على الرغم من أن الجميع ينادى ليل نهار بتجديد الخطاب الدينى، خاصة فى هذا التوقيت الحرج الذى تمر به البلاد حاليا من إرهاب وجرائم قتل وتدمير وتخريب وترويع للمواطنين، جميعها يرتكب باسم الدين، فإننا نجد الجرعة التى تقدم فى الإذاعة والتليفزيون الرسمى من البرامج الدينية، أقل بكثير من أن تقوم بهذ الدور، ما جعلها تحتاج إلى تجديد وتطوير فى الشكل والمضمون وزيادة فى مساحة البث. فهل عجز القائمون فى الإذاعة والتليفزيون عن إنتاج برامج دينية تجذب المشاهدين والمستمعين، وتغنيهم حاجة السؤال واللجوء الى القنوات الفضائية الدينية الأخرى المتشددة والمتطرفة أو التى أنشئت من اجل أهداف تخدم أجندات بعينها؟ ولماذا لم يقدم احد البديل بعد غلق تلك القنوات مما أوقع كثيرا من الناس فى حيرة وتخبط، فى وقت تستعيد فيه الدولة وأجهزتها العافية؟! حول نسبة بث البرامج الدينية يقول عبدالخالق يوسف عطية الأمين العام المساعد باتحاد الإذاعة والتليفزيون، أن نسبة البث فى التليفزيون وفقا لعام 2013-2014 لا تتجاوز 00.81%من جملة البرامج الأخرى المقدمة، وفى الإذاعة 4.44% بما فيها برامج شبكة إذاعة القرآن الكريم، موضحا أنها جرعة ضئيلة جدا لا تكفى لسد رغبات المشاهدين والمستمعين للتليفزيون والإذاعة الرسميين. مشكلات متعددة وعن العقبات التي تحول دون التوسع في البرامج الدينية وتطويرها يقول مجدى درويش كبير مخرجى البرامج الدينية بالتليفزيون، إن هناك عدة معوقات تحول دون إتمام رسالتنا فى عملية تطوير البرامج، أبرزها: ضيق وقلة المساحة الممنوحة للبرامج الدينية مقارنة بمساحة البرامج المقدمة الأخرى، كما أن توقيت البث للبرامج الدينية يعد مشكلة أخرى تقف حائلا دون الوصول إلى شريحة كبيرة من المستمعين، مؤكدا انه إذا تمت إزالة تلك المعوقات فانه سيكون لدينا فرصة أفضل فى تقديم برامج دينية تلبى حاجيات المشاهدين من الجمهور والمستمعين، والدليل على ذلك انه حينما قام المسئولون بإذاعة برنامج «فاسألوا أهل الذكر» فى شهر رمضان الماضى على الهواء مباشرة ومدته 40 دقيقة فى توقيت مناسب فى الساعة الخامسة إلا الربع كل يوم، كان له مردود فعل طيب وايجابي لدى المشاهدين حيث كانت تأتى مئات المكالمات من المستمعين للرد على أسئلتهم، ولا يزال يذاع هذا البرنامج حاليا ولكن فى يوم الثلاثاء فقط من كل أسبوع فى الثالثة والنصف عصرا، وأيضا له مردود جيد. ازدحام الاستوديوهات وأضاف: إن من بين المعوقات التى تواجهنا فى تطوير البرامج الدينية فى التليفزيون، مشكلة ازدحام الاستوديوهات، موضحا أن هذه الاستوديوهات بها إمكانات مؤهلة لان تقدم برامج دينية فى صورة أفضل، ولكن العقبة تتمثل فى كثرة الحجوزات للبرامج الأخرى، مطالبا بزيادة عدد الاستوديوهات وتطويرها حتى يتسنى لنا عمل برامج جديدة تلبى رغبات الجماهير من المشاهدين فى كل التخصصات الدينية سواء كانت موضوعات اجتماعية ذات طابع دينى او الفتاوى او القيم والأخلاقيات الايجابية. وأشار إلى ان الفرق بيننا وبين القنوات الفضائية الدينية الخاصة، ان تلك القنوات لديها مساحات شاسعة لعرض برامجها ليلا ونهارا، وأيضا توقيت عرض البرامج فيها مفتوح اربع وعشرين وساعة بحيث يتمكن المشاهد من متابعتها فى اى وقت، ولكننا نتميز على تلك القنوات بأنه لا يتم استضافة ضيف من أشباه أو أنصاف العلماء والدعاة، فلدينا ضوابط وشروط للضيوف الذين يظهرون فى شاشة التليفزيون، من هذه الضوابط وأهمها لابد ان