طالعنا خالد العطية، وزير خارجية قناة الجزيرة، أو دويلة قطر بحوار لشبكة ال«سى إن إن» الأمريكية تناول فيها بلغة خطاب تصريحات حنجورية تحدث فيها عن الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية فى حق الشعب الفلسطيني، والتى خلفت أكثر من ألفى شهيد من الفلسطينيين الأبرياء، فضلا عن أكثر من عشرة آلاف مصاب وأنه بصفته رئيسا سابقا للجنة الوطنية لحقوق الإنسان فى قطر فإنه يشعر بمعاناة الشعب الفلسطينى جيدا، وأكد أن الشعب الفلسطينى يحتاج إلى اتفاق سلام يرفع الحصار عن قطاع غزة ويضمن مساعدات للتنمية وإعادة الاعمار، وأن قطر تفتح أبوابها للسلام فى غزة وأنها نظرا لموضوعيتها وعدم تحيزها فقد أصبحت ملجأ للأطراف المتنازعة للتوسط فيما بينها، فضلا عن دورها فى تعزيز الحوار وثقافة التعايش السلمى فى العالم، وأنها على استعداد لأن تلعب دور الوسيط فى حل هذا النزاع. وقال العطية فى حواره إن بلاده استضافت على مدى سنوات مقر البعثة التجارية الإسرائيلية وذلك فى إطار الانفتاح مع جميع الأطراف. ما قاله العطية يعكس ازدواجية كاملة فى التفكير وفى المواقف القطرية، فالخطاب الموجه للرأى العام الغربى يختلف كلية عن الخطاب القطرى الموجه للجمهور العربي، فإذا كان حديث العطية للشبكة الأمريكية يغلب عليه الطابع السلامى من خلال نأكيد العلاقات مع إسرائيل وبقاء البعثة التجارية الإسرائيلية وعدم الممانعة فى إقامة سلام مقابل مساعدات اقتصادية وتنموية ورفع الحصار عن حماس وعن قطاع غزة، فإن الخطاب الموجه للجمهور العربى تغلب عليه اللغة الحنجورية من خلال الحديث عن المقاومة المستمرة ضد الكيان الصهيونى ودعم حزب الله وحماس بلا حدود، وبالطبع فإن قطر ليست من دول المواجهة التى وقعت اتفاقيات سلام مع إسرائيل مقابل استرداد أراضيها المحتلة، وبالتالى فإن بقاء مكتب تجارى إسرائيلى بها لا مبرر له ويعتبر تطبيعا مجانيا. كما أن هناك سوء نية فى تصريحات العطية حول القضية الفلسطينية، فهو يختزل القضية الفلسطينية فى مجرد أزمة انسانية فقط فى قطاع غزة، متناسيا أن القضية فى الأساس هى قضية أرض تخضع حتى الآن للاحتلال من جانب إسرائيل، وأن الاحتلال يشمل جميع الأراضى الفلسطينية بما فيها قطاع غزة والضفة الغربيةوالقدسالشرقية وأن تركيز الاهتمام الدولى على قطاع غزة فقط لخدمة حماس وأهدافها فى إقامة إمارة إسلامية، هو مخطط تستفيد منه إسرائيل التى تحاول فك الارتباط بين الأراضى الفلسطينية، ويساعدها فى ذلك مثل هذه التصريحات الصادرة عن مسئولين مثل العطية يحاولون ترسيخ الصورة التى تروج لها تل أبيب، وتمثل أيضا خروجا عن الاجماع العربى. سوء النوايا القطرية الممنهج يجيب عن تساؤل مشروع متى ستتوقف قطر عن محاولاتها المضنية لتمهيد نفق مظلم بورود وتزيينه ليقود شعب فلسطين ليس لتحقيق حلمه ومطلبه المشروع فى إقامة دولته الفلسطينية وتحرير القدس بل تمهيده بفخاخ تؤدى فى نهايته لوأد الحلم وإضاعة الحق الفلسطيني. فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فبدلا من التباكى على أوضاع الفلسطينيين الأبرياء لما يتعرضون له من ويلات وعذابات، كان من الأحرى بقطر أن تضع حقن دماء الأشقاء الفلسطينيين كأولوية مطلقة لها كما فعلت مصر، إلا أنها تجاهلت كل ذلك وتحالفت مع الجانب التركى وحماس للمتاجرة بدماء الفلسطينيين الأبرياء