المرآة الكبيرة التى تتصدر البهو المفضى لحجرات تروى الصور المعلقة على جدرانها حكاية عمرها أكثر من ستين عاما باتت تعكس وجوها كساها الوجوم.. تترقب ما سيأتى به الغد، رافضة أن تصدق أنه بين عشية وضحاها ستضطر الى أن تهجر موطنا و ملاذا يحمل كل ركن فيه ذكرى وتشى جنباته بعبق التاريخ لمجرد العجز عن دفع إيجاره!! الجميع ينظر بحسرة لجدران ولأثاث رغم تواضع قيمته المادية لا يقدر بثمن، فكل قطعة منه شاهدة على أمسيات ومسامرات أدبية أبطالها طه حسين وتوفيق الحكيم وبنت الشاطئ ويوسف السباعى ومئات من مبدعى السرد الروائى و القصصى قدمهم نادى القصة للوسط الثقافى فى مصر والعالم العربي.. المؤسف والغريب أنه فى التوقيت نفسه التى بُحت فيه الأصوات مؤكدة أهمية الثقافة لاستعادة منظومة الثقافة المصرية وشخصية المصرى أفندي، وضرورة رعاية المواهب الشابة وفتح آفاق جديدة للشباب تستوعب طاقاتهم وطموحاتهم وتنمى مهاراتهم قبل أن يتحولوا لقنابل موقوتة تهدد بنسف استقرار المجتمع سواء بالتطرف الدينى أو الفكر الفوضوى أو بالاغتراب الفكرى والانغماس فى التفاهات، يفاجئنا اليوم خبر مفاده أن نادى القصة، أقدم منتدى ثقافى متخصص فى السرد القصصى والرواية فى العالم العربي، والذى أُنشىء على يد إحسان عبد القدوس ويوسف السباعى عام 1954، وترأسه طه حسين وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف السباعى وغيرهم من الكتاب العظام وصولا للروائى نبيل عبد الحميد، والذى قدم للحياة الأدبية من خلال مسابقاته السنوية قمما سردية منها محمد البساطى وأحمد الشيخ وعبد العال الحمامصى وكمال رحيم وغيرهم، أصبح فى مهب الريح ويوشك أن يوصد أبوابه للأبد بسبب الأزمة المالية التى ألمت به منذ عامين!!.. فمع بداية عام 2012 ظهر اتجاه لإلغاء التمويل السنوى للنادى والذى يُقدر ب 100 ألف جنيه، يحصل عليها من صندوق التنمية الثقافية بوزارة الثقافة للإنفاق على الندوات الأسبوعية والمسابقة السنوية وإصدار مجلة القصة الفصلية والكتاب الفضى الذى يصدر دوريا لدعم شباب المبدعين، بالإضافة لدفع ايجار مقر النادى و صرف رواتب ثلاثة موظفين. وبعد محاولات مضنية تم الاتفاق مع وزير الثقافة آنذاك على استمرار الدعم بقيمة 50 ألف جنيه سنويا، تم تخفيضها الى 25 ألفا فى 2013. ومع انكماش ميزانية النادى والحرص على عدم رفع قيمة الاشتراك مراعاة لظروف شباب المبدعين المادية، ولكى يستمر النادى فى أنشطته تمت مطالبة الهيئة العامة للكتاب بإعادة طباعة مجلة القصة التى كانت تتكفل بطباعتها قبل حصول النادى على دعم صندوق التنمية الثقافية، كما تم توقيع بروتوكول مع هيئة قصور الثقافة لنشر 6 أعداد سنوية من الكتاب الفضى الذى كان يصدر فى عشر أعداد سنويا. المشكلة الآن أنه مع التلويح أخيرا بقطع الدعم نهائيا لم يعد نادى القصة مهددا فقط بإشهار إفلاسه، بعد أن أصبح رصيده لا يتجاوز ثلاثة آلاف جنيه، مطلوب أن يسدد منها قيمة جوائز الفائزين فى عام 2013 ،ويعلن مسابقة العام الجديد ويستكمل أنشطته، بل أيضا بات مهددا بالطرد من مقره وإغلاقه فى وجه رواده لعجزه عن سداد قيمة إيجاره الشهرية التى وصلت الى 800 جنيه شهريا. ورغم أن بعض أعضاء النادي، من كبار الكتاب أدبيا متوسطى الحال اقتصاديا ،بدأوا بالفعل فى التبرع لسداد قيمة إيجار المقر فإن هذه الإسهامات المادية لن تحل المشكلة خاصة وأن موظفى المقر لم يحصلوا على رواتبهم منذ ثلاثة أشهر، ناهيك عن نفقات طباعة إصدارات النادى وإقامة مسابقة العام والندوات الأسبوعية التى تقدم نموذجا لتواصل أجيال المبدعين.. وبرغم إدراكنا لحقيقة الأحوال الاقتصادية وأن صندوق التنمية الثقافية لم يعد قادراً على الوفاء بالتزاماته السابقة، و للانتقادات التى يتناقلها البعض فى الوسط الثقافى حول جمود أداء النادى وعزلته فى دوائر ضيقة، فإن الحل لا يمكن أن يكون بإهدار تاريخ كامل وبالحكم بالإغلاق بالشمع الأحمر!!.. فاستمرار النادى وامتداد أنشطته للنوادى والمدارس والجامعات وقصور الثقافة يمكن أن يمثل قوة داعمة لمحاربة التطرف الفكرى وتوجيه الشباب لهوايات تثرى وجدانهم وترتقى بالمجتمع فى هذا التوقيت الحرج.. من هذا المنطلق أقدم بلاغى للسيد وزير الثقافة د. جابر عصفور.. رجاءً.. اصدر تعليماتك الفورية لإنقاذ جزء من ذاكرة مصر ومن رأس حربة تدافع بها عن شبابنا.. أطالب سيادتكم بالتدخل الفوري، فأى مبالغ يتم إنفاقها لتنمية المواهب واستيعاب طموح الشباب وتعميق مفهوم التواصل بين الأجيال وتحقيق ديمقراطية الثقافة للوصول بها لأبعد الأماكن عبر دعم الجمعيات والهيئات الثقافية الرسمية والأهلية أقل بكثير من تكلفة مقاومة إرهابى واحد..