الفارق الأساسى بين تنظيم داعش وجماعة الإخوان هو أن داعش فى العراق والجماعة فى مصر، وتجليات هذا الفارق ليست مجرد اختلاف المكانين أو البُعد بينهما، وإنما فى التباين الهائل فى أوضاع وأحوال وطبيعة البلدين، وهذه ظروف موضوعية تخرج عن اختيارات الإثنين، بل هى مفروضة فرضاً على كل منهما. فى مصر دولة قوية وجيش وطنى متماسك وشعب فى سبيكة واحدة لم تستنزفه الحرب الأهلية كما أن جذوة الثورة لا تزال تداعب خيالاته، حتى أن أفراده، وهم عزل من أى سلاح، يواجهون إرهاب الإخوان المسلح، بل ويطاردونهم ويلقون القبض عليهم ويُسلمونهم لقوات الأمن، وأما فى العراق فإن الجيش المرهق، أو المتواطئ كما يرى كثيرون، يفرّ أمام داعش! أما إذا لم يكن كل هذا هكذا، وإذا كانت الأحوال هنا كما هى فى العراق أو قريبة منها، لما اختلف أداء الجماعة عن داعش كثيراً! انظر فقط إلى أن الإخوان يستغلون أى ثغرة ينفذون منها لإحداث أقصى إرهاب ممكن مباشرة ضد الشعب وبتعمد إيقاع القتلى، لا فرق فى ذلك بين المدنيين والعسكريين أو قوات الشرطة، بالعدوان المسلح على المنشآت العامة وعلى معسكرات الجيش ومديريات الأمن وكمائن الشرطة، وبزرع القنابل الموقوتة فى الطريق العام، وبتفجير القطارات، وبإلقاء المولوتوف الحارق، وبالعدوان الهمجى على الكنائس بما لم تعرفه مصر فى تاريخها، بل إن حماسهم التخريبى يكون على أشده كلما كانت الفرصة متاحة أكثر، ولا يردعهم أن تكون داخل الحرم الجامعى حيث استحدثوا جرائم غير مسبوقة، بالعدوان على الأساتذة والعمداء قبل ضرب زملائهم وتخريب المدرجات والمعامل، وحينما يسقط قتيل يُسرعون باتهام الشرطة، ويدعمهم فى ذلك كتائب مستعدة فوراً لشهادة الزور قبل إجراء أى تحقيق محايد..إلخ ولا يقال إن هذا يجرى فى مصر فى سياق الانتقام على الإطاحة بهم من الحكم، فحتى عندما كانوا على الكرسى وكانوا يتوهمون أنهم باقون 500 عام، دهسوا المتظاهرين المسالمين حتى أمام القصر الرئاسى، وحرَّضوا على قتل الشيعة فى حضرة ممثلهم فى القصر الرئاسى، وعندما لبّت قواعدهم السامعة المطيعة وذبحت الشيعة أثناء صلواتهم لم يطرف لهم جفن ولم تصدر منهم إدانة ولا حتى من باب التجميل! لقد اعتصروا الفرص المتاحة لهم للإرهاب إلى آخرها، وليس هناك إلا ما يُعزِّز أنه إذا كانت هنالك فرصة أكبر لما تركوها تمرّ! وكل ما هنالك أن الظروف واتت داعش بأكثر مما أتيح للإخوان فأعربت عن نفسها بشكل أكثر وضوحاً، والدليل أنها تحت حكم صدام، لم يسمع أحد عن أفكارها ولا عن مواقفها ولم يكن لأشخاصها وجود، بل لم يكن أحد يعلم عنهم شيئا، بما يؤكد أنهم لا يظهرون إلا فى وقت الانفراج، ولكن العجب أنهم، من منطلق الإنفراج، يسعون بكل طاقتهم، هنا وهناك، إلى السيطرة بالكامل بهدف الإقصاء المطلق للآخرين، إلى حد إعدام كل ألوان الطيف الأخرى وسحب الشرعية عنها. هنا وهناك اعتماد مطلق على الكذب ثم الكذب ثم الكذب، يقول الإخوان إن مظاهراتهم حتى الآن بالملايين وأن الشعب كله يؤيدهم وأن قوات الانقلاب استعانت بالمرتزقة من بلاك ووتر فى فض اعتصام رابعة وبقناصة محترفين من كولومبيا..إلخ! وتقول داعش إن الذين أُجْبِروا على إعلان ترك دينهم واعتناق الإسلام فرحون أن أنعم الله عليهم بنعمة الإسلام! داعش والإخوان يرفضان رفضاً باتاً أهم بند يقوم عليه الحكم فى الدولة الحديثة وهو أن تذعن الأقلية لحق الأغلبية بعد فوزها فى انتخابات حرة نزيهة لها شروط معلنة اتفقت عليها الحضارة الحديثة، لأن إيمانهم الحقيقى إن الحكم إلا لله، وأنهم الوحيدون أصحاب الحق بحكم الله، بل إنه مسئولون عن إنفاذ هذا الحكم، حتى وهم أقلية، وأنهم لن يتنازلوا عنه للكفار حتى لو كانوا الأغلبية! انظر إلى بعض ما يحدث فى وضح النهار هذه الأيام، وفى وسط البلد أمام دار القضاء العالى رمز القانون، حيث يصرخ إمام المسجد فى الميكروفون، وهو يقصّ على السامعين رغم أنفهم عن الغزوات فى صدر الإسلام وعن بطولات الصحابة فى قتل الكفار، ويُبدى الأسى عن الهوة التى صارت بيننا وبين السلف الصالح! فهل يدخل هذا الكلام فى باب حرية ممارسة الشعائر الدينية؟ أم أنه حضّ مباشر على العنف الذى يرفع شعارات تطابق جوهر كلامه ويتوجه ضد مواطنيه؟ كما أنه، أيضاً، ترويج فجّ لأفكار داعش التى ينقل التليفزيون والصحف يومياً جرائمها التى يقترفونها فى سورياوالعراق تحت شعار قتل الكفار؟ وليس كل دعم بالكلام بل أنه كثيراً ما يكون الصمت أكثر تأثيراً! لماذا لا نعترف أن لدينا فى مصر من يَخفق قلبُه مع داعش، مع كل حزّ رقبة ومع كل جزّ رأس، ومع كل ذِكْر لمقر الخلافة الجديد فى العراق؟ أين الموقف الواضح للمؤسسات الدينية ولكبار العلماء من الاستهتار بحياة البشر ومن امتهان الجسد الإنسانى ومن الصلب على أسياخ الحدائق وأعمدة النور ومن فرض الإسلام فرضاً على أصحاب الديانات الأخرى وقتل المعتصم بدينه ومصادرة أمواله واستحلال محرماته؟ هل هم مؤمنون بهذه الطريقة فى نشر الدعوة؟ ألا يرون فى ذلك إساءة لصورة الإسلام والمسلمين بين الأمم وإفسادا لعلاقتهم بالعالم؟ لم يعد الصمت ممكناً، ولم يَعد مقبولاً أن يَتصور أحدٌ أن الخلاص بإقناع الإرهابيين بصحيح الدين، ولا بأن يَعرِض مصالحات لا تفيد إلا فى هدنة يلتقط فيها الإرهابيون أنفاسَهم ويسوون صفوفهم ويُخزِّنون المزيدَ من السلاح لجولات أخرى أكثر دموية! لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب