مع احترامي للتيار السلفي والنجاحات الكبيرة التي حققها في الانتخابات البرلمانية, واعترافي الكامل بحق هذا التيار في المشاركة في أية حكومة مقبلة, استنادا إلي حجم الأصوات التي حصل عليها, وإقراري المسبق بان داخل هذا التيار شخوصا ثقاة يعبرون عن فكر أصولي له مكانته في تاريخ الفكر والفقه الإسلامي, يستند إلي المنابع الأساسية للشريعة التي تتمثل في الكتاب والسنة بأكثر من استناده إلي اجتهادات العلماء والفقهاء حرصا علي العودة إلي أصول الأشياء ومنابعها الأولي, إلا أنني اعترض علي حق التيار السلفي في أن يتولي مسئولية وزارة التربية والتعليم التي تعني بتربية النشء وتعليمه وإعداده لتحمل مسئولية إنجاز نهضة حقيقية تحتاجها مصر, خاصة في مجالات الإبداع والابتكار والتكنولوجيا وعلوم الطبيعة والكيمياء ومعارف العصر التي جعلت من التحديث العلمي المستمر لعملية الإنتاج أول شروط النهضة المدنية والعلمية. ومبعث إعتراضي في الحقيقة ليس الخوف من التركيز في العملية التعليمية علي علوم الدين بأكثر من علوم الدنيا أو تقديم قضية الأخلاق والسلوك علي قضية العلم والمعرفة, ولكنني اعترض علي تولي التيار السلفي أمر وزارة التربية والتعليم, استنادا إلي أن هذا التيار يعبر بالضرورة عن فكر تقليدي محافظ يتبع السلف الصالح ويؤثر عدم الخوض في المجهول علي حين تشتد حاجة مصر في المرحلة القادمة إلي وجود فكر مبدع حديث يتصدي لمناهج التعليم التقليدية التي تقوم علي الحفظ والاستنكار لصالح تعليم حديث ينمي داخل النشء الرغبة في البحث العلمي ويعزز داخله روح المبادرة ويطلق ملكاته وقدراته دون سقف أو حدود, ويعلمه القدرة علي أن يسأل ويشك ويناقش كل ما يبدو لنا وكأنه من البديهيات المطلقة.., وأظن أن من المصلحة الوطنية أن يتقلد منصب وزير التربية شخصية قومية وطنية تلقي قبولا وإجماعا وطنيا بأكثر من أن يكون شخصية حزبية ذات فكر خاص يتفق البعض أو يختلف مع أفكارها. ولا تقلل هذه الاعتبارات من ضرورة وجود فكر محافظ في المجتمع يمكن أن يؤهل صاحبه لتحقيق نجاحات كبيرة في مجالات أخري عديدة, ويستطيع أن يوازن شطط بعض أفكار الحداثة, إلا أن منصب وزير التربية والتعليم ينبغي أن يكون من نصيب متخصصين تربويين واسعي الأفق يحرصون علي تنمية قدرات البحث والابتكار, لا يتحصنون وراء النصوص لمنع الاجتهاد الخلاق ولا يعوقهم مانع عن حرية البحث والاستقصاء. المزيد من أعمدة مكرم محمد أحمد