يبدو أن دول الخليج العربى رأت أن الأوضاع الإقليمية وخاصة الخطر الذى يمثله تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام «داعش» أصبحت لا تحتمل استفحال عمق الشرخ فيما بينها فالفوضى والتدهور المستمر داخل سوريا والفراغ الأمنى نتيجة غياب السلطة المركزية فى العراق سمحا لهذا التنظيم بأن يتمدد فى مساحات واسعة داخل بيئة سياسية مضطربة أدت الى استشعار دول الخليج بالتهديد من احتمالات تقدمه نحو أراضيها. فهل دفعت «داعش» دول مجلس التعاون الخليجى إلى وضع حد لخلافاتها؟ ثمة بعض المؤشرات الواضحة بدت تؤكد أن الخطر «الداعشى» لا يقتصر على الأراضى السورية والعراقية فحسب بل أصبح ككرة اللهب التى تتدحرج سريعا وقد تمتد الى الدول المجاورة وخاصة دول الخليج العربى. فالخريطة الجديدة للدولة الإسلامية فى سورياوالعراق والتى نشرها التنظيم مؤخرا, تظهر فيها دولة الكويت باعتبارها جزءا من الدولة الإسلامية, مما دفع مجلس التعاون الخليجى لعقد قمة جدة الأخيرة وذلك لبحث أفضل السبل لتنحية الخلافات فيما بينه, تمهيدا لوضع حد سريع وعاجل لتنظيم «داعش». وكما يقول حسن قائد كاتب ومحلل سياسى اماراتى إن الدول المعتدلة داخل المجلس (السعودية والإمارات والبحرين) حرصت على أن تؤجل خلافاتها مع «المتطرفين الخليجيين» فى إشارة الى دولة قطر. وأضاف أن الدلائل تشير الى أنه بسب تمدد خطر داعش على أمن الخليج كان لابد من إعطاء فرصة لقطر لعلها قد تكون استشعرت الخطر القادم أو استشعرت تهديد أمنها فتفكر فى العودة للأسرة الخليجية. فى الواقع أن مجلس التعاون الخليجى مازال الكتلة العربية الوحيدة التى تحاول الاحتفاظ بتماسكها فى ظل الإضطرابات المتسارعة التى يشهدها الوطن العربى. وكما أكد أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتى للشئون الخارجية "أن المصلحة تكمن فى خليج عربى قوى نحصنه ونبعده عن خلافات المنطقة وتجاذباتها ومكاننا مع أشقائنا والجهود المشتركة تنجز أكثر من العمل الفردى". ومن منطلق هذا الفكر أيقنت الدول الخليجية أن من بين أكثر الأطراف الفاعلين والمهددين من ظهور خطر «داعش» هى الدول المتاخمة مع العراق وهى السعودية والكويت والتى باتت سيطرة التنظيم على حدودها قاب قوسين أو أدنى. وهو الأمر الذى تعتبره دول مجلس التعاون الخليجى تهديدا صريحا لأعضائها وفقا لميثاق تأسيس المجلس عام 1982. وفى ظل هذا القلق المتنامى داخل المجموعة الخليجية, يرى جاسم حميد مفكر اماراتى أن هذا التنظيم صناعة أمريكية يراد بها تقسيم المنطقة بعد فشل الخطة «أ» التى أعدتها أمريكا لتقسيم الشرق الأوسط من خلال الدفع بالإخوان المسلمين فى عدة دول عربية عن طريق قطر وتركيا. فما كشفت عنه هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة فى كتابها «خيارات صعبة» عن دور بلادها فى إنشاء تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام من أجل تفتيت الشرق الأوسط يأتى ليؤكد الواقع الذى يحدث حاليا على يد نظام «داعش» فى كل من سورياوالعراق والممارسات الوحشية الذى يقوم بها والتى تصب فى نهاية المطاف فى مخطط التقسيم الذى انطلق مع مشروع "الفوضى الخلاقة" الذى أطلقه المحافظون الجدد فى عهد الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش. و يؤكد المفكر الإماراتى أن الولاياتالمتحدة لم تدرك أن «آلة الموت» التى صنعتها دفعت دول الخليج الى تنحية خلافاتهم جانبا بدلا من تمزيقهم كما أرادت. فكانت «داعش» هى كلمة السر التى جعلت الدول الخليجية أن تلتف وبجانبها مصر على قلب رجل واحد. ويرى كثيرون من المحللين السياسيين أن دعوة الولاياتالمتحدة يوم الجمعة الماضى بتشكيل «نواة تحالف» على هامش قمة حلف شمال الأطلسى فى ويلز لوضع استراتيجية لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية"، جاءت بعدما أصبح التنظيم يهدد الغرب وبات خطرا واضحا على أوروبا وأمريكا بشكل كبير. وأن بيت القصيد فى هذه المسألة برمتها أن "داعش" أصبح يشعر بقوته فى إقامة الدولة الإسلامية فى العراقوسوريا، لذلك رأت الولاياتالمتحدة أن التنظيم خرج عن المهمة الأساسية التى رسمت له، وهى تقسيم الوطن العربى وأصبح يهدد مصالحها ومصالح الغرب. ويحذر الكاتب حسن قائد من خطورة دعوة أمريكا من تشكيل «نواة تحالف» يورط ويزج فيها دول المنطقة العربية. ويؤكد أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما يمشى على خطى بوش الأب الذى كون تحالفا دوليا كبيرا وقت تحرير الكويت فى حرب الخليج لكى يعمل بسند اقليمى ودولى كبير ويرفع عن بلاده كلفة الحرب. وأشار الكاتب الإماراتى الى أن أمريكا قدمت ل «داعش» دعما غير مباشر عندما تركوه يستفحل منذ البداية ولم تتحرك فى الوقت المناسب لقطع أذنابه.