كل البيوت المصرية تشكو من انقطاع التيار الكهربائى الذى يتكرر عدة مرات يوميا. مدة الانقطاع فى كل مرة لا تقل عادة عن ساعة. فى الأقاليم يؤكدون أنها تمتد لساعات طويلة تصل فى بعض الأقاويل لعشر ساعات. المؤكد أن مجموع ساعات انقطاع الكهرباء فى أى بيت مصرى لا تقل فى المتوسط عن أربع ساعات. أصبح أقصى آمال الأسرة المصرية أن تكون فترات الانقطاع موزعة على ساعات اليوم بدلا من أخذها مقطوعية واحدة تعانى فيها من الظلام وتعطل مواتير رفع المياه للأدوار العليا وفساد الأطعمة و تعطل الأجهزة الكهربائية و التعرض للاختناق فى المصاعد. الشكوى من انقطاع التيار الكهربائى لا تقتصر فى الواقع على القطاع العائلي، بل تمتد أيضا إلى قطاع الأعمال. أصحاب الورش يشكون من عدم القدرة على العمل بسبب انقطاع التيار الكهربائي، مصانع العاشر من رمضان تشكو من انقطاع التيار الكهربائي، أصحاب المحال التجارية يتحدثون عن وقف الحال بسبب انقطاع التيار الكهربائي، محلات الجزارة تتحدث عن فساد اللحوم فى الثلاجات بسبب انقطاع التيار الكهربائي. فى الأقصر يشكون من إلغاء الزيارات السياحية لمقابر وادى الملوك والملكات واحتجاجات السائحين بسبب انقطاع التيار الكهربائي. القضية لم تعد تتمثل فقط فى اضطرار البعض إلى تحمل الحياة بدون أجهزة تكييف أو تليفزيون، ولا حتى تحمل الحياة بدون مياه فى عز الحر، بل أصبحت القضية أيضا ما يسببه انقطاع التيار الكهربائى من شلل للنشاط الاقتصادي. المعلومات المتوافرة عن مشكلة الكهرباء فى مصر تلخص أسبابها فى عاملين رئيسيين: نقص المواد البترولية، وتداعى شبكة محطات توليد الكهرباء، ويؤدى الاثنان معا إلى عجز انتاج الكهرباء عن تغطية الاحتياجات المحلية. نقص المواد البترولية يؤدى إلى انخفاض القدرة على تشغيل محطات توليد الكهرباء بطاقتها الكاملة، فمصر مستورد صاف للمنتجات البترولية، كما هى مستورد صاف للغذاء، ومواردها الحالية من النقد الأجنبى لا تكفى لتغطية كل احتياجات الاستيراد. ولكن حتى لو أمكن تشغيل محطات توليد الكهرباء بطاقتها الكاملة فسيظل هناك عجز يقتضي، طبقا لوزير الكهرباء، أن ينقطع التيار عن كل أسرة بمعدل ساعة واحدة يوميا. ماشي.. أمر محتمل يمكن الصبر عليه لحين دخول محطات الكهرباء الجديدة الخدمة وتنفيذ مشروعات الطاقة البديلة. إلا أنه فى الواقع حتى لو تم توفير الوقود اللازم فلن تعمل المحطات بطاقتها الكاملة، فبعضها خرج من الخدمة، والكثير منها يعانى من مشكلات فنية تؤدى إلى تعدد الأعطال وانخفاض الكفاءة. بعض تلك المشكلات نجم عن استخدام المازوت والسولار منذ سنوات فى تشغيل المحطات بدلا من الغاز الطبيعي، الذى قام نظام مبارك بعقد اتفاقات طويلة الأجل لتصديره بثمن بخس لإسرائيل وبعض الدول الأخري. البعض الآخر من المشكلات يرجع إلى عدم تنفيذ برامج الصيانة وسوء مستوى العمرات، أو انخفاض كفاءة وتعدد أعطال بعض المشروعات المنفذة بمعرفة شركات أجنبية. ميراث النظام السابق بسياساته وفساده يظهر فى أوضح صوره فى قطاع الكهرباء. والنتيجة طبقا للمعلومات المتوافرة أن الطاقة الإسمية للمحطات 4.27 ألف ميجا وات و الفعلية المنتجة 7.23 ألف ميجا وات، فى حين أن الاحتياجات المحلية تصل إلى 31 ألف ميجا وات. الحلول الفردية تزيد المشكلة تعقيدا، فشراء المولدات يمثل ضغطا على موارد النقد الأجنبى لاستيرادها وعلى السولار أو البنزين لتشغيلها. الحكومة من جانبها لم تعلن حتى الآن عن خطتها لمواجهة العجز الضخم فى انتاج الكهرباء، كل ما أعلنته هو استخدامها لبرنامج جديد للحاسب الآلى يمكنها من توزيع تخفيف الأحمال بالعدل والقسطاس بين الناس، و البدء التجريبى للإعلان عن مواعيد انقطاع التيار الكهربائى برسالة مجانية تصل للمشتركين على الموبايل. أما أهم الإجراءات فيتمثل فى ترشيد الاستهلاك من خلال رفع أسعار الكهرباء بنسب تتراوح بين 10% و 50%. وهذا طبعا على اعتبار أن السبب فى المشكلة ، طبقا لتصريحات المتحدث الرسمى باسم وزارة الكهرباء هو الطفرة غير المسبوقة فى تركيب أجهزة التكييف. أى أن المطلوب أن ندفع مقابلا أعلى لخدمة أسوأ. الاقتصاد المصرى فى وضع سييء، والمطلوب دفعة قوية للانتاج ترفع معدلات النمو الاقتصادى ومعدلات التشغيل. نقص الكهرباء ونقص الطاقة بوجه عام تقف حائلا أمام كل ذلك. لدينا مشروعات قومية ضخمة نسابق الزمن لتنفيذها، واتفاقات لإعادة تشغيل مصانع الحديد والصلب وتحديث مجمع الألومنيوم فى نجع حمادي، لدينا حاجة ملحة لتحديث وإعادة تشغيل مصانع الغزل والنسيج و المنتجات الغذائية وإقامة تجمعات عمرانية جديدة، لدينا حاجة ملحة لزيادة أعداد السائحين، لدينا جميعا رغبة حقيقية للعمل دون توقف، ثلاث ورديات بدلا من وردية واحدة. كيف سنتمكن من كل ذلك ونحن نعلم أن هناك شركات منحت العاملين إجازة طوال شهر رمضان لأنها لم تجد الغاز الطبيعى اللازم لتشغيل مصانعها! الأمر لا يتطلب معجزة، فاليابان والصين تمكنتا من بناء صناعات وتحقيق تقدم اقتصادى مبهر دون أن تمتلكا غازا أو بترولا. نريد استراتيجية واضحة للطاقة بكافة مصادرها تقوم على استغلال إمكاناتنا المحلية إلى حدها الأقصي، وتحديد احتياجاتنا من واردات الوقود وكيفية تدبير ما يلزم من موارد النقد الأجنبى لتغطيتها. نريد خطة ببرنامج زمنى محدد لسد العجز فى إنتاج الكهرباء، وإجراءات عاجلة لمواجهة الأزمة الحالية، لأن الوضع، ببساطة، غير قابل للاستمرار. لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى