من أولى وظائف الداعية، بل من أهم واجباته أن ينمى فى مستمعيه حب الوطن، وأن يغرس فيهم تلك الفضيلة عن اقتناع لا عن إجبار أو إكراه، ذلك لأن حب الوطن فريضة إسلامية وواجب أخلاقى من المقام الأول، خاصة فى مثل هذه الظروف التى تمر بها مصر، ووطننا العربي، فى ظل انتشار رائحة الخيانة والمؤامرة لتعم هواء وطننا العربى النقى فتلوثه بسموم لم نعهد مثلها من قبل، وقد تحوله لا قدر الله إلى مصير تأنف منه الأسماع والأبصار والعقول. والنبى الكريم ([) يعلمنا حب الوطن والولاء والإخلاص له، بتجربة عملية مريرة، تجربة قاسية أشد ما تكون القسوة، ومؤلمة أشد ما يكون الألم، فقومه الذين اشتُهر فيهم بالصادق الأمين قبل البعثة، كذبوه بعد البعثة وضربوه، وأذوه، ضررا لا يقاس بدرجة، وأذى لا يتصوره عقل، ثم بالغوا فى الأذى فوصفوه بأبشع الصفات، تلك التى خلدها القرآن الكريم لتبين لنا كيف كانت معاناة هذا النبى الكريم، وكيف كان صبره، وكيف كان حلمه؟. لقد استهزأوا به بادئا، سخروا من فقره ومن تواضعه، فقالوا: «لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم»، يحسبون العظمة بالجاه والسلطة والمال، ولم يفطنوا قط إلى أن العظمة عظمة النفس وسموها وتحليها بالخلق الحسن، ثم قالوا عنه ([) إنه شاعر، وأنه مجنون، وأنه ساحر، أذوه ماديا ومعنويا، كتبوا صحيفة تعاهدوا فيها ألا يخالطوا آل هاشم ولا يبتاعوا منهم أو يبيعوهم شيئا لأجل أن تموت القبيلة جوعا أو يستسلمون ويرجع النبى عن دعوته!! وأذوه معنويا بأبشع الشتائم وأقذر الصفات، ثم كانت الخاتمة التى ختموا بها هذا الإذلال والأذى أن طردوه من مكة!! وما أدراك ما مكة!! تلك المدينة التى لعب فيها النبى طفلا، ورعى الغنم فيها صبيا، وتاجر فيها شابا، وائتُمن على أمانات الناس فيها رجلا، ويخرج النبى مضطرا، دموعه تغرق وجهه، وبكاؤه يكاد يذهب بسنا ضوء مقلتيه، ثم يخرج كلمات مزقها الحزن، وفتتها الهم، واعتصرها الشوق والألم: (ويا مكة إنك لأحب البلاد إليّ، وأحب البلاد إلى قلبي، ولولا أن أهلك أخرجونى منها ما خرجت).. ما أعظم هذا الولاء، وما أروع هذا الانتماء؟!. رجل يتعرض لكل ألوان وصنوف الأذي، مما ابتكره شياطين الإنس والجن، ومع ذلك يبكى لفراق وطنه ويتمنى ألا يخرج منه!! ثم تكون المفاجأة عندما يكتب له العودة (إن الذى فرض عليك القرآن لرادك إلى ميعاد)، هل يدخل الوطن الذى تربى فيه وبكى لفراقه من قبل منتقما؟، هل يخرب وطنه جزاء ما فعلوه معه من قبل؟، هل يقابل السيئة والإذلال بمثلهما؟!. إنه رجل وطني، حريص على مصلحة وطنه، عاشق لترابه، جاء ليبنى لا ليهدم، جاء برسالة واحدة، يريد تبليغها بغير إهانة لأحد ، وبغير إذلال لأحد، ثم إتماما لمسيرة الحب للوطن يقول لمواطنيه: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)، تلك هى الروح الوطنية التى يغدو نشرها بين الناس فريضة واجبة على الدعاة، لا أن يغذى بعضهم كراهية الوطن والحقد عليه لسبب أو لآخر لا يخفى على ذى عقل.. فهل يستجيب وزير الأوقاف لطرح مؤتمر لأجل تجديد الخطاب الديني؟، وهل يستجيب الدعاة؟. د. محمد ممدوح عبدالمجيد