إبراهيم عيسى: السلفيين عكروا العقل المصري لدرجة منع تهنئة المسيحيين في أعيادهم    قائد المنطقة الجنوبية العسكرية يلتقي شيوخ وعواقل «حلايب وشلاتين»    منشآت مستثناة من تخفيف أحمال الكهرباء .. تعرف عليها    بايدن يثق بفوزه بولاية ثانية ويشكك في قبول ترامب نتائج الانتخابات    ملف يلا كورة.. حفل تأبين العامري فاروق.. غيابات الزمالك.. ومفاجأة لصالح جمعة    أحمد عيد: هنفرح جماهير المحلة في الدوري الممتاز.. وهذه كانت أصعب لحظة    احتفالات جنونية من لاعبي غزل المحلة مع الجماهير بعد الصعود للممتاز (فيديو وصور)    «الأرصاد» تُحذّر من حالة طقس اليوم الخميس 9 مايو 2024    الفصائل الفلسطينية تشارك في مفاوضات القاهرة    بعد غياب 10 سنوات.. رئيس «المحاسبات» يشارك فى الجلسة العامة ل«النواب»    سعر البصل والخيار والخضروات بالأسواق فى ختام الأسبوع الخميس 9 مايو 2024    سعر الذهب اليوم بالمملكة العربية السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الخميس 9 مايو 2024    الأهلي يفاوض صفقة مغربية جديدة.. بديل علي معلول    ناقد رياضي يصدم الزمالك حول قرار اعتراضه على حكام نهائي الكونفدرالية    خوان ماتا: كنت أتمنى مزاملة ميسي.. وهذا موقفي من الاعتزال    الأوبرا تحتفل باليوم العالمي لحرية الصحافة على المسرح الصغير    ماذا طلب كريم عبد العزيز بعد ساعات من وفاة والدته؟    مصطفى خاطر يروج للحلقتين الأجدد من "البيت بيتي 2"    ما الأفضل عمرة التطوع أم الإنفاق على الفقراء؟.. الإفتاء توضح    مواد مسرطنة في القهوة منزوعة الكافيين احذرها    حقيقة تعديل جدول امتحانات الثانوية العامة 2024.. اعرفها    «المصريين الأحرار»: بيانات الأحزاب تفويض للدولة للحفاظ على الأمن القومي    شوبير يكشف مفاجأة بشأن تجديد عقد علي معلول في الأهلي.. خلاف حول الراتب.. عاجل    معلومات عن ريهام أيمن بعد تعرضها لأزمة صحية.. لماذا ابتعدت عن الفن؟    انتخاب أحمد أبو هشيمة عضوا بمجلس أمناء التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي    جريمة تهز العراق، أب يقتل 12 فردا من عائلته ثم يتخلص من حياته (صور)    مصدر: حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية منفتحون نحو إنجاح الجهود المصرية في وقف إطلاق النار    زعيمان بالكونجرس ينتقدان تعليق شحنات مساعدات عسكرية لإسرائيل    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 9 مايو في محافظات مصر    الزمالك يشكر وزيرا الطيران المدني و الشباب والرياضة لدعم رحلة الفريق إلى المغرب    بعد إصدار قانون التصالح| هذه الأماكن معفاة من تلك الشروط.. فما هي؟    إعلام فلسطيني: غارة إسرائيلية على حي الصبرة جنوب مدينة غزة شمالي القطاع    6 طرق لعلاج احتباس الغازات في البطن بدون دواء    "الفجر" تنشر التقرير الطبي للطالبة "كارولين" ضحية تشويه جسدها داخل مدرسة في فيصل    سواق وعنده 4 أطفال.. شقيق أحمد ضحية حادث عصام صاصا يكشف التفاصيل    مندوب الجامعة العربية بالأمم المتحدة: 4 دول من أمريكا الجنوبية اعترفت خلال الأسبوع الأخير بدولة فلسطين    أحمد موسى: محدش يقدر يعتدي على أمننا.. ومصر لن تفرط في أي منطقة    رئيس هيئة المحطات النووية يهدي لوزير الكهرباء هدية رمزية من العملات التذكارية    برج الأسد.. حظك اليوم الخميس 9 مايو: مارس التمارين الرياضية    محمود قاسم ل«البوابة نيوز»: السرب حدث فني تاريخي تناول قضية هامة    تعرف على سعر الفراخ البيضاء والبيض بالأسواق اليوم الخميس 9 مايو 2024    إنتل تتوقع تراجع إيراداتها خلال الربع الثاني    ارتفاع ضحايا حادث «صحراوي المنيا».. مصرع شخص وإصابة 13 آخرين    استشاري مناعة يقدم نصيحة للوقاية من الأعراض الجانبية للقاح استرازينكا    وزير الصحة التونسي يثمن الجهود الإفريقية لمكافحة الأمراض المعدية    «زووم إفريقيا» في حلقة خاصة من قلب جامبيا على قناة CBC.. اليوم    عبد المجيد عبد الله يبدأ أولى حفلاته الثلاثة في الكويت.. الليلة    مستشهدا بواقعة على صفحة الأهلي.. إبراهيم عيسى: لم نتخلص من التسلف والتخلف الفكري    وزير الخارجية العراقي: العراق حريص على حماية وتطوير العلاقات مع الدول الأخرى على أساس المصالح المشتركة    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لنا في كل أمر يسراً وفي كل رزق بركة    دعاء الليلة الأولى من ذي القعدة الآن لمن أصابه كرب.. ب5 كلمات تنتهي معاناتك    وكيل الخطة والموازنة بمجلس النواب: طالبنا الحكومة بعدم فرض أي ضرائب جديدة    بالصور.. «تضامن الدقهلية» تُطلق المرحلة الثانية من مبادرة «وطن بلا إعاقة»    محافظ الإسكندرية يشيد بدور الصحافة القومية في التصدي للشائعات المغرضة    طالب صيدلة يدهس شابا أعلى المحور في الشيخ زايد    متحدث الصحة يعلق على سحب لقاحات أسترازينيكا من جميع أنحاء العالم.. فيديو    أول أيام شهر ذي القعدة غدا.. و«الإفتاء» تحسم جدل صيامه    بالفيديو.. هل تدريج الشعر حرام؟ أمين الفتوى يكشف مفاجأة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.محمد الغباري:الفوضي "غير خلاقة" بالمنطقة
سايكس بيكو جديدة لتفتيت العالم العربي
نشر في الأهرام اليومي يوم 14 - 09 - 2014

