فى سبتمبر 2001 خرج الرئيس الامريكى جورج بوش ليعلن الحرب الكونية على تنظيم القاعدة، رافعا شعار «من ليس معى فهو ضدى»، وفى سبتمبر 2014 خرج ساكن البيت الأبيض باراك اوباما ليعلن حربا عالمية ضد تنظيم داعش، مطالبا بتحالف دولى واسع يسانده. وفى الحالتين كان الهدف المعلن هو محاربة الإرهاب، وقد احتكرت امريكا لنفسها حق تحديد مفهوم الإرهاب واختيار التنظيمات الإرهابية التى ترى أنها تستحق محاربتها، وكل المطلوب من باقى دول العالم خاصة فى الشرق الأوسط هو التنفيذ فقط. لم تلتفت الولاياتالمتحدة إلى أن سياساتها هى أحد اسباب نشأة وانتشار المجموعات الإرهابية، ولا إلى أنها أحد رعاة بعض الجماعات التى خرجت من عباءتها تلك التنظيمات المسلحة، وتتجاهل عشرات البؤر الإرهابية فى المنطقة لتركز على تنظيم بعينه بما يتفق مع المصالح الأمريكية بغض النظر عن مصالح الدول التى تطالبها بالتحالف معها، وتتغافل عن العوامل التى تؤدى إلى انتشار الإرهاب فى بيئات معينة، ولا تعلن استراتيجيتها الحقيقية التى تتستر بالحرب على الإرهاب. وقد تفضل وزير الخارجية الأمريكية جون كيرى مشكورا فى مؤتمره الصحفى بالقاهرة السبت الماضى، بالتأكيد على أن مايعرف بتنظيم داعش لا يعبر عن حقيقة الإسلام، مطالبا الأزهر الشريف بتوضيح ذلك للمسلمين، لكن الحقيقة تستوجب أن نكمل تلك العبارة بالتأكيد ايضا على أن الإدارة الامريكية لا تعبر عن الإسلام، ولا يأتيها الوحى من السماء حتى نسير خلفها دائما مولين قبلتنا شطر البيت الأبيض. إن الإرهاب فى أبسط مفاهيمه هو محاولة فرض أمر واقع بالقوة، وقد يكون ذلك من جانب فرد أو جماعة أو دولة، وإذا طبقنا ذلك على ما يحدث الآن فى المنطقة، سنجد أفرادا ومجموعات مسلحة كثيرة تقوم بذلك، فى العراقوسورياولبنان وليبيا ومصر ...الخ، وسنجد دولا أيضا ينطبق عليها نفس المفهوم مثل إسرائيل. وتتحمل الولاياتالمتحدة الجزء الأكبر من المسئولية عن انتشار الإرهاب فى العراق. بعد أن احتلت هذا القطر العربى الكبير فى 2003 ودمرت كل مظاهر الدولة، ونسفت المواطنة لتفرض بدلا منها الطائفية، وقسمت الشعب العراقى إلى سنى وشيعى وكردى ومسيحى لتضمن أن العراق بثرواته الضخمة ووضعه الجغرافى والتاريخى لن تقوم له قائمة مرة أخرى، وسيظل ضعيفا تتنازعه الطائفية والإثنية. وكان من الطبيعى فى هذا المناخ أن تظهر الميليشيات واليمليشيات المضادة، وأن يتحول العراق إلى لبنان جديد تتصارع على أرضه القوى الإقليمية فى حروب بالوكالة، وهى بيئة خصبة للأفكار المتطرفة والتنظيمات التكفيرية التى لا تعرف سوى القتل على الهوية. وفى سوريا شجعت أطرافا إقليمية عديدة على ظهور هذه التنظيمات، بعضها لمحاربة النظام السورى والبعض لمحاربة مجموعات المعارضة الأخرى، واختلطت الأوراق ولم تعد المعركة بين حكومة ومعارضة بل بين أطراف متعددة تحاول اقتسام الأراضى السورية وتطبيق النموذج العراقى الجديد. أما فى مصر فقد سقطت اسطورة أن جماعة الإخوان تمثل الوجه المعتدل للإسلام، وتوالت جرائمها الإرهابية سواء التى تقوم بها عناصرها مباشرة أو من خلال المجموعات المنبثقة منها مثل أنصار بيت المقدس، ورغم ذلك ظل التنظيم الدولى للجماعة يحظى برعاية خاصة من الإدارة الامريكية وبعض الدول الأوروبية. وفى ليبيا سيطرت المجموعات المسلحة التكفيرية والقبلية على معظم المناطق بدعم قطرى كبير، ولم يستطع البرلمانى الليبى الممثل الحقيقى لإرادة الشعب أن يمارس سلطاته كاملة حتى الآن. فى ظل كل هذه التطورات يتطلب للقضاء على البؤر الإرهابية بالمنطقة مواجهة الأسباب الحقيقية لانتشارها، وهى اسباب سياسية واقتصادية واجتماعية، تتضمن تفاصيل كثيرة من سيطرة نظم ديكتاتورية إلى تدخلات خارجية تستهدف إعادة تقسيم الدول العربية على أسس طائفية وعرقية، إلى محاولات السيطرة على الأوضاع فى المنطقة من جانب بعض القوى الإقليمية، وانتشار الفقر والجهل والبطالة وتدنى المستوى المعيشى فى كثير من البلدان العربية، مع عدم وجود أى بارقة أمل لدى الشباب فى تغير الأوضاع إلى الأفضل وليس إلى الأسوء، ناهيك عن نظم التعليم المتخلفة التى تقضى على ملكة التفكير الإبداعى لصالح التلقين والسمع والطاعة. كل ذلك ينبغى مواجهته من خلال تحالف دولى حقيقي تحت مظلة الأممالمتحدة، لا يقتصر على العمليات العسكرية فقط، وانما يمتد ليشمل المساعدة فى مواجهة كل الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى تؤدى لظهور وانتشار ظاهرة الإرهاب. وبعد نحو 13عاما من إعلان الولاياتالمتحدة الحرب على القاعدة، مازال هذا التنظيم يشكل خطرا على المصالح الأمريكية حتى الآن. لذلك ينبغى أن نتمسك برؤيتنا ولا نخضع للضغوط الامريكية التى لا يهمها سوي مصالحها فى المنطقة فقط. لمزيد من مقالات فتحي محمود