يعيش المسلم في الوقت الراهن وسط مشهد يموج بالخطايا وتزييف الفكر الذي يمارسه دعاة الفتنة وجماعات العنف والتطرف التي زيفت الفكر الإسلامي وجمدت العقل ومزقت الكيان الإسلامي، تشهر فيها هذه الجماعات سلاح التشدد والتكفير، إلى المدى الذي بات فيه المسلم حائراً ما بين نموذج حضاري ترسخ في ذهنه وما بين واقع مرير ينفطر فيه قلبه وتتشتت فيه أفكاره وهو ما أصاب المسلم بالذهول والفاجعة والحيرة من هول المشهد البائس الذي لا تخطئه عين المتابع للشأن العربي والإسلامي من حوله على امتداد أوطان العروبة والإسلام. ويكفي أن يدير المرء رأسه ويقلب النظر هنا وهناك ليجد نفسه نهبا لأطروحات فكرية ورؤى مذهبية أو طائفية تتشدق بفكر ظلامي يرمي الأخوة بالكفر والفسق أو يشهر العنف والسلاح في وجه بني جلدته أو هما معاً تحت رايات سوداء وممارسات وحشية أبعد ما تكون عن الإسلام تتبناها تنظيمات راديكالية اتخذت الدين مطية لبلوغ أغراضها في خداع الجماهير سعياً إلى النفوذ أو الزعامة أو السلطة والمال أو الانتقام من أعداء وهميين في غفلة أو عن قصد في ترك الأعداء الحقيقيين الذين يدبرون المكائد ويريدون تركيع أبناء الإسلام. ومكمن الخطر في المسلك الخاطئ لهذه التنظيمات المتطرفة أنها تحتمي بالإسلام بحسب تفسيرها المعوج له، تغسل به الأدمغة بشعارات عقائدية ومصطلحات أثيرة تستدعيها من الماضي تغرسها في عقول أفرادها ومؤيديها من الصبية والمراهقين والشباب ومن على شاكلتهم فتربيهم على الكراهية والحقد والخروج على المجتمع حكاما وشعوبا، فهم في رأي هذه التنظيمات مارقون كفارا يحل قتلهم وتخريب ديارهم بحسب تفسيراتهم المنحرفة للنصوص التي يتخذون منها السند والمرجعية، ويطلقون بها شعاراتهم لتقوية عزيمتهم وإيهام أنفسهم بأنهم على الحق ليتمكنوا بها من الغلب وهزيمة النظم والحكومات والشعوب المسلمة. وتمكيناً لباطلهم فإن هذه الجماعات والتنظيمات تحرص على مظهر اللباس التقليدي وإطلاق اللحى ليظهروا بذلك ولاءهم للدين وتخليص شعوبهم من الجاهلية التي يعيشون فيها، وأنهم عنوان الالتزام الإسلامي وذلك بالمخالفة للحديث الشريف: «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم». وقد انتشرت عدوى هذه التنظيمات المتطرفة والمسلحة في العديد من البلدان المسلمة، تعيث في الأرض فساداً، وتستبيح الدماء البريئة، وتجتاح الأخضر واليابس وتخرب العمران، وهي تمضي على هذا الطريق بفكر وأيديولوجية منحرفة تنعكس سلبا على تزييف فكر الإسلام الصحيح، غير عابئة بأن هذا الفكر والمسلك يغيب المنظومة الإيمانية والعمل الصالح وفعل الخير، حيث تمحو من قاموس تعاملها مع إخوانها في الدين والوطن خلق التسامح والعفو والإحسان في القول والفعل المؤصلة بالنصوص في القرآن والسنة في مثل قوله تعالى:«وأن تعفو أقرب للتقوى«، وحديث الرسول صلعم: « لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه«، فقد استبدلوا هذه المنظومة شريعة الغاب في القسوة والوحشية بالمخالفة للحديث الشريف« من حمل علينا السلاح فليس منا«. على هذا الدرب الظلامي الذي اغتال الإسلام ودمر الأوطان ونشر الإرهاب والعنف المسلح، مضت بهذه الجماعات في طريقها، ولعل في جرائم تنظيم داعش المسمى زوراً وبهتاناً تنظيم الدولة الإسلامية البرهان الدامغ على تدمير أخوة الإسلام والأوطان بإعلان الخلافة الإسلامية وتصدير خلافة مزيفة تستدعي بها أشواق الشعوب المسلمة إلى نموذج الحكم القوي العادل الرشيد ، بينما تطلق العنان لرجالها لارتكاب أكبر الجرائم والموبقات تحت شعارات دينية والدين منها براء ، وتعلن عن تنصيب أبو بكر البغدادي خليفة المسلمين ، وتقوم بقتل المدنيين العزل من المسلمين والمسيحيين أبناء الوطن في العراق ، وتجبرهم على اعتناق الإسلام أو دفع الجزية أو طردهم من وطنهم من عقر دارهم. كذلك أمرهم بتختين النساء حتى سن الخامسة والأربعين سنة ، وتدمير جامع النبي يونس عليه السلام ، ناهيك عن تدمير الكنائس ، ومنعهم النساء المنتقبات من كشف عيونهن ، وكذلك منع المرأة أن تلبس الحذاء ذا الكعب العالي ، وفرض عقوبة شديدة على المخالفين ، وأمرهم النساء بتقديم أنفسهم لنكاح الجهاد ، وهذا كله يعد انحرافاً مبيناً عن شريعة الإسلام. ولا شك أن هذا الفكر وتلك الممارسات فضلاً عن إساءتها لصحيح الإسلام فإنها تزري فكره الناصع ونموذجه الحضاري في السلام والتعايش وقبول الآخر. ولا أدل على ذلك من انتشار المجازر الوحشية والمذابح الجماعية واجتياح بلاد العروبة والإسلام ، وهي في مسلكها المدمر تستدعي صنيع اليهود فيما حكاه القرآن الكريم : «يخربون بيوتهم بأيديهم»، وتقدم بذلك أكبر خدمة للعدو الصهيوني والغربي ، فتقوم بالنيابة عنه بتشويه الإسلام وإضعاف الأوطان ، وتحول بذلك دون نهوض أمة الإسلام وجمع شمل شعوبها. ويلزم لمجابهة هذا الخطر الداهم على الدين والأوطان والشعوب تقديم نموذج فعال للخطاب الديني ، وممارسات راشدة من القائمين على الأمر لإزاحة الفكر الباطل وترسيخ الفكر الوسطي المعتدل الذي يحفظ أصالة الدين ويواكب العصر من مؤسسات ذات مصداقية ورصيد علمي كالأزهر جنباً إلى جنب التوحد بين السلطة والشعب على هزيمة العنف والإرهاب لوقف مد هذه الجماعات الهمجية التي اختزلت الإسلام في أشكال وطقوس ، وطرحت جوهره الناصع في السلام «يا أيها الذين آمنوا أدخلوا في السلم كافة»، والتعايش «وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا» والإصلاح والإعمار «لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس». فلن تنسى الأجيال أن هذه التنظيمات قدمت الإسلام مسخاً مشوهاً يحمل فكر العصبية والإرهاب الأسود ولا يعرف الحوار ولا الإلتقاء على كلمة سواء حتى مع الأغيار، فمن باب أولى مع أهل الإيمان والأديان ! فليتهم علموا أنه نداء الإسلام في تشييد المجتمعات الإنسانية. لمزيد من مقالات د.محمد الشحات الجندى