنسان آدميته، وطرق فسيحة آمنة، وترع للرى، وكبارى، وأنفاق، وغيرها وغيرها.. بدون ذلك لا تعود الدولة. السؤال الذى سيطرح نفسه على الفور: منين كل ده يا سيد؟ من الدولة يا سيد! صلّح نظامك الضريبى يا أخى.. حاسب الفاسدين المفسدين الذين أكلوها والعة فى أزمنة سابقة.. كافح الإهمال.. إضرب بسيف القانون البتار على يد كل متربح ينهب من المال العام بغير وازع ولا ضمير.. فعّل أجهزتك الرقابية.. وما أكثرها فى مصر الآن. المهم أن يعود المواطن ليشعر بأن دولته تحس به.. وتتفانى فى خدمته، فيتفانى هو بالتبعية فى خدمتها.. حتى لو طلبت منه الجود بروحه فى سبيل رفعة الأوطان. خطورة هذه الحياة «البرايفيت» أنها لا تستقيم مع دولة مركزية عتيدة مثل مصر. نعم القطاع الخاص على راسنا من فوق، لكنه لا يستطيع وحده حمل عبء دولة بها تسعون مليون نسمة.. وبها أجهزة سيادية عملاقة تسد عين الشمس، وبها- وهذا هو الأهم- بيروقراطية متضخمة تقبض مرتبات، وتأكل كلها من يد الدولة. هذه واحدة، فأما الثانية أن بالبلد فقراء بالزوفة لن يرحمهم القطاع الخاص فيؤكّلهم ويعالجهم ويعلمهم.. لا.. نحن نظلم القطاع الخاص( البرايفيت) إن نحن طلبنا منه ذلك وهو الساعى دائما إلى الربح، وإلى مضاعفة رأسماله! سيقولون: ما احنا بنديهم الدعم. لا يا عم.. موش كفاية. إن الدعم لا يمكن أبدا أن يكون حلا وهو الذى اخترعوه للفئات الضعيفة المهمّشة.. وهؤلاء لا ينبغى، ولا يصح، أن يكونوا هم الأغلبية أبدا.. ثم.. تبقى الثالثة، وهى أن المصرى منذ نشأة التاريخ وهو ينتظر من الدولة أن تدير له شئونه. نعم نعرف أن هذا المنطق اختفى فى كثير من دول الدنيا، إلا أنه لم- ولن- يختفى فى مصر. هذا قدرها، وهذا قدرنا معها.. وقد سبق ونطقت بها راقية إبراهيم فى« زينب«: اللى ما لوش أهل.. الحكومة أهله! إن حياة المصرى لا يمكن أبدا أن تترك للبرايفيت يديرها. لا تصدّق؟ إذن فانظر إلى التعليم البرايفيت، والمستشفيات البرايفيت، والأندية البرايفيت، والمولات الهائلة المضيئة المكتظة بما لذ وطاب من السلع والمطاعم والمحال البرايفيت.. انظر إلى أى برايفيت فى البرايفيت.. هل هى نجحت النجاح الكامل- إن كانت قد نجحت أصلا- فى تقديم بديل عن خدمات الحكومة؟ فما المطلوب؟ مطلوب مقاومة أحاسيس وثقافة وسياسات خداع «البرايفيت». وإذا كنا نطالب الجمهور ليل نهار بطاعة قوانين الدولة والخضوع لسلطانها فعليك أن تقومى بدورك أنت أولا يا دولة، وساعتها إن لم أطعك إقطعى رقبتى! لمزيد من مقالات سمير الشحات