رحلت مؤخرا الكاتبة الفائزة بنوبل الأدب نادين جورديمر عن 90 عاما، فى منزلها بجوهانسبرج ، عاصمة جنوب أفريقيا. وجورديمر التى فازت بنوبل فى عام 1991، صاحبة 15 رواية وعدد كبير من القصص القصيرة فقدمت من خلال إبداعها الملحمى منظورا فريدا لتحول بلادها من دولة عنصرية قمعية إلى بلد يتعافى من داء الفصل العنصرى البغيض. ولدت صاحبة نوبل فى 20 نوفمبر 1923 فى مدينة سبرينجز بجنوب أفريقيا، فى أسرة بيضاء ميسورة، لوالدين مهاجرين – الأم من انجلترا والأب من لاتفيا - وكان والداها يهوديين بحسب المولد ، لكنهما كانا علمانيين وفى هذه البيئة نشأت جورديمر. وقد نشرت أولى قصصها فى سن الخامسة عشرة. ومع قليل من التعليم الرسمى ، حرصت جورديمر على تثقيف نفسها ، فركزت على الأدب الأوروبى وكان الأكثر تأثيرا عليها بروست و تشيكوف و ديستوفسكي. وربما كان ما قالته جورديمر نفسها فى حوار لها عام 1990 هو أفضل ما يلخص مشوارها الأدبى بشكل دقيق: “ لقد استخدمت الحياة من حولي، وكانت الحياة من حولى عنصرية. كان يمكن أن أكون أديبة فى أى مكان بالعالم، لكن فى بلدى ، كانت الكتابة تعنى مواجهة العنصرية". "فى البدء كانت الكلمة، والكلمة كانت مع الله، موقّعة باسم الله، والكلمة هى الخلق. لكن عبر القرون اتّخذت الكلمة فى الثقافة الإنسانية معانى أخرى، دينية أو دنيوية. يقول رولان بارت: (أية ميزة للأسطورة؟) ويرد: (أن تحيل المعنى إلى شكل). فالأساطير هى قصص تتوسّط الطريق ما بين المعلوم والمجهول. وينزع كلود ليفى شتراوس أسطرة الأسطورة كنوع أدبيّ ما بين الحكاية الخرافية والقصة البوليسية. وهل هناك طريقة أخرى للوصول إلى نوع من الفهم للكينونة غير طريق الفنّ؟ إن الكتّاب أنفسهم لا يحلّلون ما يفعلون، وليس معنى هذا أن نخدع عملية الكتابة بل أن نستخرج صورة عن التركيز الداخليّ المتوتّر حيث على الكاتب أن يعبر تلك المفازات ويجعلها تخصّ الكلمة، كما يزرع مستكشف راية. يضع أنتونى بيرجس تعريفاً للأدب بأنه "كشف العالم جمالياً"، فمن هناك تبدأ الكتابة، لأن استكشاف ما بعدها، وهو مع ذلك جمالياً فقط، يعنى أن نعبّر. لكن، كيف يوهب الكاتب الكلمة؟ إن الحياة والآراء ليست الأساس، بل هى فى التوتّر ما بين البعاد عن شيء والانخراط فيه حيث يقوم الخيال بتحويل كلّ منهما. وأنا كالغجريّ الذى كان يتعامل مع الكلمات المستعملة، أقوّم جهودى فى الكتابة بالتعلّم مما أقرأ. بروست، تشيكوف، ديستويفسكي، بعض ممن أدين لهم بتجربتى فى الكتابة، كنتُ ساعتها أومن بأن الكتب تُؤلّف من كتب أخرى، لكنى لم أعد أحتفظ بهذا الرأي. وقد تعامل ألبرت كامى مع هذه المسألة، حيث أكّد أن المرء يحتاج للخبز والعدل، لكنه يحتاج أيضاً إلى الجمال الخالص، والذى هو من خبز قلبه. ويفترض ماركيز معادلة الأدب هكذا: أفضل طريقة يحقّق بها الكاتب ثورةً هى أن يكتب بأقصى ما يستطيع".