احمد عرابي، ذلك الزعيم المصري الذى يطل علينا بصورته التقليدية المحفورة فى اذهان اطفال المدارس فضلا عن الاجيال الكبيرة التى قرأت عنه بعمق، تلك الصورة التى تتلخص فى زيه العسكري وسيفه وطربوشه الذى كان غطاء الرأس التقليدي حينذاك، بالاضافة الى وجهه الذي يزينه شارب عريض يضفى الى صاحبة شيئا من الوقار،دعك من ملامح وجهه الجادة والتى تعكس وراءها طيبه ونقاء قلب ووطنية تلك الصفات التى تميز كل ابناء محافظة الشرقية. أحمد عرابي لم يكن مجرد طفل صغير تلقى تعليمه الديني فى القرية حتى دخل المدرسه الحربية ، ولكنه عانى وكافح من اجل الحصول على رتبية اميرالاي (عميد حاليا) فى سن العشرين وهذا لم لم يكن مألوف حينها ان يحصل مصري على هذه الرتبة. كان هناك العشرات من الضباط المصريين فى الحربية المصرية، ولكن احمد عرابي فقط من تجرأ أن يلقي بحجر كبير فى مياه السياسة المصرية التى كانت مليئة بالاستبداد والعبودية والكيل بمكيالين، حين قامت الثورة العرابية فقد قامت هذه الثورة مرتين، الأولى منها كانت في فبراير عام 1881 وكانت مقصورة على جنود الجيش المصري فقط ، والثانية في 9 سبتمبر 1881 اندلعت الثورة العرابية بقيادة عرابي وبعض الضباط بالجيش المصري وشملت أيضا المدنيين من جميع فئات الشعب حدثت تلك الشرارة عندما تم نقل الأميرالاي عبد العال حلمي قائد آلايى طرة إلي ديوان الحربية، و تعيين أحد الأتراك الشراكسة مكانه. و علي أثر ذلك تجمع الضباط المصريون في منزل أحمد عرابي في 16 يناير 1881 م لمناقشة عزل الأميرالاي وأحوالهم المتدنية في الجيش. و أسفر الاجتماع عن تزعم أحمد عرابي لحركة الضباط و كتبوا عريضة تطالب رئيس الوزارة رياض باشا بعزل الوزير التركي عثمان رفقي و تعيين مصري مكانه.و علي العكس قامت الحكومة باعتقال أحمد عرابي و زميليه علي فهمي و عبد العال حلمي و قدمتهم للمحاكمة العسكرية. فقام زملاء الضباط الثلاثة بالخروج علي رأس فرقهم العسكرية و حاصروا مقر المحاكمة العسكرية في قصر النيل ، فهربت اللجنة العسكرية و خرج الضباط الثلاثة. اتجه الضباط الثلاثة إلي ميدان عابدين لمقابلة الخديوي ، و أمام التجمهر في عابدين اضطر الخديو إلي عزل عثمان رفقي و تعيين المصري محمود سامي البارودي وزيراً للحربية في 1 فبراير 1881. الموجة الثانية للثورة العرابية.. "عرابي مواجهاً الخديوي توفيق" تسببت فى تلك الموجه حادثة مقتل أحد الجنود المصريين عندما صدمته سيارة يقودها أجنبي إلي زيادة التوتر و تصاعد الأحداث ، فقد قام الجنود بحمل القتيل إلي سراي عابدين ، و استاء الخديو من هذا المسلك ، فحوكم المشاركون في المظاهرة و تم نفيهم للسودان. و عندما أخذ البارودي جانب الجيش و اعترض علي محاكمة الجنود ، لم يقبل الخديو اعتراضه، فقدم البارودي استقالته. و اتفق عرابي مع زملائه علي حشد الجيش لمواجهة الخديوي في ميدان عابدين في 9 سبتمبر 1881 م ، و في اليوم المحدد ذهب عرابي بصحبة 4000 من الجنود وجموع الشعب وعرض احمد عرابى مطالب الشعب . رضخ توفيق لمطالب الجيش حين رأى التفاف الشعب حول عرابي بالاضافة الى نصيحة القنصلين الإنجليزي و الفرنسي ، فاستجاب الخديوي توفيق للمطالب و قام بعزل رياض باشا و تم تعيين شريف باشا رئيسا للوزارة ومحمود سامي البارودي وزيرا للحربية وأحمد عرابي وكيلا لها كما انشئت القوانين العادلة وتعدلت الرواتب وتم صرف الحقوق الموقوفة وانشئ مجلس النواب برئاسة ابو سلطان باشا وعرض على أحمد عرابي رتبة ( اللواء ) فرفض حتى لا يقال أنه يسعى لمصلحته الشخصية . "إفتتاح