أدى الاحتفال الذى جرى قبل ايام فى مدينة يافا بمناسبة عقد قران شاب عربى مسلم من فتاة يهودية، الى تفجير موجة عنيفة من الاحتجاجات دعمتها جماعات تدعى لاهافا، وأخرى تدعى «ياد لاخيم» من أجل الحفاظ على نقاء الدم اليهودى، وهما يعارضان أي زيجات تتم بين يهود ولا يهود سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين. ومن بين الشعارات العنصرية التى نشروها، تقول إحداها «لا تفكر حتى فى لمس فتاة يهودية»، وأخرى تقول «إننا لن نتخلى عن يهودى واحد». ولكن هذه الدعوات من الجماعات العنصرية ليست غريبة، فما هى الا انعكاس لسياسة إسرائيلية تهدف الى اقامة دولة يهودية لا يعيش على أرضها أو يحمل جنسيتها إلا اليهود؛ وأن تحقق ذلك فإن للدولة الحق فى طرد الإسرائيليين من أصول عربية، سواء كانوا مسلمين او مسيحيين. وإن تحقق ذلك فسوف تسقط اكبر كذبة فى تاريخ إسرائيل والتى تدعى إنها الديمقراطية الوحيدة فى المنطقة. ولكن هل هناك عرق نقى للشعب اليهودى؟ توصل المؤرخ الاسرائيلى شلومو صاند الى نتيجة مؤكدة وهى زن مقولة الشعب اليهودى النقى، ما هى الا اختراع، وأن الارض اليهودية التى يدعى اليهود أنهم عاشوا عليها قبل ثلاثة آلاف عام هى ايضا اختراع . ونشر تلك الرؤية فى سلسلة من ثلاثة كتب بعناوين: «اختراع الشعب اليهودى» و»اختراع الارض الاسرائيلية»، والثالث بعنوان «اختراع اليهودى العلمانى». تدور الكتب الثلاثة حول عدم أحقية اليهود فى أرض فلسطين لانهم حسب الكتاب الأول، ليسوا عرقا واحدا يدعى الشعب اليهودى، بل ديانة، مثل كل الديانات، يعتنقها البعض من جنسيات مختلفة. فيرى صاند أن اليهود لا يجمعهم صفات مشتركة كثيرة، لانهم لا ينتمون الى خط عرقى واحد. كما أنهم لم يتحدثوا بلغة واحدة، فهناك العبرية التى تستخدم فى الصلاة، وهناك اليديشية لغة الثقافة التى يستخدمها الاشكينازى، يهود أوروبا الشرقية. من جهة أخرى يؤكد صاند أن الصهيونية هى حركة سياسية، وأن معظم اليهود فى العالم من بينهم صهاينة، لا يرغبون فى «العودة» والاقامة فى اسرائيل. لذا يؤكد صاند أن مقولة «الشعب اليهودى»، هى مجرد اختراع. كما يؤكد فى كتابه الثانى أن الصهاينة قاموا باختراع «أرض اسرائيل» ايضا، إذ لم يأت ذكرها فى العهد القديم. وان كانت الكتب الدينية اليهودية ذكرت أرض كنعان، فان تلك الارض لم تضم القدس ولا أريحا او بيت لحم، بل تضم بعض اراضى شمالى اسرائيل الحالية، (الضفة الغربية) والتى يطلقون عليها ساماريا. وحتى وإن كانت هناك «أرض ميعاد» فيرى صاند أنه من السخرية أن يطالب بها مجموعة من اليهود الذين عرفوا بأنهم اكثر اليهود علمانية يستخدمون الجدل الدينى من اجل تبرير الاستيلاء على الارض. أما أرض اسرائيل الحالية فإن حدودها يحددها من يتحدث، فهناك من يرى انها تضم كل منطقة الضفة الغربية، وبالنسبة لاخرين تمتد لتبتلع كل الاردن، أو حتى من النيل الى الفرات، بما فيها بعض مناطق من تركيا وسوريا والعراق. كما أن العهد القديم لم يدع اليهود إلى «العودة» الى «ارض اسرائيل»، ولكن هؤلاء الذين رفعوا دعوة التوجه الى فلسطين هم الصهاينة المسيحيون بشكل خاص الذين عاشوا فى القرن التاسع عشر. لم يكن من الممكن لأى شخص آخر غير يهودى أن ينشر تلك الحقيقة، وإلا كانت وجهت له تهمة معاداة السامية، ولكن المؤرخون الجدد فى اسرائيل كان لديهم الشجاعة والحكمة ان يكشفوا الأكاذيب التى اقيمت على اساسها دولة اسرائيل. فهل يستطيع أو يرغب أحد من البيت الابيض أو الاممالمتحدة، مواجهتهم بها؟ لمزيد من مقالات ليلى حافظ