يكون الضيف من شباب وشيوخ علماء الأزهر والأوقاف المشهود لهم بالوسطية والاعتدال فى الفكر، وأيضا لديه قبول إعلامي ويتمتع بقدرات تجذب المشاهدين ويكون لديه تأثير فى المشاهدين، كما أننا فى برامجنا لا ننساق وراء القضايا والأمور التى تثير البلبلة والفتنة بين الناس، خاصة فى ذلك الوقت الحرج الذى تمر به البلاد حاليا. الكلام نفسه يؤكده هشام زين كبير مخرجى البرامج الدينية بالتليفزيون، موضحا انه للتغلب على أزمة ازدحام الاستوديوهات لتسجيل البرامج الدينية، نلجأ إلى أستوديو مسجد التليفزيون، وهو بالطبع غير مؤهل لذلك، وأيضا به مشكلة فنية كبيرة تتمثل فى عدم اشتماله على أدوات عزل الصوت مما يؤدى إلى تداخل أصوات من الخارج فى أثناء التسجيل، الأمر الذى يؤدى إلى عدم اكتمال جودة البرامج. قلة المخصصات وفى سياق متصل، يؤكد محمد القاضى مدير إدارة الإذاعات الخارجية للبرامج الدينية بالتليفزيون، انه توجد لدينا مشكلة فى زيادة إنتاج البرامج تتمثل فى قلة المخصصات المالية بالنسبة لتجديد الديكورات والإكسسوارات فى الاستوديوهات الخاصة بالبرنامج الدينية، وذلك نظرا للظروف الاقتصادية التى تمر بها البلاد عامة واتحاد الإذاعة والتليفزيون خاصة، ونأمل فى المستقبل القريب العاجل ان تتحسن تلك الظروف، مما يساعدنا على تطوير برامجنا الدينية سواء فى المحتوى والأفكار أو فى الطريقة، مما يؤهل تلك البرامج لان تواكب القضايا المستجدة على الساحة حاليا، والقدرة على جذب نسبة عالية من المشاهدين والمستمعين الذين يبحثون عن المعلومة الدينية الصحيحة من منبعها الأصلي. بداية التطوير وتعقيبا على ذلك، قالت مها مدحت رئيس الإدارة المركزية الدينية بقطاع التليفزيون، انه يوجد حاليا على شاشة القناة الأولى عدة برامج تم تطويرها بالفعل مثل»حديث الروح» الذى نأمل من رئيس التليفزيون فى أن يعود البرنامج إلى توقيته المعتاد وهو قبل نشرة التاسعة مساء مباشرة، نظرا لأهمية هذه الجرعة الدينية الوسطية البسيطة فى وقتها العميقة فى مضمونها، حيث يتم فيها الرد على الفكر المتشدد من خلال علماء الأزهر وعلى رأسهم الدكتور على جمعة مفتى مصر السابق، والدكتور احمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء. وأوضحت انه بالنسبة للفضائية والموجهة فانه سوف يتم الاحتفاظ ببرنامج «مع الطيب» للإمام الأكبر الدكتور احمد الطيب، شيخ الأزهر، و»حديث الصباح» لمفتى الجمهورية الدكتور شوقى علام، واستمرار برنامج»الرحمة المهداة» وهو أول برنامج دينى موجه إلى المسلمين بالخارج باللغة الانجليزية، لتأكيد الفكر الوسطى داخليا وخارجيا، كما نبحث حاليا إمكانية التواصل مع المشاهدين من خلال رسائل sms ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة حتى يجد المشاهد كل ما يريد معرفته عن أمور دينه على التليفزيون الرسمى. ونأمل مع عودة اللجنة الدينية العليا باتحاد الإذاعة والتليفزيون فى إعادة النظر فى تعديل مواعيد بث البرامج الدينية وإمكانية تطوير الاستوديوهات والديكورات الخاصة بتلك البرامج، كما نامل فى زيادة المساحة الممنوحة لنا على الخريطة ووضع البرامج الدينية فى دائرة الاهتمام بالتليفزيون، ولا ندخر جهدا فى وضع البرامج الدينية على خريطة التسويق بالقطاع الاقتصادي مما يسهم فى زيادة دخل العائد المادى من خلال الإعلانات . البرامج الإذاعية وبالنسبة للبرامج الدينية فى الإذاعة، فيوضح على مسعود السهيت مدير عام التخطيط