أوقاف أسوان تسلم 2 طن لحوم لمستحقي مشروع "صكوك الإطعام"    في رسالة إلى مجلس الأمن.. فنزويلا تتهم الولايات المتحدة بالقرصنة    صحة غزة: وفاة 11 مواطنا جراء انهيار المنازل الآيلة للسقوط    عراقجي: نؤكد ضرورة تعزيز العلاقات الإيرانية الروسية في المجالات كافة    هدف الأهلي.. جراحة ناجحة ليزن النعيمات في الرباط الصليبي    الأهلي يحسم ملف تجديد عقود 6 لاعبين ويترقب تغييرات في قائمة الأجانب    ضبط 110 كيلو عجينة حوواشي ولحوم مفرومة فاسده وغير صالحه للاستهلاك الآدمى بأحد مطاعم الفيوم    خروج عربة قطار عن القضبان بمحطة الحامول في المنوفية دون إصابات    أسماء المصابين في حادث انقلاب ميكروباص بأسوان    أشرف فايق يكشف حقيقة دخول عمه محيي إسماعيل في غيبوبة بسبب جلطة بالمخ    مكتبة الإسكندرية تشارك في افتتاح الدورة العاشرة لملتقى القاهرة الدولي لفن الخط العربي    تكريم 41 سيدة بأسوان من حافظات القرآن الكريم ضمن حلقات الشيخ شعيب    انتخابات النواب 2025، إقبال ملحوظ على لجنتي عثمان بن عفان وشجرة مريم بالمطرية (صور)    تفاصيل صادمة حول وفاة الفنانة نيفين مندور بسبب حريق منزلها    المحمدي: ظُلمت في الزمالك.. ومباريات الدوري سنلعبها كالكؤوس    أوكرانيا تعلن استهداف مصفاة نفطية روسية ومنصة بحر القزوين    أم كلثوم.. حين تتحول قراءة الرمز إلى تقزيم    بعد فوز رواية عسل السنيورة بجائزة نجيب محفوظ.. شريف سعيد: دار الشروق الأهم في الشرق الأوسط    وزير قطاع الأعمال: تعزيز وزيادة مجالات التعاون مع البنك الدولي خلال المرحلة المقبلة    اتجاه في الزمالك لتسويق أحمد حمدي في يناير    مشاهد عائلية لافتة في لجان المطرية بجولة الإعادة لانتخابات النواب    السيدات وكبار السن يزينون صفوف الناخبين في جولة الإعادة بالبساتين    «أندرية زكي»: خطاب الكراهية يهدد السلم المجتمعي ويتطلب مواجهة شاملة    إقبال على التصويت بجولة الإعادة في انتخابات مجلس النواب بالسويس    درجة الحرارة 1.. غيوم وأمطار غزيرة على مدينة سانت كاترين    محافظ قنا يوجه بحملات على مجمعات المواقف للتأكد من السلامة الفنية للسيارات    البرهان يعلن استعداده للتعاون مع ترامب لإنهاء الحرب في السودان    دعمًا لقضايا المرأة.. محافظ قنا يقود دراجة مع الفتيات في ماراثون رياضي    إقبال الناخبين على مدرسة النهضة بالشرابية بأول أيام إعادة انتخابات النواب    الرقابة المالية توافق على التأسيس والترخيص ل 6 شركات بأنشطة صندوق الاستثمار العقاري والتخصيم والتمويل العقاري وإدارة الصناديق    «الست» تتصدر شباك التذاكر.. أبرز إيرادات أفلام دور العرض المصرية    شوبير: بلعمري قريب من الأهلي.. وتوروب يضع حامد حمدان ضمن أولوياته    المصرف المتحد يرعى المسابقة العالمية للقرآن الكريم في نسختها الثانية والثلاثين    «الرعاية الصحية» تعلن تفعيل حزمة من الخدمات الطبية المستحدثة بالأقصر    محافظ أسوان يشيد بنجاح جراحة دقيقة للعمود الفقرى في مستشفى دراو المركزي    "متبقيات المبيدات" يستقبل وفدا صينيا رفيع المستوى لتعزيز جهود فتح الأسواق العالمية    قاضى قضاة فلسطين: الدور المصرى تجاه القضية الفلسطينية ممتد وتاريخى    مواعيد مباريات منتخب مصر في أمم إفريقيا 2025 بالمغرب    بعد إدراج الكشري على قائمة اليونسكو.. رحلة في جذور الأكلات الشعبية المصرية    تزايد اقبال المواطنين بلجان انتخابات الإعادة لمجلس النواب بالغربية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17-12-2025 في محافظة الأقصر    الأربعاء.. 