خمسة أيام في رحلة للمغرب العربي لم أشعر فيها بالغربة عن مصر، فعشق الشعب المغربي المضياف للمصريين والسينما المصرية وللفن المصري بشكل عام عبد الحليم وأم كلثوم كل هذا جعلني أشعر أني لم أغترب، فكنت اتنسم عبير الوطن في كلام الناس وقصصهم عن مصر وفنها وأهلها. الشعب المغربي المشهور بطعامه في الطاجين المغلق بغطاء واللحم بالقراصية والكسكسي المطبوخ كبديل للأرز، والحمام المغربي والصابون والطمي الطبيعي، وهذا موجود في سوق حبوس وهى سوق بحي الأحباس أو الحبوس كما يسميها البيضاويون، الكائن قرب القصر الملكي، ومن المعالم السياحية الكبرى في مدينة الدار البيضاء. ويسمى الحي ب الأحباس لأن الأرض التي بني عليها هي هبة ممنوحة للمؤسسة الدينية من قبل حايم بن دحان، وهو حي ثقافي وحضاري بامتياز، ففيه يجد المثقفون كل ما يبحثون عنه من ذخائر وكنوز فكرية في سلسلة من المكتبات الكبرى المتراصة والمتجاورة، التي تعرض آخر ما جادت به المطابع في بيروت والقاهرة والرياض، وبغداد سابقا، من ثمار الفكر الإنساني والسياسي والفلسفي في مختلف تخصصاته. تقع المكتبات ودور النشر في زنقات ضيقة متعرجة، وشرفات تزوق واجهات، وأقواس تحتضن المارة، فالحي ينفرد بأقواسه وبنائه المعماري المستلهم من روح الهندسة العربية والإسلامية، بالإضافة إلى لمسات من الهندسة الغربية والأوروبية من بقايا الحقبة الاستعمارية. فضلا عن المكتبات الزاخرة والمباني التي تعد تحفا معمارية فإن الحبوس مشهور أيضا بالمحال التي تعرض ما انتجته يد الصانع التقليدي من ملبوسات جلدية، وأوان نحاسية وتشكيلات فنية جميلة، وزرابي ملونة تحمل في طياتها الأصالة المغربية بكل ما تتضمنه من حمولة تراثية، وتعرض بوفرة على الواجهات، وعلى الأرصفة أيضا. مزار آخر أكثر روعة وإشراقًا هو مسجد الحسن الثاني والذي يقع على مساحة فدان على الساحل وهو أكبر مساجد البلد وسابع أكبر مساجد العالم، مئذنته أندلسية الطابع ترتفع 210 امتار وهي أعلى بناية دينية في العالم بنيت في فترة حكم الملك الحسن الثاني بدأ العمل فيه في عام 1987 وأكتمل في ليلة المولد النبوي عام 1993. وتتعدد الأبنية الملحقة بالمسجد لتشكل مجمعا ثقافيا متكاملا، وتزين جدرانه وأعمدته زخارف الزليج أو فسيفساء الخزف الملون وخشب الأرز المحفور الذي يجلد صحن المسجد والجبس الملون والمنقوش في الحنايا والأفاريز، وقد صمم المسجد المعماري الفرنسي ميشال بينسو ونفذته المجموعة الفرنسية بويج. من الاماكن الفريدة أيضًا ساحة «الحمام» وهي مساحة واسعة تتوسطها نافورة مياه ولا تفارقها أسراب الحمام، لتضفي على المكان سحرا خاصا ولتصبح قبلة للمارين امامها أو بجوارها لالتقاط الصور التذكارية والتأمل وإطعام تلك الأسراب من الحمام، لتشعر بصفاء نفسي غير مسبوق. وفي وسط المدينة وتحديدًا في شارع الحسن الثاني تجد ساحة محمد الخامس والتي تنوعت تسميتها حتى استقرت على هذا الاسم فسميت في الأصل الساحة الكبري ثم ساحة النصر ثم ساحة ليوطي لتسمى بعدها الساحة الإدارية فساحة الأممالمتحدة أما اليوم فتسمى ساحة محمد الخامس على اسم الملك الراحل وتخليدًا لنضاله من اجل تحرير بلاده. من اروع ما رأيت أيضا تلك المساحات الشاسعة من الجبال الخضراء فبطول الطريق بين كازابلانكا وطنجة تجاورك الجبال التي يكسوها اللون الأخضر والتي تتم زراعتها على مياه الامطار. بلد ساحر بطبيعته وأهله تشعر بالحزن عند مغادرته وتتمنى العودة يوم ما، فقلما تجد هذا التناغم بين جمال الطبيعة وطيبة الأهل.