لا تكذب الجغرافيا ولو حاولنا إنطاقها بغير ما تقول، ولا يُكَذِّب التاريخ ما تقوله الخرائط ،ولو تغيرت معالم حبرها في مؤامرات سرية قديمة متجددة ، وفوضي علنيّة تُجَدِّد أخطاء عربية في قراءة المشهد في كليتّه، فكل ما عاشه التاريخ هو ابن الخريطة وأحلامها القديمة المستعادة..
والخرائط ليست حبر تواقيع في عشاء سري بين ممثلي قوى توشك على الخروج من التاريخ ، ولكنها أحلام قديمة، تحفظ الأساطير وتغذيها فيما يرتاح قوم لشكل البسيطة وتضاريسها التي يظنون أنها الأبد.. دخل العرب الحرب العالمية الأولى بأحلام الاستقلال عن الخلافة العثمانية ودخل اليهود الحرب بأحلام الأساطير القديمة والوعود الملفّقة .
وقدم العرب دما مسفوحا على مذبح الحلم، لكن اليهود سرعان ما استغلوا هذا الدم الذي أنهي الإمبراطورية العثمانية لمصلحة الانجليز، وقفزوا فوق حقائق الجغرافيا، وأبجدية التاريخ ودخلوا وسط تفصيلة في ثنايا الحرب العالمية الأولى، وخرجوا منها بوعد صغير وانتداب بريطاني قضى على الحلم العربي وأيقظ الحلم اليهودي من سبات آلاف السنين.. فتصارع حلمان على أرض الواقع، واختلط الأمر على التاريخ الذي فتح كتاب الحرب الكبرى ولم يغلقه منذ مائة عام في المنطقة العربية..
في كتابه "الفكر الاستراتيجي للجماعات اليهودية" والذي نال عنه درجة الدكتوراه في العلوم الاستراتيجية والأمن القومي يكشف اللواء دكتور محمد الغباري مدير كلية الدفاع الوطني السابق، والخبير بأكاديمية ناصر العسكرية خبايا الحلم اليهودي القديم، وكيف استغل اليهود الحرب العالمية الأولى ،وأحلام بريطانيا لتقسيم المنطقة بينها وبين فرنسا وأوجد له مساحة على مسرح الأحداث، ربما لأن اليهود أجادوا قراءة خريطة الأفكار قبل أن تتحرك على الأرض بينما أمسك العرب برمال الخرائط وتمسكوا بها .
ويكشف اللواء الغباري في حواره بمناسبة المئوية الأولى للحرب الاوروبية الكبرى كيف تسلل الحلم الإسرائيلي، وكيف تشكلت الدولة الصهيونية، وما هي علاقتها بمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يكاد يكون المفتاح النهائي لدولة إسرائيل الكبرى.. فهل نحن منتبهون لمفاتيح التفتيت المنهجي للخريطة العربية والتي لن يكون هناك مستفيد منها أكبر من الدولة الصهيونية بحسب تصورات تيودور هرتزل من النيل الى الفرات ؟
ليس ثمة مؤامرة يحيكها التاريخ ضد أحد، لكن التاريخ عبد للخرائط وهي تعلن ما يشبه وقائع موت عربي معلن للكافة . فهل نقرأ التاريخ وهو يحفظ الخريطة وتبدلاتها فوق التضاريس الهشّة للدول العربية في غبار الوقت الذي أفلت منه الربيع بعيدا .. وهذا نص الحوار

ماهي الجذور العميقة لاندلاع الحرب العالمية الأولى من الزاوية الاستراتيجية ؟
-شهدت أواخر القرن الخامس عشر اكتشاف كولومبوس أمريكا، ومن بعده نجاح فاسكودى جاما فى الدوران حول إفريقيا ، ووصوله إلى "كالكوتا" فى الهند بعد رحلة استغرقت عدة أسابيع حيث تأسست المستعمرات فى إفريقيا وشرق آسيا حتى يمكن جلب خيراتها إلى الدول الاستعمارية . كما بدأ الصراع بين الدول المستكشفة(البرتغال وأسبانيا) وباقى الدول الأوروبية خاصة بريطانيا وفرنسا وهولندا للاستحواذ على أكبر عدد من المستعمرات، كلٌ حسب قوته العسكرية، رغم وجود اتفاقيات وعهود بينهم ولكن الطمع في حصد أكبر الغنائم كان هو الدافع دائما. وظهر ذلك جليا بعد دخول أوروبا عصر النهضة وعصر الصناعة الذى شهد شراهة الطلب على المواد الأولية والاستراتيجية، وكذا مصادر الطاقة اللازمة للصناعة .فكان لكل دولة منها سياساتها المستقبلية واستراتيجيتها الخاصة للحصول عليها مع المحافظة على مستعمراتها وتأمين خطوط مواصلاتها والنقل منها .
وكانت استراتيجيات الدول الاستعمارية فى تلك الفترة الزمنية متضاربة وتؤدى إلى الصراع والمواجهة العسكرية فى أى لحظة، وذلك لاختلاف المصالح ، وإن كانت متفقة على هدف واحد ودائم وهو استمرار نهب واستنزاف ثروات المستعمرات، وإضعاف سكانها والعمل على بقائهم على بدائيتهم وتخلفهم وكذا تأمين طرق المواصلات، مع قتال كل من يقترب من هذه المستعمرات . ولذا كان الموقف السياسى لهذه الدول الاستعمارية مضطربا دائما وعلى حافة الحرب فى أى وقت ولأتفه الأسباب ،وخير دليل على ذلك أن الحرب العالمية الاولى قامت وإشتعلت وعمت معظم دول العالم، استعمارية كانت أو غير ذلك، بسبب الأزمة الدبلوماسية بين الإمبراطورية النمساوية الهنغارية ومملكة صربيا والتى نشأت عن إغتيال ولى عهد النمسا على يد طالب صربى، استتبع ذلك إعلان الحرب بينهما ولكل مؤيديهما.