18 فبراير 2026 أول أيام شهر رمضان فلكيًا    متحدث وزارة الصحة يقدم نصائح إرشادية للوقاية من الإنفلونزا الموسمية داخل المدارس    أبو الغيط: الاحتلال يُمعن في إفراغ وقف إطلاق النار بغزة من مضمونه    إصابة ثلاثة طلاب من جامعة بنها جراء اعتداء بمياه النار في كفر شكر    بعد إدراج الكشري في اليونسكو.. التراث غير المادي مهدد بالاندثار دون توثيق    الصحة تكشف تفاصيل تجديد بروتوكول مواجهة الطوارئ الطبية لمدة 3 سنوات جديدة    الآن.. سعر الجنيه الذهب اليوم الاربعاء 17-12-2025 في محافظة قنا    رسل الموت تنزل فى سراييفو    سعر الدولار اليوم الأربعاء 17 ديسمبر 2025 في مصر    مرونة الإسلام.. وخلافات الصحابة    «كامل أبو علي»: أتمنى فتح صفحة جديدة وعودة العلاقات مع الأهلي    إي اف چي هيرميس تنجح في إتمام الطرح الخاص للشركة العملية للطاقة» وإدراجها في بورصة الكويت    السجن 5 سنوات لعامل بتهمة إشعال النيران بسيارة مياه معدنية فى قنا    وفاة نيفين مندور بطلة فيلم "اللي بالي بالك"    اسعار الخضروات اليوم الاربعاء 17 ديسمبر 2025 فى اسواق المنيا    تتويج لمسيرة دولية ناجحة.. أشرف صبحي يقود سياسات الرياضة عالميًا من اليونسكو    «ترامب» يحذر فنزويلا من صدمة اقتصادية وسياسية غير مسبوقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«عيال» النافورة والشكل الحضارى
نشر في الأهرام اليومي يوم 04 - 08 - 2014

كان ابنى حسام عمره وقتها ثمانى أو تسع سنوات، وكنت قد علمت بما تصورته برنامجا صيفيا رائعا أعده المتحف المصرى لتعريف الصغار بميراثهم الحضاري، ويشمل اصطحاب الأطفال المشاركين فى البرنامج لزيارة جناح بعينه من أجنحة المتحف العريق صبيحة كل يوم، ليشرح أحد القائمين على البرنامج بعضا من المعلومات عن المعروضات الأثرية فى الجناح وما يتصل بها من تاريخ عريق، ثم يُصطحب الأطفال لقاعة بالمتحف، وهناك يرسمون ويلونون ويؤدون أعمالا يدوية من وحى ما عاينوه.
لا يسع ولى أمر يعتز بمصريته، ويقدر المعرفة، ويدرك فى الوقت نفسه أن التعلم لا يكون بالتحفيظ والتسميع ولكن بإثارة الإهتمام والممارسة، غير أن يسارع لادراج طفله فى برنامج كهذا، لم تكن وقتها ثورة أو اعتصامات أو قناصة فوق الأسطح، مجرد دولة تفضل المقاولات عن البناء، وتمشية الحال عن التخطيط، وتسيير مرور أصحاب السيارات عن رعاية حياة المارة المترجلين، فأولئك لهم الله.
فى اليوم الأول للبرنامج خضت مع حسام الصغير أهوالا متوقعة حتى وصلنا لبوابة المتحف،وهممت بالدخول فإذا بواحد من رجال الأمن الواقفين أمام المتحف يستوقفنى ليسأل: «أنت رايح فين؟» صعقت للسؤال، فأجبت بما لا يقل رزالة: «أيه اللى أنت واقف قدامه ده؟» كاد الأمر يتطور لشجار لو لم يكن لتدخل أحد الضباط، ويبدو أنه توسم فى مظهر الأفندي. غير أن سؤال رجل الأمن بقى يلح على خاطري، وسرعان ما توصلت لإجابة أظنها قاطعة: المتحف المصرى للسائحين الأجانب، وربما لبعض الرحلات المدرسية (وكنا وقتها فى الإجازة الصيفية). أن يذهب مواطن مصرى منفردا وبملء ارادته للمتحف فهو إما يقصد التحرش بالسائحات الشقراوات، أو ليضع قنبلة (فيقتل بضعة كفار أجانب، ويضرب الدولة الكافرة عبر ضرب السياحة، ويدمر بعض من أصنام الكفار القدامي). أى أن المواطن المصرى القاصد المتحف المصرى هو إما «خرتي» أو إرهابي، وكل منهما مُشوه ل«شكلنا الحضاري» بطبيعة الحال.