مجلس الشورى وتخوف فرنساوانجلترا.." تقدم ألف و ستمائة من الأعيان بمذكرة لإنشاء مجلس نواب علي غرار مجالس أوروبا ،و تم انتخاب نواب المجلس و افتتح المجلس النيابي يوم 26 ديسمبر 1881.. رأت إنجلترا و فرنسا أن تشكيل مجلس النواب يمثل خطورة علي مصالحهما. و لما لم تتمكن الدولتان من إلغاء مجلس النواب، طلبتا ألا تتضمن لائحة المجلس مناقشة الميزانية و إقرارها، لأنها أمور تتعلق بالديون. و تحرج موقف شريف باشا، و عرض علي النواب تأجيل النظر في الميزانية حتي يفوت الفرصة علي تدخل الدولتين ، غير أن العرابيين تشبثوا بحق المجلس في إقرار الميزانية باعتبار أن ذلك حق من حقوق الأمة الممثلة في المجلس المنتخب.. "البارودي رئيسا للوزراء وعرابي وزيرا للحربية وإصدار دستورا للبلاد.." أمام إصرار الطرفين علي موقفيهما من مناقشة الميزانية، استقال شريف باشا و تألفت وزارة برئاسة البارودي الذي عين أحمد عرابي وزيراً للحربية. و بادرت الوزارة بإعلان الدستور في 7 فبراير 1882 و إقرار حق المجلس في مناقشة الميزانية ، و هنا أحتج الرقيبان الفرنسي و الإنجليزي و طالبا قنصليهما بالتصرف. "السفن الفرنسية والانجليزية تحاصر شواطئ الاسكندرية.." قامت انجلترا و فرنسا بارسال قطع بحرية علي الشواطئ المصرية في 19 مايو 1882 م بحجة حماية الرعايا الأجانب إذا ما تعرضوا للخطر بسبب الأزمة القائمة. و أرسلت الدولتان مذكرة تطلبان فيها استقالة البارودي و خروج أحمد عرابي من مصر . فرفضها البارودي و أقسم مع العرابيين يمين الدفاع عن البلاد و الولاء للثورة .فما كان من الخديوي توفيق إلا أن قبل المذكرة فاستقال البارودي احتجاجاً. و قام توفيق بتشكيل وزارة برئاسته. و بدأت انجلترا تتحين الفرصة لدخول مصر، و جاءت الفرصة يوم 11 يونية 1882 وذلك في شجار ملفق قام بين رجل ملطي من الرعايا الأجانب و مكاري ( عربجي) مصري علي الأجرة ، فقام المالطي بطعن المصري طعنة قاتلة، فتطور الأمر إلي معارك متبادلة بين الأجانب و المصريين. "دخول انجلترا مصر .. معركة التل الكبير.." في الحادي عشر من شهر يوليو عام 1882،قام الجنرال سيمور قائد الأسطول الانجليزي بضرب الاسكندرية و استشهد 2000 من المصريين نزلت القوات البريطانية الأسكندرية و حاصرت قصر الخديوي لحمايته، و أعلنت الأحكام العرفية، و ربط الخديوي مصيره بانتصار الإنجليز، وانسحب عرابي مع وحدات الجيش إلي كفر الدوار لإقامة خط دفاع ثاني. و في 5 اغسطس ، هاجمت القوات الانجليزية كفر الدوار ولكن صمد الشعب مع الجنود مما اجبر الغزاة علي العودة للاسكندرية ، وفي 20 اغسطس انزلت انجلترا ما يقرب من 30 ألف جندى ببورسعيد وفي اليوم التالي تم الاستيلاء على الاسماعيلية فتجمع عرابي مع 13000 جندى في التل الكبير وهاجموا مواقع الانجليز وضربوا الكثير منها وقرر عرابي تكرار الضربة ليلا فأخذ يوسف خنفس –قائد حامية القاهرة- الخائن لخطة عرابي واذاعها لقادة الانجليز وبالتالي انكشفت الخطة وكانت الهزيمة.. القبض على أحمد عرابي ومحاكمته وصل عرابي الي القاهرة للدفاع عنها وتقدم بطلب للخديوي توفيق لوقف الحرب فرفض وفي الرابع عشر من شهر سبتمبر عام 1882 دخلت القوات الانجليزية القاهرة وتم القبض علي أحمد عرابي ورفاقه واحيل للمحاكمة في الثالث من ديسمبر عام 1882 واستمرت محاكمته 15 دقيقة ثم حكمت المحكمة باعدام عرابي مع تجريده ورفاقه من الرتب والاملاك ولكن الخديوي خفض الحكم الي النفي.. وتم نفي عرابي وزملائه عبد الله النديم ومحمود سامي البارودي إلى سريلانكا "سيلان سابقا" .