لنفترض أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما وحلفاءه لديهم استراتيجية للقضاء على تنظيم داعش فى العراقوسوريا، دعك من تصور لاستراتيجية للمنطقة فى اليوم، السؤال الكبير هو، ترى ماذا سيكون شكل الشرق الاوسط بعد الضربة ؟ ليس فى مثل هذه الأمور الاستراتيجية، ضرب ودع أو قراءة طالع، نعرف ملامح الأحداث القادمة من أحداث اخرى سبقتها نحدد منها سلوك الدول استراتيجيا وقدراتها على الالتزام بالخطوط العريضة لاستراتيجياتها ومتى نجحت وفى اى الظروف كان الفشل لا النجاح هو حصادها؟ على المستوى الأكبر فى التصور ربما اول ما يتبادر الى الذهن عندما يعرض أوباما استراتيجيته لمواجهة التنظيم المتطرف الأكبر فى العراقوسوريا والذى أصبحت له دولة الآن تسمى داعش، اول ما يتبادر الى الذهن هو سيناريو مواجهة الولاياتالمتحدة مع القاعدة وطالبان فى أفغانستان بعد أحداث11 سبتمبر 2001 وما تلاها من تحويل منطقةجنوب آسيا المشتملة على أفغانستانوباكستان الى مرتع للطائرات بدون طيار مما جعل فكرة السيادة الوطنية فى بلدان مثل باكستانوأفغانستان محل شك كبير. تحول اقليم بيشاور وبعض مناطق باكستان الأخرى بكل ما لدى باكستان من حيش وقوة نووية الى ورشة ارهاب، وأصبح الهم الأكبر للغرب ومعه الهند هو تأمين السلامة والسيطرة على السلاح النووى الباكستانى. لم ينجح الأمريكيون فى أفغانستان، منذ حربهم مع الاتحاد السوفيتى حتى الآن فكلما دخلوا حربا هناك تركوا مخلفات أسوأ من تلك التى ذهبوا لهزيمتها. ذهب الأمريكان لهزيمة الشيوعى نجيب الله حليف السوفيت فى أفغانستان وتركوا بدلا منه طالبان والقاعدة. فشل الأمريكان فى المهمة فسلموا الأمر لقيادة محلية متمثلة فى نظام حميد كرزاى ومعه قوة تأمين ومساعدة دولية جوهرها قوات حلف الناتو لدعم الحكومة الأفغانية البازغة ضد الجماعات المتمردة والتى تسيطر على مناطق كبيرة من أفغانستان كما يسيطر تنظيم داعش على أقاليم كبيرة فى سورياوالعراق. قوة الناتو فى أفغانستان المعروفة ب ( إى ساف ) أو القوة الدولية للمساعدة الأمنية التى تهدف الى مساعدة الحكومة الأفغانية تعمل فى أفغانستان منذ سنوات ولم تقدم لنا نتيجة تذكر فى استقرار ذلك الإقليم من جنوب اسيا، فهل سيختلف ما تتركه أمريكا فى منطقتنا عن إرثها فى أفغانستانوباكستان ؟ السلوك السياسى الأمريكى فى العراق على سبيل المثال خلال السنوات العشر سنوات الفائتة لا يبشر بخير . مثلما كان الحال فى أفغانستان المتمثل فى الهروب المبكر وتسليم الدولة الى اى قيادة محلية بهدف أن تغسل أمريكا يدها من المشهد كان الحال فى العراق .لفلفة العراق وإغلاق الملف من السنة الاولى للغزو كان هدف أمريكا الأول بعد القضاء على نظام صدام وخصوصا بعد أن فلت العيار، حينما قرر بول بريمر تسريح الجيش ضمن مشروعه الأول المعروف بتفكيك حزب البعث. واختارت وكالة ال «سى آى إيه» أن تسلم العراق للشيعة ولسياسى مغمور يدعى نورى المالكي، كان طيلة فترة حكمة مع تطييف قيادات الجيش وإبعاد القادة السنة لحساب قادة جدد موالين له ولايران فى الوقت ذاته. فى هذا المشهد دخلت المنطقة فى حرب شيعية سنية، غير معلنة ممتدة من العراقوسوريا الى لبنان مرورا بالبحرين واليمن. فى هذا الجو الطائفى ظهر تنظيم داعش ووجد فى المعسكر السنى من يدعمه، ليس حبا فيه وإنما كرها فى المالكى وفى تسليم العراق للشيعة ولايران بالتحديد. هل ستدخل أمريكا الآن فى سوريا لمواجهة داعش وبهذا تجد نفسها داعمة لنجيب الله سوريا وليس ضده، أى أن المعادلة الأفغانية مقلوبة؟ وهل سيوافق المشاركون العرب على بقاء نظام الأسد الحالى مؤقتا وربما التحالف معه من أجل القضاء على داعش؟ وهل فى انتصار الأسد وتمكينه انتصار لإيران واستراتيجياتها فى المنطقة، وكيف سيبتلع السنة تلك التركيبة الجيوسياسية الجيدة او الجيوطائفية، بمعنى جغرافية سياسية للشرق الاوسط الجديد أساسها الطوائف للدول؟ هل فكرت الدول السنية المتحالفة مع استراتيجية أوباما فى اليوم التالي؟ وهل فكرت الدول السنية المتناقضة ( تركيا ومصر والسعودية مثلا)؟فى تبعات اليوم التالى للمواجهة ؟! أفضل السيناريوهات التى يمكن ان اتصورها بعد مواجهة أوباما مع داعش هو تحويل الشرق الأوسط الى حالة جنوب اسيا، ربما ليس بكل المدة الزمانية، اى لن اقول من نهاية سبعينيات القرن الماضى الى الان مع ان هذا جائز ولكن اقول بشكل محافظ جدا أن منطقتنا ستشبه الى حد كبير منطقة أفغانستان- باكستان بعد 11 سبتمبر 2001 الى الآن. سيناريو آخر متوقع كنتيجة لاستراتيجية أوباما هو إعطاء زخم جديد للجماعات على حساب الدول، فبعد بقاء القوات الغربية لفترة أطول فى المنطقة ستظهر الحركات المختلفة وخصوصا الاسلامية المهزومة مثل جماعة الإخوان معلنة فشل الدول فى مقاومة الاستعمار الجديد الخ الخ ومن ثم يتم غسيل الإخوان على غرار غسيل الأموال فى المنطقة مرة اخرى ونعود بلغة الى الوضع « كما كنت» قبل الربيع العربي. السيناريو الثالث هو لبننة المنطقة برمتها وتحويلها الى لبنان كبير بكل مشكلاته، شيء أشبه بعولمة الحالة اللبنانية أو ربما صوملة المنطقة. سيبقى اهتمام أوباما الذى سيترك المنصب والقوات الأمريكية مازالت تحارب داعش، سيبقى اهتمامه كما الرئيس الأمريكى الأسبق كارتر رئيساً لمركز حقوق إنسان ومراقبة انتخابات وربما يرشح لجائزة نوبل للسلام بعد وضع البذور الاساسية لتفكيك الشرق الاوسط الى الأبد. والهم الأمريكى الأول كما يعرف الجميع ثلاثى الأبعاد: أمن اسرائيل وأمن الطاقة وسلامة وصولها للغرب الصناعى وتأمين قناة السويس. اذا ما ضمن الغرب الطاقة وقناة السويس حتى اسرائيل يمكنه أن يتغاضى عنها ساعة يجد الجد. داعش من وجهة نظرى خطر محدود، الخطر الأكبر يكمن فى استمرار الفراغ الاستراتيجى العربى الذى سيستمر كما المغناطيس الضخم يكذب كل القوى والجيوش الطامعة فى مقدرات المنطقة. فبدلا من قبول استراتيجية أوباما التى سيعلنها على علاتها، على العرب طرح استراتيجية بديلة تؤمنهم من عواقب اليوم التالى للمواجهة، حتى لا تتحول منطقتنا الى أفغانستان كبرى ويصبح حلف الناتو جزءا من لغة المنطقة كما لوكنا نتحدث عن فول وفلافل. لمزيد من مقالات د.مامون فندى