الكل يفتخرون ويتباهون ب 5000 سنة حضارة، وكان السادات (وقد احتفت به الصحافة الغربية آخر الفراعنة) استصغرها فرفعها إلى 7000 سنة، واستقر الارتفاع حتى يومنا هذا. ولست أدرى فى الحقيقة من أين جاء الرئيس الراحل بالرقم، فقد بدأ المصريون القدامى الاستقرار فى حوض وادى النيل، وفى صناعة الوادي، كما علمنا العالم المصرى الموسوعى جمال حمدان، حوالى 7000 سنة قبل الميلاد، أى منذ نحو عشرة آلاف سنة، أما مينا نارمر، موحد القطرين، فيعود إلى 3100 قبل الميلاد، أى منذ حوالى 5000 سنة، وكان ذلك هو التاريخ المعتمد لبزوغ الحضارة المصرية القديمة.
حديث الحضارة المصرية عندنا جله طبل وزمر وجهل مقيم. الفوضى الضاربة فى النظام التعليمى المصرى فى العقود الأخيرة دالة، فعندنا دبلومات بريطانية وأمريكية وفرنسية وألمانية، فضلا عن ثانوية عامة كارثية. قارن بين مقررات أى من دبلومات برج بابل هذا بالمقرر المصرى لتكتشف أن الطالب الأجنبى يدرس عن تاريخ مصر القديمة أضعاف ما يدرسه الأغلبية الساحقة من الطلاب المصريين، وجيوب أهلهم لا تسمح حتى بالتمسح ببرج بابل المقيم.
وهو حديث غير معنى بالثقافة أو بالموروث الثقافي، وهى محتوى الحضارة (هذا إذا كان لمصطلح «الحضارة» نفسه من معني)، ولكن بال«الشكل الحضاري»، أى بمظهر خارجى متخيل لما هو «حضاري». بيد أنه لو تأملنا قليلا فى مدلول الاستخدامات الشائعة للعبارة، لوجدناه مطابقا لما تتصوره النخبة العليا للمجتمع المصرى عن غرب لا يكادون يعرفون عنه غير مظهره الخارجي، ما يثير إعجابهم فى زيارات الشوبنج وغيرها لأوروبا وأمريكا. ويكتسب الشكل الحضارى بهذا المعنى أهمية ملحة حين تكون العين التى تنظره عينا غربية. صورة مصر فى الخارج (ونعنى به الغرب) همٌ كبير من هموم نخبتنا الحاكمة، وتشويهها يبدأ من نشر صورة لركام قاذورات فى أحد الشوارع، وينتهى بكتابة مقال أو تقرير عن التعذيب فى السجون وأقسام البوليس. لسنا معنيين بالأصل، ولكن بالصورة، لا نكذب ولكننا نتجمل. فمسألة الشكل الحضارى عندنا جلها نفاق.
ثانى أيام عيد الفطر المبارك قام عشرات من الأطفال فى شبرا بالإحتفاء بالعيد، وبنافورة جديدة، وهروبا من حرارة الجو الخانقة، فقفذوا يمرحون فى تلك البقعة الصغيرة من فضاء عام منقرض، بعد عقود من خصخصته (لعلها بدأت باستيلاء السادات على القناطر الخيرية)، لتستولى النخبة على شواطئ البلاد وحدائقها ومتنزهاتها ملكا خاصا مغلقا على أغلبية الشعب. قامت الدنيا ولم تقعد على المظهر غير الحضارى لأطفال شبرا، فما كان من المحافظ إلا أن أصدر قرارا بإغلاق النافورة حتى إقامة سور حديدى حولها. فقراء مصر عند نخبتها شكل غير حضاري، والحضارة فى اخفائهم من الصورة. قصة الحضارة والحضارات، واستبطاننا للأساطير الغربية حولها يطول نقاشها. فليس مجالنا هنا تعريف الحضارة، ولكن ليس من العسير التعرف على معنى البربرية، وهى بالضبط هى ما أوصلتنا إليه ثنائية الدولة البوليسية والدولة الدينية وقد بلغت بها سكرات الموت ذروة الانحطاط، لا فى مصر وحدها، ولكن فى أرجاء واسعة من الإقليم. يا سادة: التعذيب بربرية، وقتل المدنيين والأطفال بربرية، والتهجير بربرية، كما أن التشفى فى القتل والتعذيب والتهجيرهو بدوره بربرية. دعنا نعنى بالبربرية فى وسطنا، ولندع الحضارة تعنى بنفسها.
لمزيد من مقالات هانى شكرالله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.