وهل هذا سبب يكفي لاندلاع حرب كبرى ؟
هو بالتأكيد سبب لا يرقى لدرجة إشعال مثل هذه الحرب الضروس. ولكن دائما ما تتخذ الدول الكبرى ذريعة لعمل أكبر . وقد كان الاحتلال البريطانى لمصر مثلا لذلك، والذريعة كانت حماية الأقليات فى مصر ..أما السبب المباشر فهو قتل عربجى مصرى رجلا مالطيا فى أثناء مشاجرة مفتعلة بينهما ، وهو سبب لايرقى لإشعال حرب واحتلال بلد ولكنها الأهداف والمصالح واسترايجيات تنفيذها.
وهكذا قامت الحرب العالمية الأولى بين الدول / القوى العظمى، والتي قسمت إلى مجموعتين: الأولى قوات الحلفاء أو الوفاق الثلاثي وهي المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وإيرلندا، فرنسا والإمبراطورية الروسية,والمجموعة الثانية وهي دول المحور أوالمركز وتضم الامبراطوريتين الألمانية و النمساوية الهنغارية والدولة العثمانية وقد توسعت هذه التحالفات مع ازدياد دخول العديد من الدول للمشاركة في هذه الحرب؛ مملكة إيطاليا (بعد تعديل دعمها للحلف الثلاثي الى الحلفاء)،و اليابان والولايات المتحدة انضموا إلى الحلفاء بينما انضمت الدولة العثمانية ومملكة بلغاريا لدول المحور /المركز. في النهاية فإن أكثر من 70 مليونا من العسكريين من بينهم 60 مليونا من الأوروبيين احتشدوا للمشاركة في واحدة من أكبر المعارك في التاريخ.

هل كانت الحرب اللحن الأخير لإمبراطوريات تخرج من كتاب التاريخ الى ظل الجغرافيا الشاحب ؟
في 28 يوليو1914م وذلك بعد شهر من اغتيال ولي العهد، قامت الإمبراطورية النمساوية الهنغارية بغزو مملكة صربيا و بالهجوم على روسيا، بينما قامت الإمبراطورية الروسية بحشد قواتها على حدودها مع بروسيا الشرقية .في حين قامت الإمبراطورية الألمانية بغزو بلجيكا ولوكسمبورج رغم إعلان حيادهما ثم مضت قدمًا لغزو فرنسا، مما جعل المملكة المتحدة تعلن الحرب على الإمبراطورية الألمانية. وبعد أن توقفت مسيرة الألمان في باريس وقعت حرب استنزاف في الجبهة الغربية وظهرت حرب الخنادق وهى من أشهر حروبها في الجبهة الغربية , واستمرت القوات الروسية تقاوم بنجاح ضد القوات النمساوية الهنغارية ولكن توقف القتال بسبب الغزو الروسي لبروسيا الشرقية ضد القوات الألمانية. وفي نوفمبر 1914م انضمت الدولة العثمانية للحرب وقد فتحت جبهاتها في القوقاز، وبلاد الرافدين وسيناء وانضمت مملكتا بلغاريا و إيطاليا للحرب عام 1915م ومملكة رومانيا عام 1916 و الولايات المتحدة عام 1917م.

هل انتهت الحرب لأن الإمبراطوريات القوية طردت الضعيفة من السوق الاستعمارية اذا استعرنا لغة الاقتصاد ؟
- انتهت الحرب فى 11نوفمبر عام 1918م بعد انهيار الحكومة الروسية في شهر مارس بسبب تبعات أحداث ثورتى فبراير والبلشفية ما جعلها تتوصل إلى اتفاق مع دول المحور/المركز. وكانت الإمبراطورية النمساوية الهنغارية وافقت في 4 نوفمبر 1918م على وضع هدنة عرفت باسم هدنة فيلا غوستي. ووافقت الإمبراطورية الألمانية على وقف الحرب بسبب المشكلة التي ظهرت فيها نتيجة اندلاع ثورة نوفمبر على أرضها. ووافقت على الهدنة في 11 نوفمبر عام 1918، وهكذا انتهت الحرب بانتصار وفرض إرادة دول الحلفاء على دول المحور/المركز.
وبنهاية هذه الحرب لم يعد للإمبراطوريات الثلاث وجود: الإمبراطوريات الألمانية، الروسية، النمساوية الهنغارية، إضافة إلى نهاية الدولة العثمانية. حيث فقدت الإمبراطوريتان الأوليان السابقتان العديد من الأراضي الكبيرة، بينما تفككت الأخرى تماما ولم يعد لها وجود. وقد أُعيد رسم خريطة أوروبا بالدول المستقلة وخلق دول جديدة بسبب التقسيمات الجديدة. كما تشكلت دول جديدة في الشرق الأوسط بعد نقل المستعمرات الألمانية وتقسيم مناطق الدولة العثمانية إلى القوى الأخرى, وطبقا لمعاهدة سايكس- بيكو .وتشكلت عصبة الأمم بهدف منع أي تكرار لمثل هذا الصراع المروع وهذه الحروب المدمرة

