فى منتصف شهر أغسطس 2014 تم عرض أمر «الخلافة» الجديدة التى أسسها تنظيم «الدولة الإسلامية» على الأراضى التى استولى عليها فى الشهور الأخيرة فى كل من العراقوسوريا. وأقر مجلس الأمن فى أول تعامل له مع تلك «الخلافة» عدة إجراءات عقابية ضدها. ولكن يبدو أن تلك الخطوات والإجراءات جاءت مغلفة بإطار من التلكؤ والاستحياء المبالغ فيه إزاء باقة المذابح وعمليات التدمير والتخريب وعدم الاستقرار والجرائم ضد الإنسانية التى إرتكبها التنظيم باسم الدين فى المنطقة على مدار عامين!! فعقب غزو الولاياتالمتحدة الأراضى العراقية فى عام 2003 صدرت توجيهات لمجلس المخابرات الوطنى الأمريكى بوضع تقديراته لوضع الشرق الأوسط فى المرحلة التالية. وفى نهاية عام 2004 جاءت الإجابة متضمنة سيناريو متوقع لقيام «دولة خلافة» قبل عام 2020 وإحداثها قدرا هائلا من الاضطرابات والعداوات على المستوى الإقليمى والدولى خاصة فى قارتى آسيا وإفريقيا مما يؤدى إلى تأليب العالم عليها قبل إسقاطها. وعلى الرغم من تلك التوقعات، ووجود بوادر سابقة مصاحبة لظهور تلك «الخلافة» على يد تنظيم «الدولة الإسلامية فى العراق والشام» سابقا، والذى غير اسمه إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» فى نهاية يونيو 2014، فإن الدول الكبرى أصرت على موقف «علنى» سلبى طوال عامين كاملين. ولكن مؤخرا وبعد انفصال جزئى خفى فى المصالح المشتركة بين «خلافة داعش» من جانب والدول الغربية بزعامة الولاياتالمتحدة من جانب آخر بدأت عجلة المواجهة بين الطرفين فى الدوران ولكن بهدوء أثار الكثير من علامات الاستفهام. فقد اتخذ مجلس الأمن القرار رقم 2170 الذى قضى بإدانة ما يرتكبه تنظيم «الدولة الإسلامية» و«الخلافة» وفى ذيلهما «جبهة النصرة» من انتهاكات فى كل من العراقوسوريا بعد عامين من المواقف الغربية الغامضة التى تراوحت بين التشجيع وتقديم الدعم وصولا إلى الصمت!! ويقع القرار الذى تولت بريطانيا تقديم مسودته الذى نص على نزع سلاح وحل تنظيم داعش وجبهة النصرة فى سوريا، بالإضافة إلى مجموعات أخرى على صلة بالقاعدة ضمن الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة مما يسمح باللجوء للعقوبات وحتى القوة من أجل تطبيقه ، لكن لايسمح حتى الآن بشن عملية عسكرية! ومن أبرز النقاط التى نص عليها قرار مجلس الامن الدولى 2170 لعام 2014 والصادر فى منتصف شهر أغسطس 2014 ضد المقاتلين المتطرفين فى العراقوسوريا والرامى الى قطع مصادر التمويل عنهم ومنعهم من تجنيد مقاتلين أجانب جدد. - «يدين بأشد العبارات أعمال الإرهاب المرتكبة من جانب تنظيم الدولة الاسلامية» وأيديولوجيته المتطرفة العنيفة. - «يطلب من الدول الأعضاء كافة اتخاذ إجراءات على الصعيد الوطنى لتقييد تدفق مقاتلين إرهابيين أجانب» يلتحقون بصفوف «الدولة الإسلامية» و«جبهة النصرة». - «يدين أى تعامل تجارى مباشر أو غير مباشر» مع هذين التنظيمين أو الجماعات المرتبطة بهما و«يؤكد أن هذا النوع من التعاملات يمكن اعتباره دعما ماليا» للإرهاب ويخضع بالتالى لعقوبات دولية. - يدعو مجلس الأمن الهيئة المشرفة على آلية العقوبات «للبحث بشكل عاجل» فى توسيع قائمة العقوبات بحيث تضيف اليها أسماء» أفراد وكيانات جدد تدعم «الدولة الإسلامية» و«جبهة النصرة». - يكلف مجلس الأمن هذه الهيئة بأن تقدم فى غضون 90 يوما تقريرا حول «التهديد الذى يشكله تنظيما «الدولة الإسلامية» و«جبهة النصرة»، على المنطقة» وحول مصادر أسلحتهما وتمويلهما وتجنيد مقاتليهما وأعداد عناصرهما، وإعداد التوصيات اللازمة للقضاء على هذا التهديد. كما اعتمد مجلس الأمن الدولى، بالإجماع، القرار الذى أدرج ستة أفراد، تابعين للدولة الإسلامية فى العراق والشام وجبهة النصرة، على قائمة الجزاءات المفروضة على تنظيم القاعدة فى محاولة لقطع التمويل عنهم. التلكؤ سيد الموقف ويبدو أن موقف الولاياتالمتحدة «المتلكئ» تجاه «داعش» ثم تنظيم «الدولة الإسلامية والخلافة» ينبع من ثلاثة محددات رئيسية هى:1 رغبة واشنطن فى العودة إلى العراق برضا العراقيين، وبدء ترتيب الساحة العراقية بما يخدم مصالح واشنطن لأطول مدى زمنى ممكن وبأقل قدر من المقاومة. 2 إرضاء الحلفاء الأكراد وإقناعهم بأن واشنطن هى اليد الحقيقية الوحيدة المتاحة أمامهم والقادرة على مساندتهم فى تحقيق أحلامهم بإقامة كيانات شبه مستقلة داخل حدود دولها الحالية العراقوسوريا حاليا وربما إيران وتركيا مستقبلا. 3 إيجاد كتلة موازنة للقوة الإيرانية الزاحفة بقوة إلى قلب الشرق الأوسط بالقدر الذى لايسمح لإيران بالانفراد بالزعامة وتكوين معسكر هائل فى مواجهة مصالح واشنطن وفى مقدمتها بترول الخليج وأمن إسرائيل. وبدت مظاهر «التلكؤ» الغربى متمثلة فى: تضمين قرار مجلس الأمن فقرة تتعلق بتقديم تقرير عن التهديد الذى يشكله تنظيما «الدولة الإسلامية» و«جبهة النصرة» خلال «3 شهور» يتم بعدها بحث سبل مواجهة التهديد!! والوعد الذى أعلنه الرئيس الأمريكى أوباما باتباع استراتيجية «بعيدة الأمد» لمكافحة تنظيم «الدولة الاسلامية». وسرعان ما أعلن الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند فى مقابلة مع صحيفة «لوموند» أنه سيقترح فى شهر سبتمبر المحالى مبادرة حول الأمن فى العراق ومحاربة تنظيم «الدولة الاسلامية»! وهكذا بدا من الواضح أن دول المنطقة العربية التى قبلت بوضع زأوراق اللعبةس فى يد القوى الخارجية الكبرى سيكون عليها أن تنتظر وأن تتحمل التهديدات والمخاطر التى تواجهها فى ظل نشاط التنظيمات الإرهابية بمختلف أشكالها وانتشار الانقسامات والخلافات المتعددة المستويات إلى أن تنتهى الدول الكبرى صاحبة المصالح من «إعادة ترتيب» أوراق اللعب. أما الحل الأفضل لدول المنطقة فهو الاتحاد معا وتوحيد الصفوف وتغليب المصلحة العامة على المصالح الضيقة لتجاوز الخطر الداهم الذى يهدد شعوبها ووجودها.