باختصار.. إذا كانت ثورة 25 يناير مؤامرة، فإن 30 يونيو لايمكن أن يكون إلا انقلاباً، وإذا كان مبارك بريئاً، فإن الشعب المصرى - كله - بالضرورة مذنب!!.. من سخريات القدر أن تزييف التاريخ لم يعد يتطلب مرور أزمان وتغير أخلاق الناس وضعف ذاكرتهم، وكأن بعض النخب المصرية، أو ما يسمى بالنخب، يتخيلون أن الشعب المصرى كله، ومعه شعوب العالم قد أصابها الزهايمر فجأة، فانمحت صورة ميدان التحرير، وتبخرت دماء الشهداء، ووجد هؤلاء الجرأة التى تصل إلى حد الحماقة كى يخرجوا على الناس بلا حياء كى يتهموا الشعب المصرى كله بالمشاركة فى مؤامرة لم توجد إلا فى عقولهم المريضة .. وإذا بكبيرهم الذى علمهم - أو علموه - السحر يلقى من قفصه بخطاب العرش ، يكرر فيه نفس أسلوبه فى محاولة استدرار تعاطف شعب طيب، ثم يطعن فى الثورة والثوار، بل فى شعب مصر كله، بل فى الدولة التى كان على رأسها، وإلا فليفسر أحد كيف كانت كل هذه المعلومات المتوافرة عن اختراقات وتسللات من حدودنا، بينما تقف أجهزة الدولة فى موقف المتفرج حتى تكتمل المؤامرة!!، بل كيف وقف المتحدث الرسمى باسم المجلس العسكرى يؤدى التحية للشهداء، وهو ومعه كل قادة القوات المسلحة يعلمون بتفاصيل المؤامرة؟!.. لو صح ذلك لوجب محاكمة كل هؤلاء بتهمة الإهمال الجسيم الذى يصل إلى حد الخيانة العظمى .. ان التسلسل المنطقى لنظرية المؤامرة، وصمت القوات المسلحة وأجهزة الأمن المختلفة وسماحها بنجاح المؤامرة، يعنى - بتطبيق نفس النظرية - أن تلك الاجهزة شاركت فى المؤامرة الأولى ، ثم واصلت المؤامرة إلى مداها بالسيطرة الفعلية على مفاصل الدولة ، بعد أن سمحت بإشاعة جو من الفوضى وانعدام الأمن حتى يسهل تسويق فكرة «الثوار المتآمرين»، وتشويه سمعة «الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية» باعتبارها أدوات التآمر على الدولة المصرية !! .. لذلك لم يكن غريباً أن تبرز رءوس نظام مبارك من جديد، ومعها وحوش الرأسمالية الطفيلية التى ترعرعت فى حقول فساده، كى ينهشوا فى كرامة شعب مصر وثورته العظيمة التى شهد لها العالم كله بالرقى والنبل والتحضر، وهى بلا شك أعظم ثورة لشعب مصر على مر تاريخه الطويل.. ومن المحزن أن هؤلاء استغلوا «عفريت الاخوان» الذى كم استخدموه فى ترويع المعارضين والثوار، وأظن أن الجميع يذكر أن السادات قام بتحضير هذا العفريت كى يتصدى للناصريين واليساريين فى السبعينيات من القرن الماضى، واستمرت الصفقات فى زمن مبارك بين «النظام» و«الأخوان» حتى فجر ثورة يناير 2011 . والآن يتهم «الثوار» بالتآمر مع «الاخوان» ضد الدولة، ويتم الخلط المتعمد لإيهام الناس بعدم جدوى مقاومة الفساد ، أو المطالبة بالحقوق والحريات، أو تنفيذ استحقاقات الثورة وخاصة العدالة الاجتماعية . أن الإصرار على اجهاض حمل التغيير الكامن فى أحشاء المجتمع المصرى، يعنى نجاح الثورة المضادة مهما حسنت النوايا، ولا بد أن ينتبه الشعب المصرى لهذه المحاولات الخبيثة التى تحاول التسلل إلى وعيه وذاكرته كى تشوه لوحة الثورة الدافقة التى حملت الأمل فى غد أفضل، ولا مناص أمام الخلايا الحية من القوى الثورية والشبابية إلا مواصلة التصدى لذلك الهجوم المضاد الذى يستخدم أغلب المنصات الإعلامية، بالإضافة إلى التسريبات غير الأخلاقية وغير القانونية والتى يغلب عليها التزييف أو الاجتزاء من السياق لتلويث السيرة العطرة لطلائع ثورة يناير واغتيالهم معنوياً، وأصبح المشهد يشبه كوميديا سوداء نرى فيها أنه بينما يتوالى خروج رموز الفساد من السجون كى يتمتعوا بما نهبوه من مقدرات هذا الشعب، يتوالى فى نفس الوقت احتجاز الشباب الغض الثائر خلف القضبان باستخدام قانون للتظاهر أجمع كل أهل الفقه ومعهم المجلس القومى لحقوق الإنسان بأنه يؤثر سلباً على الحريات التى كفلها الدستور. لقد كنت واحداً من الملايين التى خرجت فى 30 يونيو 2013، وأتاح لى موقعى أن أمارس واجبى فى الدفاع عن تلك الموجة الثورية فى مواجهة المجتمع الدولى، بل أننى وقفت أمام مسئولى الخارجية اليابانية فى طوكيو قبل شهر من تلك الثورة كى أهاجم حكم الأخوان وأؤكد ان شعب مصر سوف يزيحهم فى نهاية الشهر ، ولذلك لا أتشكك لحظة واحدة فى أن 30 يونيو كانت امتداداً طبيعياً لثورة الشعب المصرى فى 25 يناير، فإذا تصور أحد أنه بالإمكان حذف ثورة يناير التى ترتبط بثورة 30 يونيو ارتباط الأصل بالفرع، فان سقوط الأصل يعنى سقوط الفرع، ولا أظن أن أحداً يتمنى ذلك!!.. لمزيد من مقالات السفير معصوم مرزوق