كيف دفع العالم العربي في هذه الحرب فاتورة أهمية موقعه الجيوبولتيكي ؟
-عند النظر إلى الوضع السياسى للوطن العربى فى ذلك الوقت سنجد أن الدولة العثمانية كانت صاحبة الولاية عليه، وأن موقعه الجيوبوليتيكى يضعه فى قلب الحركة وطرق المواصلات العالمية بين الشرق والغرب. ومن هنا كان تخطيط القوى الاستعمارية دائما يسعى إلى السيطرة عليه فكانت محاولات الغزو مثل المحاولات البرتغالية فى البحر الأحمر والحملتين الانجليزية والفرنسية على مصر ،بالإضافة الى مقاومة ومنع أى قوة تنشأ على أراضيه مثل محاولة محمد علي فى مصر وتحالف العثمانيين والإنجليز والفرنسيين رغم العداوة بينهم لاحتوائه وإفشاله وتحديد حجم قواته وحركته خارج حدود مصر ومن بعده أولاده، وخاصة بعد إنشاء قناة السويس. وقد نجحت بريطانيا فى غزو مصر واحتلالها عام 1881م .
عند قيام الحرب العالمية الأولى عصفت ريحها بالوطن العربى لأنه ضمن ولايات الدولة العثمانية ،وهى فرصة ذهبية للقوى الاستعمارية الغربية لتحقيق هدفها الدائم وهو السيطرة على الموقع الجيوبوليتيكى البالغ الأهمية للعالم العربي ، لتأمين مصالحها فدخل بعض العرب الحرب مجبرين من أجل التحرر من الاستعمار العثمانى كالشريف حسين والى مكة والمدينة ،ومنهم من تمت الحرب على أرضه، ثم استمر دعما لقوة الاحتلال مثل مصر ودول الشام .

المشروع اليهودي
تقول في كتابك الفكر الاستراتيجي للجماعات اليهودية إن هناك ارتباطا بين الحرب العالمية والمشروع الصهيوني القديم ؟
-منذ عام 1861م كان اليهود فى روسيا القيصرية قد نشطوا من أجل العودة الى فلسطين لإنشاء دولتهم المزعومة فى أرض الميعاد ،كما جاء بأسفارهم القديمة .وهى المملكة التى أقامها الملك داوود ويعتبرونها الإرث الأبدى لهم, وذلك ببدء الهجرة الفردية تحت رعاية جماعة أحباء صهيون وإقامة أول مستعمرة زراعية فى فلسطين واستتبعوها بإجراءات كثيرة أهمها الهجرة الأولى(العلياء الاولى)عام 1882 ثم ما سمى مؤتمر بازل فى أغسطس من عام 1897م والذى أعتمدت فيه الخطة التنفيذية لإقامة الدولة اليهودية والسعى لدى الدول الاستعمارية لتقديم المساعدة فى ذلك بما يتماشى مع قرارات المؤتمر السري فى لندن 1905م- 1907م ومعاهدة سايكس-بيكو والتى وضعت فلسطين تحت الإنتداب وليس ضمن تقسيم الغنائم.

كيف بدأت ملامح تنفيذ المخطط الاستراتيجي لبناء دولة إسرائيل ؟
فشل العرب فى تحقيق هدفهم وهو الاستقلال عن المستعمر، أيا كان اسمه أو نوعه. ونجح اليهود من مهاجرهم في استغلال النتائج والتمهيد لزرع جذور دولتهم المزعومة فى أرض العرب ،واستطاعوا الارتباط بالقوى الكبرى لتنفيذ أهدافهم ،حيث بدأ التطبيق الفعلي لاتفاقية سايكس بيكو سنة 1918 والمعارك لم تنته بعد، وذلك حين قسَم الجنرال اللنبي قائد الجيوش الحليفة المناطق العربية إلى ثلاث مناطق: واحدة تحت إدارة فرنسية (الساحل) وواحدة بإدارة عربية (الداخل) والأخيرة بإدارة بريطانية .و جاءت التغطية الدولية لها عبر مؤتمر الصلح في باريس سنة 1919 حين اقترح الرئيس الأمريكي ويلسون مفهوما جديدا للاستعمار هو "الانتداب"، وينص على تولي دولة كبرى شئون الدولة التي خضعت لفترة طويلة لإحدى الإمبراطوريات المتداعية كالدولة العثمانية فتساعدها الدولة المنتدبة حتى تصبح قادرة على إدارة شئونها بنفسها (هذا المفهوم ينطبق على فلسطين لمصلحة اليهود) .

