الإجابة عن هذا التساؤل كانت محل جدل ونقاش علمى بالعديد من المؤتمرات الطبية المحلية والدولية خاصة مع احتمال سوء استخدام الدواء فى الدول النامية التى تفتقد الرقابة والمتابعة للحالة الصحية للمرضى، ومدى التزامهم بتناول الأدوية، كما أنها كانت محل دراسة العديد من أساتذة علوم الفيروسات على مدار الأشهر الأخيرة إذ توقع بعض العلماء أن تتسبب هذه الأدوية فى تغيير الصفات الوراثية المعروفة لفيروس "سى"، وبالتالى توحش الفيروس، وانعدام فاعلية العلاجات الدوائية. فى البداية يقول د. ريمون شينازى (مبتكر دواء سفوفسبوفير): إن فيروس سى من المتعارف عنه أنه قادر على التحول وإحداث طفرات وراثية به بشكل كبير.. وما سعت إليه المراكز البحثية على مدار السنوات الماضية هو البحث عن المواقع الحيوية بالفيروس التى لا تتحور وإعاقته عن التكاثر. وكما تشير بعض الدراسات البحثية فإن هناك دراسات تشير إلى وجود احتمال لتحور الفيروس مع بعض العلاجات الدوائية التى ما زالت تحت الاختبار كما أن هذا الاحتمال للتحور من الوارد أن يتغير من فصيل جينى لآخر وحتى قبل التعامل مع الأدوية الفيروسية فإن هناك دلائل بحثية تؤكد أن السبب فى عدم استجابة بعض المرضى للعلاج بالإنترفيرون يرجع للتحور الفيروسى. وفيما يتعلق بالفصيل الجينى الرابع المنتشر بمصر يجب توضيح أن الأدوية المضادة للفيروسات هى بمثابة عوامل مثبطة للبروتينات التى ينتجها الفيروس وبالتالى كلما كانت الفرصة مهيأة لمحاصرة الفيروس بأكثر من دواء مضاد للفيروس قل احتمال التحور وانخفض عدد الفيروسات بما يشير إلى الاستجابة للعلاج لذلك توصى الدراسات حاليا بأهمية منح المريض أكثر من دواء مضاد للفيروسات فى البرنامج العلاجى. وبعيدا عن ذلك، يحذر د.شينازى من أن عدم الالتزام بتناول الأدوية فى المواعيد المحددة قد يهيىء الفرصة للتحور الفيروسى لذلك يجب إجراء التحاليل دوريا لعدد الفيروسات خلال البرنامج العلاجى. إطالة البرنامج العلاجى أما التوصية التى يقترحها شينازى فهى إطالة البرنامج العلاجى عن المدد المقررة طبقا للبروتوكولات العلاجية بكل دولة، وإجراء المزيد من الدراسات على المجموعات الدوائية الأكثر فاعلية للتغلب على الفيروس خلال أقل فترة زمنية وبأكثر فاعلية ممكنة. وحول تفاوت واختلاف القواعد الاسترشادية للعلاج بفيروس سى بين الهيئات العلمية الدولية مثل منظمة الصحة العالمية والجمعية الأوروبية للأمراض الكبدية والجمعية الأمريكية للأمراض الكبدية يقول د.شينازى إن السبب وراء ذلك يرجع فى جزء منه لاقتصاديات العلاج والتكلفة المرتفعة للعلاجات الدوائية ومدى توافرها بالجرعات والكميات المرادة إضافة إلى قلة الدراسات فى الوقت الراهن على المجموعات الدوائية الأكثر فاعلية ومقارنتها بغيرها وهو ما يتطلب إجراء المزيد من الدراسات السريرية خاصة بالدول التى ينتشر فيها فصيل جينى محدد لفيروس سى مقارنة بباقى دول العالم مثل مصر. من ناحية أخرى، يوضح د. إسلام حسين الباحث فى علم فيروسات بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدةالأمريكية أن العقاقير المضادة للفيروسات هى مواد كيميائية تستهدف تعطيل دورة تكاثر الفيروس داخل الخلية عن طريق الارتباط بأحد بروتينات الفيروس الحيوية (إنزيمات فى أغلب الأحيان) بطريقة غاية فى الدقة و الخصوصية و شله تماماً عن أداء وظيفته، دون أن تترك أثارا ضارة على مكونات الخلية. نظراً لإن الفيروسات لا تمتلك أى أدوات للحياة خارج خلايا العائل، لا بد و أن تمتلك هذه العقاقير الخصائص الكيميائية التى تمكنها من اختراق جدار الخلية. أيضاً من أهم المميزات التى يجب أن تتوفر فى هذه العقاقير هو معامل الأمان العالي، أى أن تحت الظروف المثالية، لا بد أن تكون عديمة التأثير على أى من الوظائف الحيوية التى تقوم بها الخلية. وتقاس فاعلية هذه العقاقير فى التجارب المعملية بتركيزاتها المثبطة ل 50% (أو 90% فى بعض الاختبارات) من عدد الوحدات الفيروسية المستخدمة فى التجربة. وكلما قلت هذه التركيزات، زادت فاعلية هذه العقاقير وانخفضت فرصتها فى إحداث آثار ضارة على الخلية. مقاومة العقاقير وأحياناً تحت الظروف المعملية أو الإكلينيكية، تفقد بعض هذه العقاقير قدرتها على تثبيط نمو الفيروس و يظهر هذا الضعف فى التأثير على هيئة ازدياد مفاجئ فى التركيز المثبط لنفس عدد الوحدات الفيروسية، ما يعرف بظاهرة مقاومة العقاقير المضادة للفيروسات. وهناك مفهوم شائع خاطئ هو أن استخدام هذه العقاقير هو العامل المستحث لظهور هذه السلالات المقاومة من الفيروس، فى حين أن الواقع مختلف تماماً. وبشكل عام تتمتع الفيروسات بمعدل عال وسريع للتكاثر، الذى يعتمد فى الأساس على إنتاج الملايين من النسخ من المادة الوراثية للفيروس، علما بأن الإنزيم المسؤول عن عملية النسخ لا يقوم بهذه الوظيفة بإتقان، و يصاحب هذا النسخ غير الدقيق حدوث بعض الأخطاء التي تعرف علمياً بالطفرات الجينية، ومع كل دورة تكاثر للفيروس تخرج فيروسات تحتوى فى جيناتها على هذه الطفرات بشكل عشوائي. وبالتالى فإن أى مجتمع من الفيروسات التى تنشأ نتيجة لتكاثر نوع معين من الفيروسات، هو مجتمع غير متجانس ويحوى على العديد من الطفرات الجينية الموزعة بشكل عشوائى بين جيناته المختلفة. وكما ذكرنا سالفا، فإن العقاقير المضادة للفيروسات تستهدف أحد إنزيمات الفيروس الأساسية، وهذا الإنزيم فى الأصل هو عبارة عن بروتين ينتج داخل الخلية حينما يعبر أحد جينات الفيروس عن نفسه، وعندما يصادف حدوث طفرة (نتيجة لعمل إنزيم النسخ غير الدقيق) فى هذا الجين، تكون هذه السلالة بطبيعتها مقاومة لهذا المضاد الفيروسي. إذاً نستنتج مما سبق أن السلالات المقاومة لمضاد فيروسى ما.. موجودة بالفعل قبل التعرض لهذا المضاد الفيروسي، وما يحدث هو أن التعرض لهذا المضاد الفيروسى بطريقة ما هو الذى يشجع هذه السلالات المضادة على التكاثر، وحينما يصل عددها إلى مستوى معين، يتطلب توافر تركيز أعلى من المضاد الفيروسى لحدوث نفس التأثير المثبط لنفس عدد الوحدات من الفيروس. والسؤال البديهى هنا هو: ما هى تلك الظروف التى تشجع هذه السلالات المقاومة على النمو والتكاثر؟ أقلية قليلة كما ذكرنا سابقاً، السلالات المقاومة بالفعل فى أى مجتمع فيروسى أقلية قليلة جداً مقارنة بباقى السلالات التى تستجيب للعلاج. وتحت الظروف المعملية، يتم تعريض مجموعة من الفيروسات لجرعة دون المستوى الأمثل suboptimal dose من التركيز المثبط يوفر الظروف الملائمة للسلالات المقاومة على النمو والانتشار. هذه الجرعة على الرغم من أنها غير مثالية، إلا إنها بالتأكيد يكون لها تأثير مثبط على عدد غير قليل الفيروسات غير المقاومة، مما يترك المجال مفتوحا أمام السلالات المقاومة التى لا تتأثر بمثل هذه الجرعة. وعند مرحلة معينة تصبح السلالات المقاومة هى الأغلبية، ويفقد العقار فعاليته. لكن: كيف تترجم هذه الظروف إكلينيكياً على المريض؟ إن عدم الانتظام فى تناول جرعات العلاج كما وصفها الطبيب يوفر ظروفا مماثلة للجرعة المثبطة دون المثالية فى المريض، مما يسمح للسلالات المقاومة بالانتشار، وبالتالى يفقد المريض استجابته للعقار المضاد للفيروسات. لكن: كيف يتم اكتشاف الحالات المقاومة للعقاقير المضادة للفيروسات؟ متابعة منتظمة عن طريقة متابعة المريض بشكل منتظم ولفترة كافية بعد البدء فى العلاج.. إذ يتم قياس عدد النسخ الجينية للفيروس فى دم المريض باستخدام اختبار تفاعل البلمرة المتسلسل (Polymerase Chain Reaction, PCR) على عينات أسبوعية. إذا أظهر المريض استجابة مبدئية للعلاج، ثم أعقب هذه الاستجابة ارتفاع مفاجئ فى نسبة الفيروس فى الدم، فيشتبه الطبيب المعالج فى حدوث مقاومة للمضاد الفيروسي. وللتأكد يتم أخذ عينة من المريض وعزل الفيروس وتحديد تسلسل المادة الوراثية الخاصة به، الذى سيوضح وجود طفرات جينية من عدمه. أخيرا: ما هى أفضل الطرق لتجنب ظهور حالات مقاومة للمضادات الفيروسية قدر الإمكان؟ أفضل الوسائل إن تناول العلاج بانتظام والجمع بين أكثر من مضاد فيروسى فى نفس الوقت فى النظام العلاجى (combination therapy) هو من أفضل الوسائل لتقليل فرصة ظهور حالات مقاومة. السبب فى منتهى البساطة هو أن هذه التوليفة من المضادات الفيروسية تستهدف أكثر من وظيفة حيوية للفيروس فى نفس الوقت، فإذا بدأت سلالة مقاومة لأحد العقاقير المكونة لهذه التوليفة فى الظهور (بمعنى آخر تحتوى على طفرة فى البروتين الذى يستهدفه هذا العقار)، فهناك احتمالية ضعيفة جداً أن تكون مقاومة لعقار آخر يستهدف بروتينا آخر مختلفا تماما لنفس نوع الفيروس. وهذه هى الطريقة المتبعة بالفعل لعلاج أمراض مثل الالتهاب الكبدى الوبائى و الإيدز. لكن: ماذا إذا ظهرت حالات مقاومة للمضادات الفيروسية؟ إن تحديد نوع الطفرة المسؤولة عن حدوث المقاومة سيشير إلى العقار الذى فقد فاعليته، و من ثم يكون استبدال عقار آخر من عائلة كيميائية أخرى به فى أسرع وقت ممكن هو أفضل استراتيجية لاستكمال العلاج ورفع فرصة المريض فى الاستجابة، وتجنب المضاعفات..