ويكفى أن نشير إلى أن عدد الضحايا الفلسطينيين الذين سقطوا قبل طرح المبادرة المصرية لم يتجاوز 150 شهيدا فى حين بلغ عدد الضحايا حتى الآن ما يربو على 2000 شهيد كان من الممكن انقاذهم لو استجابت حماس للجهود المصرية بدلا من رفضها بإيعاز قطرى تركي، كما أن الحديث عن الوساطة بشكل مطلق بدعوى الانفتاح على جميع الأطراف فى غياب معايير سياسية وأخلاقية قد يوحى بتبرير إمكان إقامة علاقات مع منظمات إرهابية. من جهة أخرى تناول الوزير القطرى أوضاع حقوق الإنسان فى فلسطين، وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذا الاهتمام الواضح بحقوق الإنسان يستدعى تطبيق ذات المعايير حول حقوق الإنسان فى البلد نفسها، فدعونا فقط نذكر السيد العطية بأن بلاده تأتى على قائمة الدول الأكثر انتهاكا لحقوق الإنسان لاسيما فيما يتعلق بأوضاع العمالة الوافدة إليها، ولعل التقارير حول وفاة عشرات العمال النبياليين من جراء ظروف العمل غير الانسانية فى تشييد الملاعب والمرافق الخاصة بكأس العالم ليست ببعيدة، هذا بالإضافة إلى السجل القطرى غير المشرف على الإطلاق فيما يتعلق بالاعتقالات التعسفية وحملات التعذيب الممنهج داخل السجون القطرية. أخيرا، نود التذكير بواقعة بسيطة، فقد شارك وزير الخارجية القطرى أخيرا فى اجتماع باريس حول الأزمة الفلسطينية واستمع إلى وزير الخارجية الفرنسية وهو يضع أمن إسرائيل أولا على أن يأتى تلبية الاحتياجات الاقتصادية للفلسطينيين فى خطوة تالية ولم يحرك الوزير القطرى ساكنا فيما يمثل خروجا على الموقف العربى الذى طالما وضع تطلعات الشعب الفلسطينى كأولوية مطلقة لبناء دولته المشروعة على كل أراضيه المغتصبة. أولى قواعد السياسة الخارجية لأى دولة، أن تتناسب هذه السياسة مع إمكانات الدولة وتاريخها وطبيعتها ومواردها البشرية، بحيث تتناسب هذه السياسة طرديا مع قوة ومكانة الدولة، فعلى سبيل المثال لا يمكن أن تنتهج دولة مثل الولاياتالمتحدة أو روسيا سياسة خارجية ضعيفة أو غير نشطة، وقياسا على ذلك لا يمكن لدولة بحجم قطر وإمكاناتها وتاريخها المحدود أن يكون لها هذا الدور الذى تود أن تلعبه دون أن تتوافر لها أى مؤهلات للعب هذا الدور. إذا كان وزير الخارجية القطرى يزعم بأن بلاده تلعب دورا رئيسيا فى حل النزاعات فنرجو منه اطلاعنا على حجم الانجاز الذى حققته فى أى من هذه النزاعات التى توسطت فيها، ففى قضية دارفور على سبيل المثال استضافت الدوحة عشرات الاجتماعات للفصائل السودانية وأرسلت العديد من المسئولين القطريين فى زيارات متعددة إلى السودان وتم توقيع عدد من الاتفاقيات وانفقت عشرات الملايين من الدولارات فماذا كانت المحصلة؟ لاشيء، وهو نفس الحال بالنسبة لقضية الشمال والجنوب السوداني، فضلا عن قضية أفغانستان والمفاوضات بين الحكومة وحركة طالبان. بل على العكس فمراجعة مواقف وسلوك قطر فى مختلف الصراعات الإقليمية التى تدخلت فيها تكون النتيجة الواضحة أن الدور الدور القطرى هو دور تخريبى من خلال تقديم الدعم بالمال والسلاح للمنظمات والجماعات المتمردة والإرهابية لتأجيج الصراعات وليس حلها، ويكفى الإشارة إلى التمويل القطرى للجماعات الإرهابية المرتبطة بالقاعدة والجماعات التكفيرية كأنصار الشريعة وجبهة النصرة بل وفى فترة سابقة تمويل ودعم حركة داعش الإرهابية فى ليبيا والعراق وسوريا واليمن.