تقول الوثائق التاريخية إن العرب رفضوا اتفاقية سايكس بيكو. فما هو رد الفعل الغربي الذي حول الاتفاقية إلى واقع جديد على الأرض ؟
عندما قرر المؤتمر السوري العام رفض اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور، وأعلن قيام المملكة السورية ونصب الأمير فيصل ملكا عليها، انعقد المجلس الأعلى للحلفاء بمدينة سان ريمون الإيطالية في أبريل 1920 وقرر ردا على ذلك تطبيق اتفاقية سايكس بيكو التي تقضي بوضع سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، والعراق وفلسطين وشرق الأردن تحت الانتداب الإنجليزي .
وتعهد مؤتمر سان ريمون كذلك بالعمل على تطبيق وعد بلفور، كما كانت بريطانيا مرتبطة مع الإمارات العربية الواقعة على سواحل الخليج العربي وعمان بمعاهدات حماية كذلك فرضت بريطانيا حمايتها على مصر والسودان وسيطرت إيطاليا على ليبيا واحتلت فرنسا ما تبقى من المغربي العربي وكرست سيطرتها على كل من تونس والمغرب والجزائر وموريتانيا والصومال. فأصبح هذا هو حال العرب الذين لم يستغلوا حراك الحرب ولكن فرض عليهم ما تم تخطيطه واتفق عليه من الغرب .

تقول في كتابك "الفكر الاستراتيجي لليهود" إنهم استغلوا الحرب الأولى لتحقيق حلم دولتهم فكيف تم ذلك على الأرض ؟
-نشطت الصهيونية بعد الحرب العالمية الأولي للعمل علي تحقيق أهدافها بدعم من بريطانيا ،فقد أصبح الباب مفتوحا علي مصراعيه أمامها بعد احتلال الحلفاء لفلسطين في أواخر الحرب العالمية الأولى، وبدأت تعمل بكل نشاط لتحقيق مخططها الرامي إلى إقامة الدولة اليهودية في فلسطين مع إخفاء التمسك بهذا الهدف.. وكانت قد عرضت أماكن أخرى كبدائل مثل أوغندا وكينيا والأرجنتين والعريش بسيناء وأخيرا مخاطبة اللورد كرومر من حاييم وايزمان لإمكان وضع جنوب السودان عام1903م .
وقد غدا وعد بلفور بقبوله في مؤتمر سان ريمون عام 1920م دستورا للسياسة البريطانية في فلسطين، يهتدى به في تنظيم مخططات بريطانيا الاستعمارية خاصة بعد أن أقر مجلس عصبة الأمم في 14 يوليو عام 1922م انتداب بريطانيا علي فلسطين فسارت الصهيونية مركزة جهودها علي تنظيم الهجرة اليهودية إلي فلسطين وإقامة المستعمرات اليهودية فيها لوضع أسس الوطن القومي لليهود.بدعم غير محدود من بريطانيا التي وضعت خرائط لفلسطين بمدنها وقراها بالاسماء العبرية لتسهل على اليهود عملية الهجرة الى فلسطين

رؤى توراتية
تصر في طرحك على أن تكوين إسرائيل ينطلق من أفكار توراتية رغم أن هرتزل كان علمانيا. فما هي الركائز العقائدية التى أسست لبناء الدولة اليهودية في فلسطين؟
- لقد تبنت الصهيونية العالمية مبادئ النبى عزرا الثمانية، والتي تلخص الأفكار الإستراتيجية التي وضعها عزرا والأحبار عند إعادة كتابة أسفارالعهد القديم بعد العودة من الأسر البابلى عام 530ق.م لكي تكون هي القواعد التي اتخذتها منهاجا وعقيدة وسياسة فيما بعد وهي:
1-اختار الله العنصر العبري ليكون شعبا مختارا له باختيار إبراهيم عليه السلام.
2- أعطي الله ميثاقه لهذا العنصر وهو ليس مجرد عقد بل عهد أزلى لا ينقض.
3- تنفيذا لهذا الميثاق أخرج العنصر العبري من مصر وأنقذه من بطش فرعون وأهلك كل من يعيش بأرض كنعان من أجله، وأسكنه فلسطين وملَّكه إياها كما زعموا.
4- انحرف العنصر العبري عن الطريق، فأفلت منه المُلك ولكن كيف يضيع الملك ومالكه هو الله.ربهم
5- اختار الله داود ودفعه إلي تحقيق الميثاق أي إنشاء الدولة الداودية (المملكة) ووجه الله له العهد بأن هذه الدولة الإلهية لن تزول. لهذا جعل الله للعنصر اليهودي المختار ملكا وأرضا ودولة.
6- علي العنصر العبري أن يتطلع إلى استرجاع هذا المُلْك بكل عقله وقلبه.
7-إن استرجاع هذا المُلك حتمي، لأن العنصر العبري لم ينحرف كله فقد بقيت بقية صالحة وبذلك يصدق عهد (يهوه) بأن ملك العنصر العبري الذي هو ملكه لن يزول.
8- ضرورة تحويل أمل العودة واسترجاع الملك إلي إرادة فعالة مخططة وعمل إيجابي من الشعب الموعود بالأرض والملك.
هذه الركائز الثماني منبثقة من ما اسموه بالوعد الإلهى لكل نبي من انبياء بني اسرائيل من ابراهيم حتى سليمان ،و قد جمعت ما يقرب من 24 نصا لهذا الوعد في الاسفار ،وقمت بدراستها في كتابي من عدة نقاط مثل : النبي الموعود ،ومكان وزمان الوعد، ومحتوى نمص الوعد وشروطه وحدوده واكتشفت ان النصوص كانت متعددة، وليست نصا واحدا يشير الى أن مانح الوعد واحد، ولكنها كتبت طبفا لرؤية الكاتب، أو الناسخ لكل سفر من الاسفار ورؤيته البشرية ما يؤكد زيفها وادعاءها بملكية تلك الأرض المنوحة