الدينى بقطاع الإذاعة، ان مساحة البث الممنوحة للبرامج الدينية فى الإذاعة تعتبر مقبولة الى حد ما، وذلك نظرا للزحام الشديد لبرامج المنوعات الأخرى، ولكننا نأمل فى زيادتها فى المرحلة المقبلة، موضحا انه بالنسبة الى البرامج التى تقدم حاليا فهى بالفعل لا تلبى جميع حاجيات المستمع، لذا ندرس حاليا تطوير تلك البرامج من خلال طرح أفكار جديدة تناسب وتواكب القضايا العصرية، يقوم بمناقشتها علماء الأزهر المشهود لهم بالوسطية والاعتدال. كما ندرس دعم برامج الفترات المفتوحة المقدمة على الشبكات المختلفة للإذاعة، بحيث تشمل مادتها الإعلامية موضوعات دينية اجتماعية قريبة من المشكلات الحياتية للمواطنين، مما يزيد من تفاعل جمهور المستمعين مع تلك البرامج، بالإضافة إلى خطب صلاة الجمعة والحفلات الدينية المنقولة على الهواء مباشرة، بهدف إحياء منظومة القيم والأخلاق فى المجتمع والحث على المشاركة فى جهود التنمية التى تقوم بها الدولة حاليا من خلال المشروعات القومية العملاقة التى تخدم جميع الأجيال. قناة دينية متخصصة وللخروج من تلك العقبات التى تواجه تطوير البرامج الدينية بالتليفزيون، يقترح محمد عبد العزيز وكيل وزارة الإعلام للبرامج الدينية سابقا، إنشاء قناة دينية متخصصة بالتليفزيون على غرار القنوات المتخصصة الأخرى، على أن تخصص تلك القناة فى البرامج الدينية المتنوعة، ويعهد فيها الإفتاء إلى جهات محددة مثل دار الإفتاء ولجنة الفتوى بالأزهر ومجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار العلماء، مشددا على ضرورة أن تكون الفتوى مسجلة وليست على الهواء مباشرة، لأن الفتوى تحتاج إلى تحقيق فقهى شامل، مما يسهم فى ترشيد الفتوى وخروجها من مصادرها الأصيلة، ومحاربة الفكر المتطرف والمتشدد. كما يمكن لهذه القناة ان تسهم فى دعم الوحدة الوطنية، والقضاء على الانفلات الأخلاقي فى المجتمع، وذلك من خلال برامج يشترك فيها علماء الدين الإسلامي مع رجال الدين المسيحى، حيث إن الجميع من المسلمين والمسيحيين يتفقون على أساسيات الأخلاق، مثل ان الصدق فضيلة وان الكذب والزنا من الرذيلة، مشددا على ضرورة أن يشكل لهذه القناة مجلس أمناء من هيئة كبار العلماء الأزهر ورواد الإعلام الدينى وأجهزة الإعلام المختلفة، وذلك لوضع خطة العمل ومتابعة التنفيذ واختيار الضيوف والمتحدثين، بالإضافة إلى تخصيص برامج باللغات الأجنبية المختلفة للرد على الشبهات والهجوم على الرموز الدينية التى تثار من البعض فى الغرب من حين لآخر. فضائية الأزهر ومن جانبه شدد الدكتور طه أبو كريشة عضو هيئة كبار علماء الأزهر، على ضرورة الإسراع بخروج قناة الأزهر الفضائية إلى النور، من قبل اكبر مؤسسة إسلامية، الذى له الكلمة الفاصلة فى أى قضية دينية، لان المشهد الحالى فى المجتمع الذى يعج بأشكال التشدد والتطرف والأمية الدينية والانفلات الأخلاقي والفهم المغلوط للدين والإلحاد الذى بدا يطل برأسه حاليا دون خجل ودون استحياء على وسائل الإعلام فى جرأة لم نشهد لها مثيلا قبل ذلك، يجعل من إخراج هذه القناة إلى النور بمثابة الفريضة التى يجب ان نؤديها فى عصرنا الحاضر. وأشار إلى ضرورة الاستعانة فى تكوين هيئة هذه القناة بعلماء وأساتذة كلية الإعلام بجامعة الأزهر، حيث أنهم يجمعون بين الخبرة فى مجال الإعلام والتزود المعرفى للعلم الديني الصحيح، لان ثقافتهم هي ثقافة الأزهر، الذي هو قبلة العلم وحصن الأمة ضد الغلو والتطرف والانفلات.