في كتابك تشير إلى أنواع من الصهيونية، لكل منها دور في الحراك السياسي الذي أدى إلى قيام دولة إسرائيل ؟
- استغل اليهود الحراك السياسى الدولى خلال بداية القرن العشرين لتنفيذ ما جاء بالكنيست الأول (مؤتمر بازل)، وذلك بتكليف الصهيونية العالمية بالقيادة لتحقيق قيام الدولة، مستغلة أشكالها العديدة فمنها الصهيونية السياسية ,الدينية ,القتالية, التوطينية, الإستيطانية ,العمالية, صهيونية غير اليهود ,ولكل منها اختصاصها ومهامها وتمويلها وجمهورها وقادتها ومفكروها.
فنجد أن السياسية تبنت العمل ومتابعة قرارات الثلاثة مؤتمرات الهامة وهى: مؤتمر لندن لهنرى كمبل بترمان وقراراته السرية (استغل لإصدار وعد بلفور)، ومؤتمر معاهدة سايكس بيكو، ومؤتمر سان ريمون وذلك بقيادة هيرتزل حتى وفاته عام 1904م. وتولى بعده حاييم وايزمان حتى تم إصدار قرار الإنتداب من عصبة الآمم وفى ديباجته قرار تنفيذ وعد بلفور, وقامت الصهيونيات التوطينية والإستيطانية والعمالية وصهيونية غير اليهود بتوفير اللازم من المال والفائض البشري من اوروبا والعمل الجاد على هجرة اليهود إلى فلسطين فرادى وجماعات: فكانت الهجرة الأولى عام1882م والثانية عام 1904 والثالثة عام1919م والرابعة عام1924م .
وكانت الصهيونية الدينية بواسطة الحاخام يهودا القلعي تبنت الفكرة القائلة بأن العودة تحت قيادة بشرية الى أرض الميعاد(فلسطين) من دون انتظار المسيح المخلص ضرورية لاستقباله فيها وحمايته ، حيث يحتلها الأغيار (كل من هو غير يهودى). فبدأ اليهود الأرثوذكس فى الهجرة على غير اعتقادهم القديم..
قصاصة ورق
و يقول بن جوريون معلقا علي ذلك: "إن وعد بلفور أو صك الانتداب من عصبة الأمم يظلان قصاصى ورق ما لم نعمل نحن علي استحضار اليهود إلي فلسطين وتهيئة الأرض للاستيطان علي مجال واسع".
وقد التزم اليهود بجميع طوائفهم وإنتماءاتهم العقائدية والسياسية بما أقره الكنيسيت الأول(مؤتمر بازل) بالخطة التنفيذية لإقامة الدولة فى أرض الميعاد التزاما صارما. وعقدت المؤتمرات الصهيونية كل عام تقريبا لمتابعة التنفيذ ، ودراسة المتغيرات والمشاكل التى تعوق التنفيذ لحلها. وهذه الخطة لم تصدر بها وثيقة، ولكن متابعة التنفيذ تؤكد وجودها .. ويمكن أن تكون مكونة من وجهة نظرى من أربع مراحل للعودة الحالية بنفس هذه المراحل في العصر الحديث وقام بالتخطيط الاساسي ووضعها النبي موسى للعودة الى ارض كنعان –فلسطين-

لكن الكثيرين يتكلمون عن ثلاث مراحل فقط لتأسيس الدولة الصهيونية فلماذا تقول إنها أربع مراحل؟ ..
في تصوري فإن مراحل تكوين دولة اسرائيل تنقسم الى اربع مراحل لكل مرحلة موعد وخطط خاصة وهذه المراحل هي
المرحلة الأولى: مرحلة التجسس والتسلل إلى فلسطين وقد بدأت هذه المرحلة في عام 1865م واستمرت حتى عام1917م
وكان هدفها الاقتراب واستكشاف أرض فلسطين - والتسلل إلى المواقع المهمة من الأرض التي يمكن إقامة استيطان (زراعي-صناعي- حرفي) فيها، له المقدرة الدفاعية عن كيانه .
-وقد قامت المنظمة الصهيونية العالمية بتنفيذ الفكر السياسي اللازم لهذه المرحلة والتمهيد لاختيار الوطن القومي لليهود من خلال المساعدات الأوروبية وخاصة الدول الكبرى الداعمة للمصالح المشتركة
- كما تم بناء النواة للقوة العسكرية لليهود في أرض فلسطين في شكل (منظمات شبه عسكريةخرجت الى حيز الوجود.
المرحلة الثانية: وهي مرحلة اغتصاب أرض فلسطين، وبدأت في العام 1917م مع وعد بلفور الذي كان أحد اخطر نتائج الحرب العالمية الاولى على الخارطة العربية واستمرت هذه المرحلة إلى العام 1947م.
و كان الهدف من المرحلة-العمل السياسي لتقنين الوجود اليهودي في فلسطين وتكوين الكيانات السياسية اليهودية (الوكالة اليهودية) وإنشاء المنظمة العسكرية(الهاجاناه)بالاضافة الى مقاومة المد الثوري الفلسطيني الذي اشتعل في ثورات عدة .واستهدفت هذه المرحلة أيضا
-التحول إلي الهجرة الجماعية لليهود الى فلسطين ،وإطلاق الإرهاب الصهيوني من المنظمات السرية ضد الفلسطينيين.
أما المرحلة الثالثة، فهي مرحلة التوسع وإقامة إسرائيل وبدأت المرحلة من عام 1947م واستمرت حتى يوليو 1973م.
وكان الهدف منها استمرار الإرهاب وتصعيده لطرد الفلسطينيين من الأرض والاستيلاء عليها، وإعلان قيام دولة إسرائيل
وزيادة معدلات الهجرة إلي فلسطين وتثبيت وضعية الدولة بالمنطقة
والعمل على توسيع حدود إسرائيل حتى تتطابق مع أرض مملكة داوود
وإعادة ترتيب وتوازن القوى بالشرق الأوسط في ظل مصالح الدول الكبرى، بإخضاع العرب وإنهاء مقاومتهم ومطالبتهم بأرض فلسطين...
وقد شهدت هذه المرحلة حروب إسرائيل التى مكنتها من إقامة الدولة وتحقيق الأمن لها وبمساعدة المجتمع الدولى بزعامة الدول الكبرى الفاعلة.
ويمكن القول بأن أهداف هذه المراحل الثلاث قد تحققت باقامة دولة اسرائيل، وليس الدولة اليهودية والدليل عدم تطابق حدود الدولة مع ما جاء بالعهد القديم(مملكة داوود).
المرحلة الرابعة هي مرحلة الإنكماش والسلام والفكر الاستراتيجى لإقامة الدولة اليهودية :
وتبدأ المرحلة من يوليو 1973م وتستمر حتى 2020،ةوقد تم تعديل موعدها الزمني الى 2030 طبقا للتخطيط الاستراتيجي الاسرائيلي الجديد ، والهدف من هذه المرحلةاحتواء آثار هزيمة حرب الغفران (أكتوبر 1973م) والتقليل من الآثار السلبية لها، بعد تقييم تنفيذ نظرية الأمن الاسرائيلى لمواجهة الواقع بعد الحرب ،ومحاولة فرض السلام فى المبادرات الدولية المعروضة من وجهة النظر الإسرائيلية ومعالجة الآثار السلبية لمعاهدة السلام مع مصر
كما تهدف الى استمرار وزيادة معدل الهجرة الى اسرائيل واستغلال الدعم الأمريكى لاستعادة زمام السيطرة على الموقف فى المنطقة من خلال الشرق-أوسطية المقترحة بأشكالها المختلفة
-الاستمرار فى تقوية وتحديث جيش الدفاع الإسرائيلى مع الاستعداد بل وتنفيذ الضربات الاستباقية لأى بلد عربى مجاور أو مؤثر فى ميزان القوى
وتسعى اسرائيل في هذه المرحلة الى العمل على تفتيت التجمع العربى وبصفة دائمة،والعمل على تنفيذ يهودية الدولة حتى يمكن إفراغها من الفلسطينيين
كما تستهدف العمل على قيام الصراعات الإقليمية فى المنطقة ،لإضعاف القوى العربية وحتى يمكن استكمال واستعادة أرض اسرائيل الكبرى .

هل ثمة التقاء بين مراحل تكوين اسرائيل ومخطط الشرق الأوسط الجديد الذي طرحه شمعون بيريز؟
يشير تاريخ اليهود والصهيونية دائما إلى عقيدتهما في تنفيذ الأهداف بجميع الوسائل والأساليب الممكنة والمتاحة في كل مرحلة أو فترة زمنية ويمكن إيجاز ذلك في الآتى :
استغلال للقوى الكبرى التى تكون حليفتها في تنفيذ ما لا يمكن تنفيذه بالقوة الذاتية لليهود في تلك المرحلة مثل دولة فارس للعودة الى كنعان بعد الأسر البابلى – بريطانيا وفرنسا بالقرنين التاسع عشر والعشرين في بدء وتنفيذ مخطط العودة لفلسطين–الولايات المتحدة والغرب عموما في تمكين وإستقرار دولة إسرائيل بعد إعلانهاوالاعتراف بدولة اسرائيل والمحافظة على أمنها وحمايتها ،كما جاء في نص الاعتراف بها وما قامت به الولايات المتحدة وهي القطب الأوحد في أوآخر القرن العشرين ومطلع الحادى والعشرين يكشف السعي الأمريكى لحماية إسرائيل فقد قامت امريكا ب:
(1)العمل على تنفيذ معاهدة السلام مع مصر والأردن منفردا لكل منهما مع العمل على وضمان عدم حضور الفلسطينيين مع مصر.
(2)الفتنة الكبرى في غزو العراق للكويت والتي تسببت في حرب تحرير الكويت او حرب الخليج الثانية،والتى كانت أهم نتائجها تقسيم العراق الى ثلاث مناطق وحصر صدام حسين في المنطقة الوسطى والأكراد في الشمال والشيعة في الجنوب بالإضافة الى شق الصف العربى تماما ورهن البترول العربى لصالح تكاليف الحرب
وتزامن ذلك مع إعلان مشروع شيمون بيريز عن السوق الشرق أوسطية لتمكين إسرائيل من اقتصاديات المنطقة العربية والذي رفض من العرب .
(3)إشعال حرب الخليج الثالثة بحجة القضاء على حكم صدام حسين ومن نتائجها تقنين أوضاع التقسيم بين السنة والشيعة والأكراد الذين منحوا حق الحكم الذاتى لمنطقتهم وهي المنطقة التى تصبو إليها إسرائيل لوجود الحدود الشمالية التاريخية للدولة اليهودية بها حيث نهر الفرات.
(4) وضع المخطط الأمريكى للشرق الأوسط الكبير/الجديد موضع التنفيذ
وتسعى اسرائيل بدعم أمريكي الى مقاومة فكرة السادات من أن حرب أكتوبر هى آخر الحروب،حيث أن السلام ضد الفكر الإستراتيجى اليهودى المبنى على العنف والحرب
ولذا جاء التخطيط الجديد على يد شيمون بيريز عندما أعلن عن السوق الشرق أوسطية ،التى رفضت من العرب فتولت أمريكا المهمة بإعلانها عن الشرق الاوسط الكبير المبنى فى جوهره على إعادة تقسيم المنطقة وتفتيتها عرقيا ودينيا وحدود الدم ،وهو ما عرفته كوندا ليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية بالفوضى الخلاقة (سايكس-بيكو الجديدة) لتصبح إسرائيل في نهايته الدولة المسيطرة في المنطقة، مع استغلال ضعف واستكانة أهل الأرض التى تريد أن تستولى عليها، والعمل على استمرارهذا الضعف وتفتيت قوتهم وتقسيمهم إلى شراذم متصارعة فيما بينهم
ولكي يتم ذلك تسعى اسرائيل ومعها الولايات المتحدة الى تقسيم الفلسطينيين طبقا لاتجاهات الدول العربية - المنظمات الفلسطينية وصراعها فيما بينها- ولتصبح هذه القوى من الضعف حتى لا تستطيع مواجهة ما تفعله إسرائيل من أحداث في المنطقة مثل تهويد الأراضى وتغيير المعالم التاريخية العربية لها،و ضم أراض جديدة من الضفة
- وقيام اسرائيل بأشكال العنف المفرط والعنصرية ضد العرب.
-وتدعم الولايات المتحدة اسرائيل في تكوين القوة الذاتية الإسرائيلية الرادعة بخلق القاعدة العلمية والصناعية والحربية وتطوير وامتلاك وسائل مطلقة للردع (تقدم تكنولوجى –صناعة حربية ثقيلة مثل الدبابات والصواريخ تطوير أسلحة الدمار الشامل)واستخدامها في المواجهة عند تهيئة المسرح الدولى والإقليمى لتحقيق هدف أو مخطط حل توقيت تنفيذه مثل الاستيلاء على الضفة الغربية والجولان وقطاع غزة وسيناء في حرب يونيو 1967م- تدمير المقاومة الفلسطينية ومعسكراتها في لبنان بالغزو للأراضى اللبنانية عام 1982 وفيه مذابح صبرا وشتيلا- العدوان على غزة على فترات.....

وماذا عن الربيع العربي ودوره في تطوير فكرة المقاومة للمد الاسرائيلي ؟
-إن الثورات العربية)الربيع العربى( الآن بأحداثها الجسام وأهدافها النبيلة في القضاء على الدكتاتوريات الحاكمة في العالم العربى يتم استغلالها في تنفيذ مخطط الفوضى الخلاقة التى أعلنته وزيرة الخارجية الأمريكية لتحقيق الشرق الأوسط الكبير وتقسيماته المختلفة وبما يتفق مع الأهداف اليهودية الصهيونية. فإذا كانت إسرائيل ترى حدودها الشمالية هي نهر الفرات فهي لن تصل إليها إلا بعد تفتيت العراق)وهو ما حدث( وكذا تفتيت سوريا )وهو ما يحدث الآن( ولا يبقى إلا تقنين هذا التقسيم مع ما ينتج عنه من صراعات دموية.. وهنا يأتى استخدام القوة الذاتية لإسرائيل حيث ستدعى بأن ما يحدث من صراعات يؤثر على الأمن القومى الإسرائيلى،
وعلى جيش الدفاع الإسرائيلى أن يؤمن دولته بالتوسع شمالا حتى نهر الفرات مع الوضع في الإعتبار المحافظة على إستمرار حالة عدم الاستقرار في مصر واستمرار ضعفها الإقتصادى وهي مهمة الدول الغربية كلها حتى لاتستطيع مصر أن تقوم بدور المنقذ في هذا الصراع الاستعمارى كما حدث عبر التاريخ وتكون خارج القوة والقيادة العربية في تلك الفترة ولكن ثورة 30 يونيو وقيادتها وشعبها الواعى تنبه لذلك وإتخذ من الاجراءات التى مكنته من إيقاف هذا المشروع وهو إيقاف مؤقت ويلزم لاستمراره توحد العرب ووعيهم بخطورته ومواجهته سياسيا وعمليا بمواجة الإرهاب بجميع أشكاله وفى أى أرض يكون ودعم الموقف المصرى فى جميع المحافل الدولية بالإضافة للموقف الإقتصادى لها والذى تراهن امريكا على فشله وبالتالى فشل مقاومة مشروع الشرق الأوسط الكبير هدفها هو والصهيونية العالمية راعية بناء الدولة اليهودية أو مملكة داوود.

ألا ترى ان هذا الكلام قد يقترب بشكل أو بآخر من نظرية المؤامرة وأنه صعب التحقق؟
-قد تبدو أبعاد ذلك المخطط بعيدة عن التحقيق نظرًا للمتغيرات الدولية المعاصرة وتشابك المصالح بين الدول الكبرى والدول العربية، وكذا الإدراك العربي والإسلامي لتحقيق وضع الدولة اليهودية، ولكن الصهيونية التي بدأت كمجرد فكرة باهتة منذ مئة وبضعة سنين قد سارت على الدرب المرسوم من قادتها، وتمكنت من تحويل هذه الفكرة الباهتة إلى واقع حي استفحل وجوده حتى تمخض في السنوات الأخيرة عن أزمة من أخطر الأزمات التي تواجه العالم ابتداء من النصف الأخير من القرن الماضي وحتى الآن؛ وهي أزمة الشرق الأوسط والتي عمادها الصراع العربي الإسرائيلي والذي يزداد تعقيدًا واتساعًا على مر الأيام، ولكن الصهيونية مازالت تؤمن بقدرتها على فرض الواقع وتشكيل التاريخ وارتقاء سلم يعقوب الذي يقف على أرض الواقع بينما قمته في السماء؛ فتلك عقيدتهم كما عبر عنها قادتها دائمًا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.